الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا قالَ ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ ولا تَنْقُصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ إنِّي أراكم بِخَيْرٍ وإنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ ﴿ويا قَوْمِ أوْفُوا المِكْيالَ والمِيزانَ بِالقِسْطِ ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهم ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وما أنا عَلَيْكم بِحَفِيظٍ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ هَذا هو القِصَّةُ السّادِسَةُ مِنَ القِصَصِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ. واعْلَمْ أنَّ مَدِينَ اسْمُ ابْنٍ لِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، ثُمَّ صارَ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ، وكَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ يَذْهَبُ إلى أنَّ مَدْيَنَ اسْمُ مَدِينَةٍ بَناها مَدْيَنُ بْنُ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - . والمَعْنى عَلى هَذا التَّقْدِيرِ: وأرْسَلْنا إلى أهْلِ مَدْيَنَ - فَحُذِفَ الأهْلُ.
واعْلَمْ أنّا بَيَّنّا أنَّ الأنْبِياءَ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - يَشْرَعُونَ في أوَّلِ الأمْرِ بِالدَّعْوَةِ إلى التَّوْحِيدِ؛ فَلِهَذا قالَ شُعَيْبٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ثُمَّ إنَّهم بَعْدَ الدَّعْوَةِ إلى التَّوْحِيدِ يَشْرَعُونَ في الأهَمِّ ثُمَّ الأهَمِّ، ولَمّا كانَ المُعْتادُ مِن أهْلِ مَدْيَنَ البَخْسَ في المِكْيالِ والمِيزانِ، دَعاهم إلى تَرْكِ هَذِهِ العادَةِ فَقالَ: ﴿ولا تَنْقُصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ والنَّقْصُ فِيهِ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ الإيفاءُ مِن قِبَلِهِمْ، فَيَنْقُصُونَ مِن قَدْرِهِ.
والآخَرُ: أنْ يَكُونَ لَهُمُ الِاسْتِيفاءُ فَيَأْخُذُونَ أزْيَدَ مِنَ الواجِبِ، وذَلِكَ يُوجِبُ نُقْصانَ حَقِّ الغَيْرِ، وفي القِسْمَيْنِ حَصَلَ النُّقْصانُ في حَقِّ الغَيْرِ. ثُمَّ قالَ: ﴿إنِّي أراكم بِخَيْرٍ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ حَذَّرَهم مِن غَلاءِ السِّعْرِ وزَوالِ النِّعْمَةِ إنْ لَمْ يَتُوبُوا، فَكَأنَّهُ قالَ: اتْرُكُوا هَذا التَّطْفِيفَ وإلّا أزالَ اللَّهُ عَنْكم ما حَصَلَ عِنْدَكم مِنَ الخَيْرِ والرّاحَةِ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أنَّهُ تَعالى أتاكم بِالخَيْرِ الكَثِيرِ والمالِ والرُّخْصِ والسَّعَةِ، فَلا حاجَةَ بِكم إلى هَذا التَّطْفِيفِ. ثُمَّ قالَ: ﴿وإنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ وفِيهِ أبْحاثٌ:
البَحْثُ الأوَّلُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: أخافُ أيْ أعْلَمُ حُصُولَ عَذابِ يَوْمٍ مُحِيطٍ، وقالَ آخَرُونَ: بَلِ المُرادُ هو الخَوْفُ؛ لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَتْرُكُوا ذَلِكَ العَمَلَ خَشْيَةَ أنْ يَحْصُلَ لَهُمُ العَذابُ، ولَمّا كانَ هَذا التَّخْوِيفُ قائِمًا فالحاصِلُ هو الظَّنُّ لا العِلْمُ.
البَحْثُ الثّانِي: أنَّهُ تَعالى تَوَعَّدَهم بِعَذابٍ يُحِيطُ بِهِمْ بِحَيْثُ لا يَخْرُجُ مِنهُ أحَدٌ، والمُحِيطُ مِن صِفَةِ اليَوْمِ في الظّاهِرِ، وفي المَعْنى مِن صِفَةِ العَذابِ، وذَلِكَ مَجازٌ مَشْهُورٌ كَقَوْلِهِ: ﴿هَذا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هُودٍ: ٧٧ ] .
(p-٣٤)البَحْثُ الثّالِثُ: اخْتَلَفُوا في المُرادِ بِهَذا العَذابِ، فَقالَ بَعْضُهم: هو عَذابُ يَوْمِ القِيامَةِ؛ لِأنَّهُ اليَوْمُ الَّذِي نُصِبَ لِإحاطَةِ العَذابِ بِالمُعَذَّبِينَ، وقالَ بَعْضُهم: بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ عَذابُ الدُّنْيا والآخِرَةِ، وقالَ بَعْضُهم: بَلِ المُرادُ مِنهُ عَذابُ الِاسْتِئْصالِ في الدُّنْيا كَما في حَقِّ سائِرِ الأنْبِياءِ، والأقْرَبُ دُخُولُ كُلِّ عَذابٍ فِيهِ، وإحاطَةُ العَذابِ بِهِمْ كَإحاطَةِ الدّائِرَةِ بِما في داخِلِها، فَيَنالُهم مِن كُلِّ وجْهٍ، وذَلِكَ مُبالَغَةٌ في الوَعْدِ كَقَوْلِهِ: ﴿وأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكَهْفِ: ٤٢ ] ثُمَّ قالَ: ﴿ويا قَوْمِ أوْفُوا المِكْيالَ والمِيزانَ بِالقِسْطِ﴾ .
فَإنْ قِيلَ: وقَعَ التَّكْرِيرُ في هَذِهِ الآيَةِ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ؛ لِأنَّهُ قالَ أوَّلًا: ﴿ولا تَنْقُصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿أوْفُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ وهَذا عَيْنُ الأوَّلِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ﴾ وهَذا عَيْنُ ما تَقَدَّمَ، فَما الفائِدَةُ في هَذا التَّكْرِيرِ ؟
قُلْنا: إنَّ فِيهِ وُجُوهًا:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ القَوْمَ كانُوا مُصِرِّينَ عَلى ذَلِكَ العَمَلِ، فاحْتِيجَ في المَنعِ مِنهُ إلى المُبالَغَةِ والتَّأْكِيدِ، والتَّكْرِيرُ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ وشِدَّةَ العِنايَةِ والِاهْتِمامِ.
والوَجْهُ الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولا تَنْقُصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ نَهْيٌ عَنِ التَّنْقِيصِ، وقَوْلَهُ: ﴿أوْفُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ أمْرٌ بِإيفاءِ العَدْلِ، والنَّهْيُ عَنْ ضِدِّ الشَّيْءِ مُغايِرٌ لِلْأمْرِ بِهِ، ولَيْسَ لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: النَّهْيُ عَنْ ضِدِّ الشَّيْءِ أمْرٌ بِهِ، فَكانَ التَّكْرِيرُ لازِمًا مِن هَذا الوَجْهِ؛ لِأنّا نَقُولُ: الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى جَمَعَ بَيْنَ الأمْرِ والشَّيْءِ وبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ لِلْمُبالَغَةِ، كَما تَقُولُ: صِلْ قَرابَتَكَ ولا تَقْطَعْهم، فَيَدُلُّ هَذا الجَمْعُ عَلى غايَةِ التَّأْكِيدِ.
الثّانِي: أنْ نَقُولَ: لا نُسَلِّمُ أنَّ الأمْرَ كَما ذَكَرْتُمْ؛ لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَنْهى عَنِ التَّنْقِيصِ ويَنْهى أيْضًا عَنْ أصْلِ المُعامَلَةِ، فَهو تَعالى مَنَعَ مِنَ التَّنْقِيصِ وأمَرَ بِإيفاءِ الحَقِّ؛ لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ تَعالى لَمْ يَمْنَعْ عَنِ المُعامَلاتِ، ولَمْ يَنْهَ عَنِ المُبايَعاتِ، وإنَّما مَنَعَ مِنَ التَّطْفِيفِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ طائِفَةً مِنَ النّاسِ يَقُولُونَ: إنَّ المُبايَعاتِ لا تَنْفَكُّ عَنِ التَّطْفِيفِ ومَنعِ الحُقُوقِ، فَكانَتِ المُبايَعاتُ مُحَرَّمَةً بِالكُلِّيَّةِ، فَلِأجْلِ إبْطالِ هَذا الخَيالِ مَنَعَ تَعالى في الآيَةِ الأُولى مِنَ التَّطْفِيفِ وفي الآيَةِ الأُخْرى أمَرَ بِالإيفاءِ، وأمّا قَوْلُهُ ثالِثًا: ﴿ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ﴾ فَلَيْسَ بِتَكْرِيرٍ؛ لِأنَّهُ تَعالى خَصَّ المَنعَ في الآيَةِ السّابِقَةِ بِالنُّقْصانِ في المِكْيالِ والمِيزانِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى عَمَّ الحُكْمَ في جَمِيعِ الأشْياءِ، فَظَهَرَ بِهَذا البَيانِ أنَّها غَيْرُ مُكَرَّرَةٍ، بَلْ في كُلِّ واحِدٍ مِنها فائِدَةٌ زائِدَةٌ.
والوَجْهُ الثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى قالَ في الآيَةِ الأُولى: ﴿ولا تَنْقُصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ وفي الثّانِيَةِ قالَ: ﴿أوْفُوا المِكْيالَ والمِيزانَ﴾ والإيفاءُ عِبارَةٌ عَنِ الإتْيانِ بِهِ عَلى سَبِيلِ الكَمالِ والتَّمامِ، ولا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلّا إذا أعْطى قَدْرًا زائِدًا عَلى الحَقِّ؛ ولِهَذا المَعْنى قالَ الفُقَهاءُ: إنَّهُ تَعالى أمَرَ بِغَسْلِ الوَجْهِ، وذَلِكَ لا يَحْصُلُ إلّا عِنْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ الرَّأْسِ، فالحاصِلُ: أنَّهُ تَعالى في الآيَةِ الأُولى نَهى عَنِ النُّقْصانِ، وفي الآيَةِ الثّانِيَةِ أمَرَ بِإعْطاءِ قَدْرٍ مِنَ الزِّيادَةِ، ولا يَحْصُلُ الجَزْمُ واليَقِينُ بِأداءِ الواجِبِ إلّا عِنْدَ أداءِ ذَلِكَ القَدْرِ مِنَ الزِّيادَةِ، فَكَأنَّهُ تَعالى نَهى أوَّلًا عَنْ سَعْيِ الإنْسانِ في أنْ يَجْعَلَ مالَ غَيْرِهِ ناقِصًا لِتَحْصُلَ لَهُ تِلْكَ الزِّيادَةُ، وفي الثّانِيَةِ أمَرَ بِالسَّعْيِ في تَنْقِيصِ مالِ نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ بِاليَقِينِ عَنِ العُهْدَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿بِالقِسْطِ﴾ يَعْنِي بِالعَدْلِ، ومَعْناهُ الأمْرُ بِإيفاءِ الحَقِّ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ اليَقِينُ بِالخُرُوجِ عَنِ العُهْدَةِ، فالأمْرُ بِإيتاءِ الزِّيادَةِ عَلى ذَلِكَ غَيْرُ حاصِلٍ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ﴾ والبَخْسُ هو النَّقْصُ في كُلِّ الأشْياءِ، وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ الآيَةَ الأُولى دَلَّتْ عَلى المَنعِ مِنَ النَّقْصِ (p-٣٥)فِي المِكْيالِ والمِيزانِ، وهَذِهِ الآيَةُ دَلَّتْ عَلى المَنعِ مِنَ النَّقْصِ في كُلِّ الأشْياءِ. ثُمَّ قالَ: ﴿ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ .
فَإنْ قِيلَ: العَثْوُ: الفَسادُ التّامُّ، فَقَوْلُهُ: ﴿ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ جارٍ مَجْرى أنْ يُقالَ: ولا تُفْسِدُوا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ.
قُلْنا: فِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ مَن سَعى في إيصالِ الضَّرَرِ إلى الغَيْرِ فَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ الغَيْرَ عَلى السَّعْيِ إلى إيصالِ الضَّرَرِ إلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ مَعْناهُ: ولا تَسْعَوْا في إفْسادِ مَصالِحِ الغَيْرِ، فَإنَّ ذَلِكَ في الحَقِيقَةِ سَعْيٌ مِنكم في إفْسادِ مَصالِحِ أنْفُسِكم.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ مَصالِحَ دُنْياكم وآخِرَتِكم.
والثّالِثُ: ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ مَصالِحَ الأدْيانِ، ثُمَّ قالَ: ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ قُرِئَ ”تَقِيَّةُ اللَّهِ“ وهي تَقْواهُ ومُراقَبَتُهُ الَّتِي تَصْرِفُ عَنِ المَعاصِي، ثُمَّ نَقُولُ: المَعْنى: ما أبْقى اللَّهُ لَكم مِنَ الحَلالِ بَعْدَ إيفاءِ الكَيْلِ والوَزْنِ خَيْرٌ مِنَ البَخْسِ والتَّطْفِيفِ، يَعْنِي: المالُ الحَلالُ الَّذِي يَبْقى لَكم خَيْرٌ مِن تِلْكَ الزِّيادَةِ الحاصِلَةِ بِطَرِيقِ البَخْسِ والتَّطْفِيفِ، وقالَ الحَسَنُ: ”بَقِيَّةُ اللَّهِ“، أيْ طاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكم مِن ذَلِكَ القَدْرِ القَلِيلِ؛ لِأنَّ ثَوابَ الطّاعَةِ يَبْقى أبَدًا، وقالَ قَتادَةُ: حَظُّكم مِن رَبِّكم خَيْرٌ لَكم، وأقُولُ: المُرادُ مِن هَذِهِ البَقِيَّةِ إمّا المالُ الَّذِي يُبْقى عَلَيْهِ في الدُّنْيا، وإمّا ثَوابُ اللَّهِ، وإمّا كَوْنُهُ تَعالى راضِيًا عَنْهُ، والكُلُّ خَيْرٌ مِن قَدْرِ التَّطْفِيفِ، أمّا المالُ الباقِي فَلِأنَّ النّاسَ إذا عَرَفُوا إنْسانًا بِالصِّدْقِ، والأمانَةِ، والبُعْدِ عَنِ الخِيانَةِ، اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ ورَجَعُوا في كُلِّ المُعامَلاتِ إلَيْهِ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ بابُ الرِّزْقِ، وإذا عَرَفُوهُ بِالخِيانَةِ والمَكْرِ، انْصَرَفُوا عَنْهُ، ولَمْ يُخالِطُوهُ البَتَّةَ، فَتُضَيَّقُ أبْوابُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، وأمّا إنْ حَمَلْنا هَذِهِ البَقِيَّةَ عَلى الثَّوابِ، فالأمْرُ ظاهِرٌ؛ لِأنَّ كُلَّ الدُّنْيا تَفْنى وتَنْقَرِضُ، وثَوابُ اللَّهِ باقٍ، وأمّا إنْ حَمَلْناهُ عَلى حُصُولِ رِضا اللَّهِ تَعالى، فالأمْرُ فِيهِ ظاهِرٌ، فَثَبَتَ بِهَذا البُرْهانِ أنَّ بَقِيَّةَ اللَّهِ خَيْرٌ، ثُمَّ قالَ: ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وإنَّما شَرَطَ الإيمانَ في كَوْنِهِ خَيْرًا لَهم؛ لِأنَّهم إنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ مُقِرِّينَ بِالثَّوابِ والعِقابِ، عَرَفُوا أنَّ السَّعْيَ في تَحْصِيلِ الثَّوابِ وفي الحَذَرِ مِنَ العِقابِ خَيْرٌ لَهم مِنَ السَّعْيِ في تَحْصِيلِ ذَلِكَ القَلِيلِ.
واعْلَمْ أنَّ المُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، فَهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ بِظاهِرِها عَلى أنَّ مَن لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْ هَذا التَّطْفِيفِ، فَإنَّهُ لا يَكُونُ مُؤْمِنًا.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما أنا عَلَيْكم بِحَفِيظٍ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ المَعْنى: إنِّي نَصَحْتُكم وأرْشَدْتُكم إلى الخَيْرِ ﴿وما أنا عَلَيْكم بِحَفِيظٍ﴾ أيْ لا قُدْرَةَ لِي عَلى مَنعِكم عَنْ هَذا العَمَلِ القَبِيحِ.
الثّانِي: أنَّهُ قَدْ أشارَ فِيما تَقَدَّمَ إلى أنَّ الِاشْتِغالَ بِالبَخْسِ والتَّطْفِيفِ يُوجِبُ زَوالَ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعالى، فَقالَ: ﴿وما أنا عَلَيْكم بِحَفِيظٍ﴾ يَعْنِي لَوْ لَمْ تَتْرُكُوا هَذا العَمَلَ القَبِيحَ لَزالَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَنْكم، وأنا لا أقْدِرُ عَلى حِفْظِها عَلَيْكم في تِلْكَ الحالَةِ.
{"ayahs_start":84,"ayahs":["۞ وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَۖ إِنِّیۤ أَرَىٰكُم بِخَیۡرࣲ وَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ مُّحِیطࣲ","وَیَـٰقَوۡمِ أَوۡفُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ","بَقِیَّتُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَۚ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِحَفِیظࣲ"],"ayah":"۞ وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُوا۟ ٱلۡمِكۡیَالَ وَٱلۡمِیزَانَۖ إِنِّیۤ أَرَىٰكُم بِخَیۡرࣲ وَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ مُّحِیطࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق