الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ إلّا عَلى اللَّهِ رِزْقُها ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعَها كُلٌّ في كِتابٍ مُبِينٍ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ في الآيَةِ الأُولى أنَّهُ ﴿يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ أرْدَفَهُ بِما يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ تَعالى عالِمًا بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ، فَثَبَتَ أنَّ رِزْقَ كُلِّ حَيَوانٍ إنَّما يَصِلُ إلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عالِمًا بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ لَما حَصَلَتْ هَذِهِ المُهِمّاتُ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الزَّجّاجُ: الدّابَّةُ اسْمٌ لِكُلِّ حَيَوانٍ؛ لِأنَّ الدّابَّةَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّبِيبِ، وبُنِيَتْ هَذِهِ (p-١٤٩)اللَّفْظَةُ عَلى هاءِ التَّأْنِيثِ، وأُطْلِقَ عَلى كُلِّ حَيَوانٍ ذِي رُوحٍ ذَكَرًا كانَ أوْ أُنْثى، إلّا أنَّهُ بِحَسَبِ عُرْفِ العَرَبِ اخْتُصَّ بِالفَرَسِ، والمُرادُ بِهَذا اللَّفْظِ في هَذِهِ الآيَةِ المَوْضُوعُ الأصْلِيُّ اللُّغَوِيُّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الحَيَواناتِ، وهَذا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ المُفَسِّرِينَ، ولا شَكَّ أنَّ أقْسامَ الحَيَواناتِ وأنْواعَها كَثِيرَةٌ، وهي الأجْناسُ الَّتِي تَكُونُ في البَرِّ والبَحْرِ والجِبالِ، واللَّهُ يُحْصِيها دُونَ غَيْرِهِ، وهو تَعالى عالِمٌ بِكَيْفِيَّةِ طَبائِعِها وأعْضائِها وأحْوالِها وأغْذِيَتِها وسُمُومِها ومَساكِنِها، وما يُوافِقُها وما يُخالِفُها، فالإلَهُ المُدَبِّرُ لِأطْباقِ السَّماواتِ والأرَضِينَ، وطَبائِعِ الحَيَوانِ والنَّباتِ، كَيْفَ لا يَكُونُ عالِمًا بِأحْوالِها ؟ رُوِيَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَ نُزُولِ الوَحْيِ إلَيْهِ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِأحْوالِ أهْلِهِ، فَأمَرَهُ اللَّهُ تَعالى أنْ يَضْرِبَ بِعَصاهُ عَلى صَخْرَةٍ فانْشَقَّتْ وخَرَجَتْ صَخْرَةٌ ثانِيَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَ بِعَصاهُ عَلَيْها فانْشَقَّتْ وخَرَجَتْ صَخْرَةٌ ثالِثَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَها بِعَصاهُ فانْشَقَّتْ فَخَرَجَتْ مِنها دُودَةٌ كالذَّرَّةِ وفي فَمِها شَيْءٌ يَجْرِي مَجْرى الغِذاءِ لَها، ورُفِعَ الحِجابُ عَنْ سَمْعِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَسَمِعَ الدُّودَةَ تَقُولُ: سُبْحانَ مَن يَرانِي، ويَسْمَعُ كَلامِي، ويَعْرِفُ مَكانِي، ويَذْكُرُنِي ولا يَنْسانِي.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: تَعَلَّقَ بَعْضُهم بِأنَّهُ يَجِبُ عَلى اللَّهِ تَعالى بَعْضُ الأشْياءِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالَ: إنَّ كَلِمَةَ ”عَلى“ لِلْوُجُوبِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ إيصالَ الرِّزْقِ إلى الدّابَّةِ واجِبٌ عَلى اللَّهِ.
وجَوابُهُ: أنَّهُ واجِبٌ بِحَسَبِ الوَعْدِ والفَضْلِ والإحْسانِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: تَعَلَّقَ أصْحابُنا بِهَذِهِ الآيَةِ في إثْباتِ أنَّ الرِّزْقَ قَدْ يَكُونُ حَرامًا، قالُوا: لِأنَّهُ ثَبَتَ أنَّ إيصالَ الرِّزْقِ إلى كُلِّ حَيَوانٍ واجِبٌ عَلى اللَّهِ تَعالى بِحَسَبِ الوَعْدِ وبِحَسَبِ الِاسْتِحْقاقِ، واللَّهُ تَعالى لا يُحِلُّ بِالواجِبِ، ثُمَّ قَدْ نَرى إنْسانًا لا يَأْكُلُ مِنَ الحَلالِ طُولَ عُمُرِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الحَرامُ رِزْقًا لَكانَ اللَّهُ تَعالى ما أوْصَلَ رِزْقَهُ إلَيْهِ، فَيَكُونُ تَعالى قَدْ أخَلَّ بِالواجِبِ، وذَلِكَ مُحالٌ، فَعَلِمْنا أنَّ الحَرامَ قَدْ يَكُونُ رِزْقًا، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعَها﴾ فالمُسْتَقَرُّ هو مَكانُهُ مِنَ الأرْضِ، والمُسْتَوْدَعُ حَيْثُ كانَ مُودَعًا قَبْلَ الِاسْتِقْرارِ في صُلْبٍ أوْ رَحِمٍ أوْ بَيْضَةٍ، وقالَ الفَرّاءُ: مُسْتَقَرُّها: حَيْثُ تَأْوِي إلَيْهِ لَيْلًا أوْ نَهارًا، ومُسْتَوْدَعُها: مَوْضِعُها الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ، وقَدْ مَضى اسْتِقْصاءُ تَفْسِيرِ المُسْتَقَرِّ والمُسْتَوْدَعِ في سُورَةِ الأنْعامِ. ثُمَّ قالَ: ﴿كُلٌّ في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى أنَّ ذَلِكَ ثابِتٌ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى، ومِنهم مَن قالَ: في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وقَدْ ذَكَرْنا ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلّا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنْعامِ: ٥٩] .
{"ayah":"۞ وَمَا مِن دَاۤبَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَیَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلࣱّ فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق