الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالَ الَّذِي نَجا مِنهُما وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أنا أُنَبِّئُكم بِتَأْوِيلِهِ فَأرْسِلُونِي﴾ ﴿يُوسُفُ أيُّها الصِّدِّيقُ أفْتِنا في سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أرْجِعُ إلى النّاسِ لَعَلَّهم يَعْلَمُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ المَلِكَ لَمّا سَألَ المَلَأ عَنِ الرُّؤْيا واعْتَرَفَ الحاضِرُونَ بِالعَجْزِ عَنِ الجَوابِ قالَ الشَّرابِيُّ: إنَّ في الحَبْسِ رَجُلًا فاضِلًا صالِحًا كَثِيرَ العِلْمِ كَثِيرَ الطّاعَةِ قَصَصْتُ أنا والخَبّازُ عَلَيْهِ مَنامَيْنِ فَذَكَرَ تَأْوِيلَهُما فَصَدَقَ في الكُلِّ وما أخْطَأ في حَرْفٍ، فَإنْ أذِنْتَ مَضَيْتُ إلَيْهِ وجِئْتُكَ بِالجَوابِ، فَهَذا هو قَوْلُهُ: ﴿وقالَ الَّذِي نَجا مِنهُما﴾ .
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ فَنَقُولُ: سَيَجِيءُ ادَّكَرَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن مُدَّكِرٍ﴾ في سُورَةِ القَمَرِ، قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: ”وادَّكَرَ“ بِالدّالِ هو الفَصِيحُ، عَنِ الحَسَنِ ”واذَّكَرَ“ بِالذّالِ أيْ تَذَكَّرَ، وأمّا الأُمَّةُ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: ”بَعْدَ أُمَّةٍ“ أيْ بَعْدَ حِينٍ، وذَلِكَ لِأنَّ الحِينَ إنَّما يَحْصُلُ عِنْدَ اجْتِماعِ الأيّامِ الكَثِيرَةِ كَما أنَّ الأُمَّةَ إنَّما تَحْصُلُ عِنْدَ اجْتِماعِ الجَمْعِ العَظِيمِ، فالحِينُ كانَ أُمَّةً مِنَ الأيّامِ والسّاعاتِ.
والثّانِي: قَرَأ الأشْهَبُ العُقَيْلِيُّ ”بَعْدَ إمَّةٍ“ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، والإمَّةُ النِّعْمَةُ قالَ عَدِيٌّ:
؎ثُمَّ بَعْدَ الفَلاحِ والمُلْكِ والإمَّةِ وارَتْهم هُناكَ القُبُورُ
والمَعْنى: بَعْدَما أنْعَمَ عَلَيْهِ بِالنَّجاةِ.
الثّالِثُ: قُرِئَ ”بَعْدَ أمَةٍ“ أيْ بَعْدَ نِسْيانٍ، يُقالُ أمِهَ يَأْمَهُ أمَهًا إذا نَسِيَ، والصَّحِيحُ أنَّها بِفَتْحِ المِيمِ، وذَكَرَهُ أبُو عُبَيْدَةَ بِسُكُونِ المِيمِ، وحاصِلُ الكَلامِ أنَّهُ إمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ وادَّكَرَ بَعْدَ مُضِيِّ الأوْقاتِ الكَثِيرَةِ مِنَ الوَقْتِ الَّذِي أوْصاهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِذِكْرِهِ عِنْدَ المَلِكِ، أوِ المُرادُ وادَّكَرَ بَعْدَ وِجْدانِ النِّعْمَةِ عِنْدَ ذَلِكَ المَلِكِ، أوِ المُرادُ وادَّكَرَ بَعْدَ النِّسْيانِ.
فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ النّاسِيَ هو الشَّرابِيُّ وأنْتُمْ تَقُولُونَ النّاسِي هو يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قُلْنا: قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ادَّكَرَ بِمَعْنى ذَكَرَ وأخْبَرَ، وهَذا لا يَدُلُّ عَلى سَبْقِ النِّسْيانِ، فَلَعَلَّ السّاقِيَ إنَّما لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْمَلِكِ خَوْفًا مِن أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذْكارًا لِذَنْبِهِ الَّذِي مِن أجْلِهِ حَبَسَهُ فَيَزْدادَ الشَّرُّ، ويَحْتَمِلُ أيْضًا أنْ يُقالَ: حَصَلَ النِّسْيانُ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وحَصَلَ أيْضًا لِذَلِكَ الشَّرابِيِّ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿فَأرْسِلُونِي﴾ خِطابٌ إمّا لِلْمَلِكِ والجَمْعِ أوْ لِلْمَلِكِ وحْدَهُ عَلى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿يُوسُفُ أيُّها الصِّدِّيقُ﴾ فَفِيهِ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: فَأُرْسِلَ وأتاهُ وقالَ أيُّها الصِّدِّيقُ، والصِّدِّيقُ هو البالِغُ في الصِّدْقِ، وصَفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأنَّهُ لَمْ يُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِبًا، وقِيلَ: لِأنَّهُ صَدَقَ في تَعْبِيرِ رُؤْياهُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن أرادَ أنْ يَتَعَلَّمَ مِن رَجُلٍ شَيْئًا فَإنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يُعَظِّمَهُ وأنْ يُخاطِبَهُ بِالألْفاظِ المُشْعِرَةِ بِالإجْلالِ. ثُمَّ إنَّهُ أعادَ السُّؤالَ بِعَيْنِ اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ المَلِكُ ونِعْمَ ما فَعَلَ، فَإنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤْيا قَدْ يَخْتَلِفُ بِسَبَبِ اخْتِلافِ اللَّفْظِ كَما هو مَذْكُورٌ في ذَلِكَ العِلْمِ.
(p-١٢٠)أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلِّي أرْجِعُ إلى النّاسِ لَعَلَّهم يَعْلَمُونَ﴾ فالمُرادُ لَعَلِّي أرْجِعُ إلى النّاسِ بِفَتْواكَ لَعَلَّهم يَعْلَمُونَ فَضْلَكَ وعِلْمَكَ، وإنَّما قالَ لَعَلِّي أرْجِعُ إلى النّاسِ بِفَتْواكَ لِأنَّهُ رَأى عَجْزَ سائِرِ المُعَبِّرِينَ عَنْ جَوابِ هَذِهِ المَسْألَةِ، فَخافَ أنْ يَعْجِزَ هو أيْضًا عَنْها، فَلِهَذا السَّبَبِ قالَ: ﴿لَعَلِّي أرْجِعُ إلى النّاسِ﴾ .
{"ayahs_start":45,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِی نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِیلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ","یُوسُفُ أَیُّهَا ٱلصِّدِّیقُ أَفۡتِنَا فِی سَبۡعِ بَقَرَ ٰتࣲ سِمَانࣲ یَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضۡرࣲ وَأُخَرَ یَابِسَـٰتࣲ لَّعَلِّیۤ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"یُوسُفُ أَیُّهَا ٱلصِّدِّیقُ أَفۡتِنَا فِی سَبۡعِ بَقَرَ ٰتࣲ سِمَانࣲ یَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضۡرࣲ وَأُخَرَ یَابِسَـٰتࣲ لَّعَلِّیۤ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق