الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ إنِّي لَيَحْزُنُنِي أنْ تَذْهَبُوا بِهِ وأخافُ أنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وأنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ﴾ ﴿قالُوا لَئِنْ أكَلَهُ الذِّئْبُ ونَحْنُ عُصْبَةٌ إنّا إذًا لَخاسِرُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهم لَمّا طَلَبُوا مِنهُ أنْ يُرْسِلَ يُوسُفَ مَعَهُمُ اعْتَذَرَ إلَيْهِمْ بِشَيْئَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ ذَهابَهم بِهِ ومُفارَقَتَهم إيّاهُ مِمّا يُحْزِنُهُ لِأنَّهُ كانَ لا يَصْبِرُ عَنْهُ ساعَةً. والثّانِي: خَوْفُهُ عَلَيْهِ مِنَ الذِّئْبِ إذا غَفَلُوا عَنْهُ بِرَعْيِهِمْ أوْ لَعِبِهِمْ لِقِلَّةِ اهْتِمامِهِمْ بِهِ. قِيلَ: إنَّهُ رَأى في النَّوْمِ أنَّ الذِّئْبَ شَدَّ عَلى يُوسُفَ، فَكانَ يُحَذِّرُهُ فَمِن هَذا ذَكَرَ ذَلِكَ، وكَأنَّهُ لَقَّنَهُمُ الحُجَّةَ، وفي أمْثالِهِمْ: البَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالمَنطِقِ. وقِيلَ: الذِّئابُ كانَتْ في أراضِيهِمْ كَثِيرَةً، وقُرِئَ ”الذِّئْبُ“ بِالهَمْزِ عَلى الأصْلِ وبِالتَّخْفِيفِ. وقِيلَ: اشْتِقاقُهُ مِن تَذاءَبَتِ الرِّيحُ إذا أتَتْ مِن كُلِّ جِهَةٍ، فَلَمّا ذَكَرَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ هَذا الكَلامَ أجابُوا بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَئِنْ أكَلَهُ الذِّئْبُ ونَحْنُ عُصْبَةٌ إنّا إذًا لَخاسِرُونَ﴾ وفِيهِ سُؤالاتٌ: السُّؤالُ الأوَّلُ: ما فائِدَةُ اللّامِ في قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ أكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ ؟ . (p-٧٩)والجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ كَلِمَةَ ”إنْ“ تُفِيدُ كَوْنَ الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمًا لِلْجَزاءِ، أيْ: إنْ وقَعَتْ هَذِهِ الواقِعَةُ فَنَحْنُ خاسِرُونَ، فَهَذِهِ اللّامُ دَخَلَتْ لِتَأْكِيدِ هَذا الِاسْتِلْزامِ. الثّانِي: قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: هَذِهِ اللّامُ تَدُلُّ عَلى إضْمارِ القَسَمِ تَقْدِيرُهُ: واللَّهِ لَئِنْ أكَلَهُ الذِّئْبُ لَكُنّا خاسِرِينَ. السُّؤالُ الثّانِي: ما فائِدَةُ الواوِ في قَوْلِهِ: ﴿ونَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ ؟ . الجَوابُ: أنَّها واوُ الحالِ، حَلَفُوا لَئِنْ حَصَلَ ما خافَهُ مِن خَطْفِ الذِّئْبِ أخاهم مِن بَيْنِهِمْ، وحالُهم أنَّهم عَشَرَةُ رِجالٍ بِمِثْلِهِمْ تُعْصَبُ الأُمُورُ وتُكْفى الخُطُوبُ، إنَّهم إذًا لَقَوْمٌ خاسِرُونَ. السُّؤالُ الثّالِثُ: ما المُرادُ مِن قَوْلِهِمْ: ﴿إنّا إذًا لَخاسِرُونَ﴾ ؟ . الجَوابُ فِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: خاسِرُونَ أيْ هالِكُونَ ضَعْفًا وعَجْزًا، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَئِنْ أطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكم إنَّكم إذًا لَخاسِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٤] أيْ لَعاجِزُونَ. الثّانِي: أنَّهم يَكُونُونَ مُسْتَحِقِّينَ لِأنَّ يُدْعى عَلَيْهِمْ بِالخَسارَةِ والدَّمارِ، وأنْ يُقالَ خَسَّرَهُمُ اللَّهُ تَعالى ودَمَّرَهم حِينَ أكَلَ الذِّئْبُ أخاهم وهم حاضِرُونَ. الثّالِثُ: المَعْنى أنّا إنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلى حِفْظِ أخِينا فَقَدْ هَلَكَتْ مَواشِينا وخَسِرْناها. الرّابِعُ: أنَّهم كانُوا قَدْ أتْعَبُوا أنْفُسَهم في خِدْمَةِ أبِيهِمْ واجْتَهَدُوا في القِيامِ بِمُهِمّاتِهِ، وإنَّما تَحَمَّلُوا تِلْكَ المَتاعِبَ لِيَفُوزُوا مِنهُ بِالدُّعاءِ والثَّناءِ فَقالُوا: لَوْ قَصَّرْنا في هَذِهِ الخِدْمَةِ فَقَدْ أحْبَطْنا كُلَّ تِلْكَ الأعْمالِ وخَسِرْنا كُلَّ ما صَدَرَ مِنّا مِن أنْواعِ الخِدْمَةِ. السُّؤالُ الرّابِعُ: أنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ اعْتَذَرَ بِعُذْرَيْنِ فَلِمَ أجابُوا عَنْ أحَدِهِما دُونَ الآخَرِ ؟ والجَوابُ: أنَّ حِقْدَهم وغَيْظَهم كانَ بِسَبَبِ العُذْرِ الأوَّلِ وهو شِدَّةُ حُبِّهِ لَهُ، فَلَمّا سَمِعُوا ذِكْرَ ذَلِكَ المَعْنى تَغافَلُوا عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب