الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِن مِصْرَ لِامْرَأتِهِ أكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتَّخِذَهُ ولَدًا﴾ ﴿وكَذَلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ ولِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ واللَّهُ غالِبٌ عَلى أمْرِهِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾
وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ ثَبَتَ في الأخْبارِ أنَّ الَّذِي اشْتَراهُ إمّا مِنَ الإخْوَةِ أوْ مِنَ الوارِدِينَ عَلى الماءِ ذَهَبَ بِهِ إلى مِصْرَ وباعَهُ هُناكَ. وقِيلَ إنَّ الَّذِي اشْتَراهُ قِطْفِيرُ أوْ إطْفِيرُ وهو العَزِيزُ الَّذِي كانَ يَلِي خَزائِنَ مِصْرَ، والمَلِكُ يَوْمَئِذٍ الرَّيّانُ بْنُ الوَلِيدِ رَجُلٌ مِنَ العَمالِيقِ، وقَدْ آمَنَ بِيُوسُفَ وماتَ في حَياةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَمَلَكَ بَعْدَهُ قابُوسُ بْنُ مُصْعَبٍ فَدَعاهُ يُوسُفُ إلى الإسْلامِ فَأبى، واشْتَراهُ العَزِيزُ وهو ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وأقامَ في مَنزِلِهِ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، واسْتَوْزَرَهُ رَيّانُ بْنُ الوَلِيدِ وهو ابْنُ ثَلاثِينَ سَنَةً، وآتاهُ اللَّهُ المُلْكَ والحِكْمَةَ وهو ابْنُ ثَلاثٍ وثَلاثِينَ سَنَةً، وتُوُفِّيَ وهو ابْنُ مِائَةٍ وعِشْرِينَ سَنَةً. وقِيلَ: كانَ المَلِكُ في أيّامِهِ فِرْعَوْنَ مُوسى عاشَ أرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَقَدْ جاءَكم يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالبَيِّناتِ﴾ [غافر: ٣٤] وقِيلَ: فِرْعَوْنُ مُوسى مِن أوْلادِ فِرْعَوْنِ يُوسُفَ، وقِيلَ: اشْتَراهُ العَزِيزُ بِعِشْرِينَ دِينارًا، وقِيلَ: أدْخَلُوهُ السُّوقَ يَعْرِضُونَهُ فَتَرافَعُوا في ثَمَنِهِ حَتّى بَلَغَ ثَمَنُهُ ما يُساوِيهِ في الوَزْنِ مِنَ المِسْكِ والوَرِقِ والحَرِيرِ، فابْتاعَهُ قِطْفِيرُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ. وقالُوا: اسْمُ تِلْكَ المَرْأةِ زَلِيخا، وقِيلَ راعِيلُ.
(p-٨٨)واعْلَمْ أنَّ شَيْئًا مِن هَذِهِ الرِّواياتِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ، ولَمْ يَثْبُتْ أيْضًا في خَبَرٍ صَحِيحٍ، وتَفْسِيرُ كِتابِ اللَّهِ تَعالى لا يَتَوَقَّفُ عَلى شَيْءٍ مِن هَذِهِ الرِّواياتِ، فالألْيَقُ بِالعاقِلِ أنْ يَحْتَرِزَ مِن ذِكْرِها.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿أكْرِمِي مَثْواهُ﴾ أيْ مَنزِلَهُ ومَقامَهُ عِنْدَكِ مِن قَوْلِكَ ثَوَيْتُ بِالمَكانِ إذا أقَمْتَ بِهِ، ومَصْدَرُهُ الثَّواءُ، والمَعْنى: اجْعَلِي مَنزِلَهُ عِنْدَكِ كَرِيمًا حَسَنًا مَرْضِيًّا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ رَبِّي أحْسَنَ مَثْوايَ﴾ [يوسف: ٢٣] وقالَ المُحَقِّقُونَ: أمَرَ العَزِيزُ امْرَأتَهُ بِإكْرامِ مَثْواهُ دُونَ إكْرامِ نَفْسِهِ، يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ عَلى سَبِيلِ الإجْلالِ والتَّعْظِيمِ وهو كَما يُقالُ: سَلامُ اللَّهِ عَلى المَجْلِسِ العالِي، ولَمّا أمَرَها بِإكْرامِ مَثْواهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأنْ قالَ: ﴿عَسى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتَّخِذَهُ ولَدًا﴾ أيْ يَقُومُ بِإصْلاحِ مُهِمّاتِنا، أوْ نَتَّخِذُهُ ولَدًا، لِأنَّهُ كانَ لا يُولَدُ لَهُ ولَدٌ، وكانَ حَصُورًا.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ﴾ أيْ كَما أنْعَمْنا عَلَيْهِ بِالسَّلامَةِ مِنَ الجُبِّ مَكَّنّاهُ بِأنْ عَطَّفْنا عَلَيْهِ قَلْبَ العَزِيزِ، حَتّى تَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلى أنْ صارَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الأمْرِ والنَّهْيِ في أرْضِ مِصْرَ.
واعْلَمْ أنَّ الكَمالاتِ الحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ إلّا القُدْرَةَ والعِلْمَ وأنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا حاوَلَ إعْلاءَ شَأْنِ يُوسُفَ ذَكَرَهُ بِهَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ، أمّا تَكْمِيلُهُ في صِفَةِ القُدْرَةِ والمُكْنَةِ فَإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَكَّنّا لِيُوسُفَ في الأرْضِ﴾ وأمّا تَكْمِيلُهُ في صِفَةِ العِلْمِ، فَإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الكَلِمَةِ.
واعْلَمْ أنّا ذَكَرْنا أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا أُلْقِيَ في الجُبِّ قالَ تَعالى: ﴿وأوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهم بِأمْرِهِمْ هَذا﴾ [يوسف: ١٥] وذَلِكَ يَدُلُّ ظاهِرًا عَلى أنَّهُ تَعالى أوْحى إلَيْهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ. وعِنْدَنا الإرْهاصُ جائِزٌ، فَلا يَبْعُدُ أنْ يُقالَ: إنَّ ذَلِكَ الوَحْيَ إلَيْهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ ما كانَ لِأجْلِ بِعْثَتِهِ إلى الخَلْقِ، بَلْ لِأجْلِ تَقْوِيَةِ قَلْبِهِ وإزالَةِ الحُزْنِ عَنْ صَدْرِهِ، ولِأجْلِ أنْ يَسْتَأْنِسَ بِحُضُورِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى قالَ هَهُنا: ﴿ولِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ﴾ والمُرادُ مِنهُ إرْسالُهُ إلى الخَلْقِ بِتَبْلِيغِ التَّكالِيفِ، ودَعْوَةِ الخَلْقِ إلى الدِّينِ الحَقِّ، ويُحْتَمَلُ أيْضًا أنْ يُقالَ: إنَّ ذَلِكَ الوَحْيَ الأوَّلَ كانَ لِأجْلِ الرِّسالَةِ والنُّبُوَّةِ، ويُحْمَلُ قَوْلُهُ: ﴿ولِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ﴾ عَلى أنَّهُ تَعالى أوْحى إلَيْهِ بِزِياداتٍ ودَرَجاتٍ يَصِيرُ بِها كُلَّ يَوْمٍ أعْلى حالًا مِمّا كانَ قَبْلَهُ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أشَدُّ النّاسِ فِراسَةً ثَلاثَةٌ: العَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ في يُوسُفَ فَقالَ لِامْرَأتِهِ أكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أنْ يَنْفَعَنا، والمَرْأةُ لَمّا رَأتْ مُوسى، فَقالَتْ: ﴿ياأبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص: ٢٦] وأبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واللَّهُ غالِبٌ عَلى أمْرِهِ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: غالِبٌ عَلى أمْرِ نَفْسِهِ لِأنَّهُ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ لا دافِعَ لِقَضائِهِ ولا مانِعَ عَنْ حُكْمِهِ في أرْضِهِ وسَمائِهِ.
والثّانِي: واللَّهُ غالِبٌ عَلى أمْرِ يُوسُفَ، يَعْنِي أنَّ انْتِظامَ أُمُورِهِ كانَ إلَهِيًّا، وما كانَ بِسَعْيِهِ، وإخْوَتُهُ أرادُوا بِهِ كُلَّ سُوءٍ ومَكْرُوهٍ واللَّهُ أرادَ بِهِ الخَيْرَ، فَكانَ كَما أرادَ اللَّهُ تَعالى ودَبَّرَ، ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللَّهِ.
واعْلَمْ أنَّ مَن تَأمَّلَ في أحْوالِ الدُّنْيا وعَجائِبِ أحْوالِها عَرَفَ وتَيَقَّنَ أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، وأنَّ قَضاءَ اللَّهِ غالِبٌ.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِی ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦۤ أَكۡرِمِی مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰۤ أَن یَنفَعَنَاۤ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدࣰاۚ وَكَذَ ٰلِكَ مَكَّنَّا لِیُوسُفَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق