الباحث القرآني

(p-١٥٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما أغْنى عَنْهُ مالُهُ وما كَسَبَ﴾ في الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: ”ما“ في قَوْلِهِ: ﴿ما أغْنى﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْتِفْهامًا بِمَعْنى الإنْكارِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ نَفْيًا، وعَلى التَّقْدِيرِ الأوَّلِ يَكُونُ المَعْنى: أيُّ تَأْثِيرٍ كانَ لِمالِهِ وكَسْبِهِ في دَفْعِ البَلاءِ عَنْهُ ؟ فَإنَّهُ لا أحَدَ أكْثَرُ مالًا مِن قارُونَ فَهَلْ دَفَعَ المَوْتَ عَنْهُ ؟ ولا أعْظَمَ مُلْكًا مِن سُلَيْمانَ، فَهَلْ دَفَعَ المَوْتَ عَنْهُ ؟ . وعَلى التَّقْدِيرِ الثّانِي يَكُونُ ذَلِكَ إخْبارًا بِأنَّ المالَ والكَسْبَ لا يَنْفَعُ في ذَلِكَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: (ما كَسَبَ) مَرْفُوعٌ و(ما) مَوْصُولَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ يَعْنِي مَكْسُوبَهُ أوْ كَسْبَهُ، يُرْوى أنَّهُ كانَ يَقُولُ: إنْ كانَ ما يَقُولُ ابْنُ أخِي حَقًّا فَأنا أفْتَدِي مِنهُ نَفْسِي بِمالِي وأوْلادِي، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، ثُمَّ ذَكَرُوا في المَعْنى وُجُوهًا: أحَدُها: لَمْ يَنْفَعْهُ مالُهُ وما كَسَبَ بِمالِهِ، يَعْنِي رَأْسَ المالِ والأرْباحِ. وثانِيها: أنَّ المالَ هو الماشِيَةُ وما كَسَبَ مِن نَسْلِها، ونِتاجِها، فَإنَّهُ كانَ صاحِبَ النَّعَمِ والنِّتاجِ. وثالِثُها: (مالُهُ) الَّذِي ورِثَهُ مِن أبِيهِ والَّذِي كَسَبَهُ بِنَفْسِهِ. ورابِعُها: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: (ما كَسَبَ) ولَدُهُ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«إنَّ أطْيَبَ ما يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِن كَسْبِهِ وإنَّ ولَدَهُ مِن كَسْبِهِ» “، وقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«أنْتَ ومالُكَ لِأبِيكَ» “ ورُوِيَ أنَّ بَنِي أبِي لَهَبٍ احْتَكَمُوا إلَيْهِ فاقْتَتَلُوا فَقامَ يَحْجِزُ بَيْنَهم فَدَفَعَهُ بَعْضُهم فَوَقَعَ: فَغَضِبَ فَقالَ: أخْرِجُوا عَنِّي الكَسْبَ الخَبِيثَ. وخامِسُها: قالَ الضَّحّاكُ: ما يَنْفَعُهُ مالُهُ وعَمَلُهُ الخَبِيثُ يَعْنِي كَيْدَهُ في عَداوَةِ رَسُولِ اللَّهِ. وسادِسُها: قالَ قَتادَةُ: ﴿وما كَسَبَ﴾ أيْ عَمَلُهُ الَّذِي ظَنَّ أنَّهُ مِنهُ عَلى شَيْءٍ كَقَوْلِهِ: ﴿وقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ﴾ [الفرقان: ٢٣] وفي الآيَةِ سُؤالاتٌ: السُّؤالُ الأوَّلُ: قالَ هَهُنا: ﴿ما أغْنى عَنْهُ مالُهُ وما كَسَبَ﴾ وقالَ في سُورَةِ: ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى﴾ [الليل: ١] ﴿وما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذا تَرَدّى﴾ [الليل: ١١] فَما الفَرْقُ ؟ الجَوابُ: التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الماضِي يَكُونُ آكَدَ كَقَوْلِهِ: ﴿ما أغْنى عَنِّي مالِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٨] وقَوْلِهِ: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] . السُّؤالُ الثّانِي: ما أغْنى عَنْهُ مالُهُ وكَسْبُهُ في ماذا ؟ الجَوابُ: قالَ بَعْضُهم في عَداوَةِ الرَّسُولِ: فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ، وقالَ بَعْضُهم: بَلْ لَمْ يُغْنِيا عَنْهُ في دَفْعِ النّارِ ولِذَلِكَ قالَ: (سَيَصْلى) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب