الباحث القرآني
(p-١٧٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِن شَرِّ غاسِقٍ إذا وقَبَ﴾ ذَكَرُوا في الغاسِقِ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنَّ الغاسِقَ هو اللَّيْلُ إذا عَظُمَ ظَلامُهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ومِنهُ غَسَقَتِ العَيْنُ إذا امْتَلَأتْ دَمْعًا وغَسَقَتِ الجِراحَةُ إذا امْتَلَأتْ دَمًا، وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ وأبِي عُبَيْدَةِ، وأنْشَدَ ابْنُ قَيْسٍ:
؎إنَّ هَذا اللَّيْلَ قَدْ غَسَقا واشْتَكَيْتُ الهَمَّ والأرَقا
وقالَ الزَّجّاجُ: الغاسِقُ في اللُّغَةِ هو البارِدُ، وسُمِّيَ اللَّيْلُ غاسِقًا؛ لِأنَّهُ أبْرَدُ مِنَ النَّهارِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: إنَّهُ الزَّمْهَرِيرُ.
وثالِثُها: قالَ قَوْمٌ: الغاسِقُ والغَسّاقُ هو السّائِلُ مِن قَوْلِهِمْ: غَسَقَتِ العَيْنُ تَغْسِقُ غَسْقًا إذا سالَتْ بِالماءِ، وسُمِّيَ اللَّيْلُ غاسِقًا لِانْصِبابِ ظَلامِهِ عَلى الأرْضِ، أمّا الوُقُوبُ فَهو الدُّخُولُ في شَيْءٍ آخَرَ بِحَيْثُ يَغِيبُ عَنِ العَيْنِ، يُقالُ: وقَبَ يَقِبُ وُقُوبًا إذا دَخَلَ، والوَقْبَةُ النُّقْرَةُ لِأنَّهُ يَدْخُلُ فِيها الماءُ، والإيقابُ إدْخالُ الشَّيْءِ في الوَقْبَةِ، هَذا ما يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ ولِلْمُفَسِّرِينَ في الآيَةِ أقْوالٌ:
أحَدُها: أنَّ الغاسِقَ إذا وقَبَ هو اللَّيْلُ إذا دَخَلَ، وإنَّما أمَرَ أنْ يُتَعَوَّذَ مِن شَرِّ اللَّيْلِ؛ لِأنَّ في اللَّيْلِ تَخْرُجُ السِّباعُ مِن آجامِها والهَوامُّ مِن مَكانِها، ويَهْجُمُ السّارِقُ والمُكابِرُ ويَقَعُ الحَرِيقُ ويَقِلُّ فِيهِ الغَوْثُ، ولِذَلِكَ لَوْ شَهَرَ (مُعْتَدٍ) سِلاحًا عَلى إنْسانٍ لَيْلًا فَقَتَلَهُ المَشْهُورُ عَلَيْهِ لا يَلْزَمُهُ قِصاصٌ، ولَوْ كانَ نَهارًا يَلْزَمُهُ لِأنَّهُ يُوجَدُ فِيهِ الغَوْثُ، وقالَ قَوْمٌ: إنَّ في اللَّيْلِ تَنْتَشِرُ الأرْواحُ المُؤْذِيَةُ المُسَمّاةُ بِالجِنِّ والشَّياطِينِ، وذَلِكَ لِأنَّ قُوَّةَ شُعاعِ الشَّمْسِ كَأنَّها تَقْهَرُهم، أمّا في اللَّيْلِ فَيَحْصُلُ لَهم نَوْعُ اسْتِيلاءٍ.
وثانِيها: أنَّ الغاسِقَ إذا وقَبَ هو القَمَرُ، قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الغاسِقُ القَمَرُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأنَّهُ يُكْسَفُ فَيُغْسَقُ، أيْ يَذْهَبُ ضَوْءُهُ ويَسْوَدُّ، [ ووُقُوبُهُ ] دُخُولُهُ في ذَلِكَ الِاسْوِدادِ، رَوى أبُو سَلَمَةَ «عَنْ عائِشَةَ أنَّهُ أخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِها وأشارَ إلى القَمَرِ، وقالَ: اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِن شَرِّ هَذا فَإنَّهُ الغاسِقُ إذا وقَبَ»، قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ومَعْنى قَوْلِهِ: تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِن شَرِّهِ إذا وقَبَ أيْ إذا دَخَلَ في الكُسُوفِ، وعِنْدِي فِيهِ وجْهٌ آخَرُ: وهو أنَّهُ صَحَّ أنَّ القَمَرَ في جِرْمِهِ غَيْرُ مُسْتَنِيرٍ بَلْ هو مُظْلِمٌ، فَهَذا هو المُرادُ مِن كَوْنِهِ غاسِقًا، وأمّا وُقُوبُهُ فَهو انْمِحاءُ نُورِهِ في آخِرِ الشَّهْرِ، والمُنَجِّمُونَ يَقُولُونَ: إنَّهُ في آخِرِ الشَّهْرِ يَكُونُ مَنحُوسًا قَلِيلَ القُوَّةِ لِأنَّهُ لا يَزالُ يَنْتَقِصُ نُورُهُ فَبِسَبَبِ ذَلِكَ تَزْدادُ نُحُوسَتُهُ، ولِذَلِكَ فَإنَّ السَّحَرَةَ إنَّما يَشْتَغِلُونَ بِالسِّحْرِ المُوَرِّثِ لِلتَّمْرِيضِ في هَذا الوَقْتِ، وهَذا مُناسِبٌ لِسَبَبِ نُزُولِ السُّورَةِ فَإنَّها إنَّما نَزَلَتْ لِأجْلِ أنَّهم سَحَرُوا النَّبِيَّ ﷺ لِأجْلِ التَّمْرِيضِ.
وثالِثُها: قالَ ابْنُ زَيْدٍ: الغاسِقُ إذا وقَبَ يَعْنِي الثُّرَيّا إذا سَقَطَتْ قالَ، وكانَتِ الأسْقامُ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِها، وتَرْتَفِعُ عِنْدَ طُلُوعِها، وعَلى هَذا تُسَمّى الثُّرَيّا غاسِقًا، لِانْصِبابِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ في المَغْرِبِ، ووُقُوبُهُ دُخُولُهُ تَحْتَ الأرْضِ وغَيْبُوبَتُهُ عَنِ الأعْيُنِ.
ورابِعُها: قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالغاسِقِ الأسْوَدُ مِنَ الحَيّاتِ ووُقُوبُهُ ضَرْبُهُ ونَقْبُهُ، والوَقْبُ والنَّقْبُ واحِدٌ، واعْلَمْ أنَّ هَذا التَّأْوِيلَ أضْعَفُ الوُجُوهِ المَذْكُورَةِ.
وخامِسُها: الغاسِقُ: ﴿إذا وقَبَ﴾ هو الشَّمْسُ إذا غابَتْ وإنَّما سُمِّيَتْ غاسِقًا؛ لِأنَّها في الفَلَكِ تَسْبَحُ فَسَمّى حَرَكَتَها وجَرَيانَها بِالغَسَقِ، ووُقُوبُها غَيْبَتُها ودُخُولُها تَحْتَ الأرْضِ.
{"ayah":"وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











