الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا ياشُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمّا تَقُولُ وإنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفًا ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وما أنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمّا بالَغَ في التَّقْرِيرِ والبَيانِ، أجابُوهُ بِكَلِماتٍ فاسِدَةٍ. فالأوَّلُ: قَوْلُهم: ﴿قالُوا ياشُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمّا تَقُولُ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ يُخاطِبُهم بِلِسانِهِمْ، فَلِمَ قالُوا: ﴿ما نَفْقَهُ﴾ ؟ والعُلَماءُ ذَكَرُوا عَنْهُ أنْواعًا مِنَ الجَواباتِ:
فالأوَّلُ: أنَّ المُرادَ: ما نَفْهَمُ كَثِيرًا مِمّا تَقُولُ؛ لِأنَّهم كانُوا لا يُلْقُونَ إلَيْهِ أفْهامَهم لِشِدَّةِ نَفْرَتِهِمْ عَنْ كَلامِهِ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ﴾ [الأنْعامِ: ٢٥ ] .
الثّانِي: أنَّهم فَهِمُوهُ بِقُلُوبِهِمْ، ولَكِنَّهم ما أقامُوا لَهُ وزْنًا، فَذَكَرُوا هَذا الكَلامَ عَلى وجْهِ الِاسْتِهانَةِ، كَما يَقُولُ الرَّجُلُ لِصاحِبِهِ إذْ لَمْ يَعْبَأْ بِحَدِيثِهِ: ما أدْرِي ما تَقُولُ.
الثّالِثُ: أنَّ هَذِهِ الدَّلائِلَ الَّتِي ذَكَرَها ما أقْنَعَتْهم في صِحَّةِ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والبَعْثِ، وما يَجِبُ مِن تَرْكِ الظُّلْمِ والسَّرِقَةِ، فَقَوْلُهم: ﴿ما نَفْقَهُ﴾ أيْ لَمْ نَعْرِفْ صِحَّةَ الدَّلائِلِ الَّتِي ذَكَرْتُها عَلى صِحَّةِ هَذِهِ المَطالِبِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: مِنَ النّاسِ مَن قالَ: الفِقْهُ اسْمٌ لِعِلْمٍ مَخْصُوصٍ، وهو مَعْرِفَةُ غَرَضِ المُتَكَلِّمِ مِن كَلامِهِ، واحْتَجُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ وهي قَوْلُهُ: ﴿ما نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمّا تَقُولُ﴾ فَأضافَ الفِقْهَ إلى القَوْلِ، ثُمَّ صارَ اسْمًا لِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِن عُلُومِ الدِّينِ، ومِنهم مَن قالَ: إنَّهُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الفَهْمِ، يُقالُ: أُوتِيَ فُلانٌ فِقْهًا في الدِّينِ، أيْ فَهْمًا، وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”«مَن يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» “ أيْ يُفَهِّمْهُ تَأْوِيلَهُ.
والنَّوْعُ الثّانِي مِنَ الأشْياءِ الَّتِي ذَكَرُوها: قَوْلُهم: ﴿وإنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفًا﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ الضَّعِيفُ الَّذِي يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَنعُ القَوْمِ عَنْ نَفْسِهِ.
والثّانِي: أنَّ الضَّعِيفَ هو الأعْمى بِلُغَةِ حِمْيَرَ، واعْلَمْ أنَّ هَذا القَوْلَ ضَعِيفٌ؛ لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَرْكٌ لِلظّاهِرِ مِن غَيْرِ دَلِيلٍ.
والثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فِينا﴾ يُبْطِلُ هَذا الوَجْهَ؛ ألا تَرى أنَّهُ لَوْ قالَ: إنّا لَنَراكَ أعْمى فِينا كانَ فاسِدًا؛ لِأنَّ الأعْمى أعْمى فِيهِمْ وفي غَيْرِهِمْ.
الثّالِثُ: أنَّهم قالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ﴾ فَنَفَوْا عَنْهُ القُوَّةَ الَّتِي أثْبَتُوها في رَهْطِهِ، ولَمّا كانَ المُرادُ بِالقُوَّةِ الَّتِي أثْبَتُوها لِلرَّهْطِ هي النُّصْرَةَ، وجَبَ أنْ تَكُونَ القُوَّةُ الَّتِي نَفَوْها عَنْهُ هي النُّصْرَةَ، والَّذِينَ حَمَلُوا اللَّفْظَ عَلى ضَعْفِ البَصَرِ لَعَلَّهم إنَّما حَمَلُوهُ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ سَبَبٌ لِلضَّعْفِ.
واعْلَمْ أنَّ أصْحابَنا يُجَوِّزُونَ العَمى عَلى الأنْبِياءِ، إلّا أنَّ هَذا اللَّفْظَ لا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلالُ بِهِ في إثْباتِ هَذا المَعْنى؛ لِما بَيَّنّاهُ.
وأمّا المُعْتَزِلَةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنهم مَن قالَ: إنَّهُ لا يَجُوزُ؛ لِكَوْنِهِ مُتَعَبِّدًا، فَإنَّهُ لا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرازُ عَنِ النَّجاساتِ، ولِأنَّهُ يُخِلُّ بِجَوازِ كَوْنِهِ حاكِمًا وشاهِدًا، فَلِأنْ يَمْنَعَ مِنَ النُّبُوَّةِ كانَ أوْلى، والكَلامُ فِيهِ لا يَلِيقُ بِهَذِهِ الآيَةِ، لِأنّا بَيَّنّا أنَّ الآيَةَ لا دَلالَةَ فِيها عَلى هَذا المَعْنى.
والنَّوْعُ الثّالِثُ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي ذَكَرُوها: قَوْلُهم: ﴿ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ: (p-٤١)المَسْألَةُ الأُولى: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: الرَّهْطُ مِنَ الثَّلاثَةِ إلى العَشْرَةِ، وقِيلَ إلى السَّبْعَةِ، وقَدْ كانَ رَهْطُهُ عَلى مِلَّتِهِمْ. قالُوا: لَوْلا حُرْمَةُ رَهْطِكَ عِنْدَنا بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ عَلى مِلَّتِنا لَرَجَمْناكَ، والمَقْصُودُ مِن هَذا الكَلامِ أنَّهم بَيَّنُوا أنَّهُ لا حُرْمَةَ لَهُ عِنْدَهم، ولا وقْعَ لَهُ في صُدُورِهِمْ، وأنَّهم إنَّما لَمْ يَقْتُلُوهُ لِأجْلِ احْتِرامِهِمْ رَهْطَهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الرَّجْمُ في اللُّغَةِ عِبارَةٌ عَنِ الرَّمْيِ، وذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالحِجارَةِ عِنْدَ قَصْدِ القَتْلِ، ولَمّا كانَ هَذا الرَّجْمُ سَبَبًا لِلْقَتْلِ لا جَرَمَ سَمَّوُا القَتْلَ رَجْمًا، وقَدْ يَكُونُ بِالقَوْلِ الَّذِي هو القَذْفُ، كَقَوْلِهِ: ﴿رَجْمًا بِالغَيْبِ﴾ [الكَهْفِ: ٢٢ ]، وقَوْلِهِ: ﴿ويَقْذِفُونَ بِالغَيْبِ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [سَبَأٍ: ٥٣ ] وقَدْ يَكُونُ بِالشَّتْمِ واللَّعْنِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ٣٦ ] وقَدْ يَكُونُ بِالطَّرْدِ كَقَوْلِهِ: ﴿رُجُومًا لِلشَّياطِينِ﴾ [المُلْكِ: ٥ ] .
إذا عَرَفْتَ هَذا فَفي الآيَةِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: ﴿لَرَجَمْناكَ﴾ لَقَتَلْناكَ.
الثّانِي: لَشَتَمْناكَ وطَرَدْناكَ.
النَّوْعُ الرّابِعُ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي ذَكَرُوها: قَوْلُهم: ﴿وما أنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ﴾ ومَعْناهُ أنَّكَ لَمّا لَمْ تَكُنْ عَلَيْنا عَزِيزًا، سَهُلَ عَلَيْنا الإقْدامُ عَلى قَتْلِكَ وإيذائِكَ.
واعْلَمْ أنَّ كُلَّ هَذِهِ الوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوها لَيْسَتْ دافِعًا لِما قَرَّرَهُ شُعَيْبٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الدَّلائِلِ والبَيِّناتِ، بَلْ هي جارِيَةٌ مَجْرى مُقابَلَةِ الدَّلِيلِ والحُجَّةِ بِالشَّتْمِ والسَّفاهَةِ.
{"ayah":"قَالُوا۟ یَـٰشُعَیۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِیرࣰا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِینَا ضَعِیفࣰاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَـٰكَۖ وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡنَا بِعَزِیزࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











