الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا ياهُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿إنْ نَقُولُ إلّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ واشْهَدُوا أنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾ ﴿مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي﴾ ﴿إنِّي تَوَكَّلْتُ عَلى اللَّهِ رَبِّي ورَبِّكم ما مِن دابَّةٍ إلّا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ما ذَكَرَهُ لِلْقَوْمِ، حَكى أيْضًا ما ذَكَرَهُ القَوْمُ لَهُ، وهو أشْياءُ:
أوَّلُها: قَوْلُهم: ﴿ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ﴾ أيْ بِحُجَّةٍ، والبَيِّنَةُ سُمِّيَتْ بَيِّنَةً؛ لِأنَّها تُبَيِّنُ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ قَدْ أظْهَرَ المُعْجِزاتِ، إلّا أنَّ القَوْمَ بِجَهْلِهِمْ أنْكَرُوها، وزَعَمُوا أنَّهُ ما جاءَ بِشَيْءٍ مِنَ المُعْجِزاتِ.
وثانِيها: قَوْلُهم: ﴿وما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ﴾ وهَذا أيْضًا رَكِيكٌ؛ لِأنَّهم كانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأنَّ النّافِعَ والضّارَّ هو اللَّهُ تَعالى، وأنَّ الأصْنامَ لا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ، ومَتى كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ في بَدِيهَةِ العَقْلِ أنَّهُ لا تَجُوزُ عِبادَتُها، وتَرْكُهم آلِهَتَهم لا يَكُونُ عَنْ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ، بَلْ عَنْ حُكْمِ نَظَرِ العَقْلِ وبَدِيهَةِ النَّفْسِ.
وثالِثُها: قَوْلُهم: ﴿وما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى الإصْرارِ والتَّقْلِيدِ والجُحُودِ.
ورابِعُها: قَوْلُهم: ﴿إنْ نَقُولُ إلّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ﴾ يُقالُ: اعْتَراهُ كَذا، إذا غَشِيَهُ وأصابَهُ، والمَعْنى: أنَّكَ شَتَمْتَ آلِهَتَنا فَجَعَلَتْكَ مَجْنُونًا وأفْسَدَتْ عَقْلَكَ ثُمَّ إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنَّهم لَمّا قالُوا ذَلِكَ قالَ هُودٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿إنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ واشْهَدُوا أنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾ ﴿مِن دُونِهِ﴾ وهو ظاهِرٌ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي﴾ وهَذا نَظِيرُ ما قالَهُ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِقَوْمِهِ: ﴿فَأجْمِعُوا أمْرَكم وشُرَكاءَكُمْ﴾ [يُونُسَ: ٧١ ] إلى قَوْلِهِ: ﴿ولا تُنْظِرُونِ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ هَذا مُعْجِزَةٌ قاهِرَةٌ، وذَلِكَ أنَّ الرَّجُلَ الواحِدَ إذا أقْبَلَ عَلى القَوْمِ العَظِيمِ وقالَ لَهم: بالِغُوا في عَداوَتِي وفي مُوجِباتِ إيذائِي ولا تُؤَجِّلُونِ - فَإنَّهُ لا يَقُولُ هَذا إلّا إذا كانَ واثِقًا مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى بِأنَّهُ يَحْفَظُهُ ويَصُونُهُ عَنْ كَيْدِ الأعْداءِ.
(p-١٢)ثُمَّ قالَ: ﴿ما مِن دابَّةٍ إلّا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها﴾ قالَ الأزْهَرِيُّ: النّاصِيَةُ عِنْدَ العَرَبِ: مَنبَتُ الشَّعْرِ في مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، ويُسَمّى الشِّعْرُ النّابِتُ هُناكَ ناصِيَةً باسِمِ مَنبَتِهِ.
واعْلَمْ أنَّ العَرَبَ إذا وصَفُوا إنْسانًا بِالذِّلَّةِ والخُضُوعِ قالُوا: ما ناصِيَةُ فُلانٍ إلّا بِيَدِ فُلانٍ، أيْ أنَّهُ مُطِيعٌ لَهُ؛ لِأنَّ كُلَّ مَن أخَذْتَ بِناصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْتَهُ، وكانُوا إذا أسَرُوا الأسِيرَ فَأرادُوا إطْلاقَهُ والمَنَّ عَلَيْهِ جَزُّوا ناصِيَتَهُ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلامَةً لِقَهْرِهِ، فَخُوطِبُوا في القُرْآنِ بِما يَعْرِفُونَ، فَقَوْلُهُ: ﴿ما مِن دابَّةٍ إلّا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها﴾ أيْ ما مِن حَيَوانٍ إلّا وهو تَحْتَ قَهْرِهِ وقُدْرَتِهِ، ومُنْقادٌ لِقَضائِهِ وقَدَرِهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿ما مِن دابَّةٍ إلّا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها﴾ أشْعَرَ ذَلِكَ بِقُدْرَةٍ عالِيَةٍ وقَهْرٍ عَظِيمٍ، فَأتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أيْ إنَّهُ وإنْ كانَ قادِرًا عَلَيْهِمْ لَكِنَّهُ لا يَظْلِمُهم، ولا يَفْعَلُ بِهِمْ إلّا ما هو الحَقُّ والعَدْلُ والصَّوابُ. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ قَوْلُهُ: ﴿ما مِن دابَّةٍ إلّا هو آخِذٌ بِناصِيَتِها﴾ يَدُلُّ عَلى التَّوْحِيدِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ يَدُلُّ عَلى العَدْلِ، فَثَبَتَ أنَّ الدِّينَ إنَّما يَتِمُّ بِالتَّوْحِيدِ والعَدْلِ.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّ سُلْطانَهُ قَهَرَ جَمِيعَ الخَلْقِ أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ يَعْنِي أنَّهُ لا يَخْفى عَلَيْهِ مُسْتَتِرٌ، ولا يَفُوتُهُ هارِبٌ، فَذَكَرَ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ وهو يَعْنِي بِهِ الطَّرِيقَ الَّذِي لا يَكُونُ لِأحَدٍ مَسْلَكٌ إلّا عَلَيْهِ، كَما قالَ: ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ [الفَجْرِ: ١٤ ] .
الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ المُرادُ ﴿إنَّ رَبِّي﴾ يَدُلُّ عَلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، أيْ: يَحُثُّ أوْ يَحْمِلُكم بِالدُّعاءِ إلَيْهِ.
{"ayahs_start":53,"ayahs":["قَالُوا۟ یَـٰهُودُ مَا جِئۡتَنَا بِبَیِّنَةࣲ وَمَا نَحۡنُ بِتَارِكِیۤ ءَالِهَتِنَا عَن قَوۡلِكَ وَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِینَ","إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوۤءࣲۗ قَالَ إِنِّیۤ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوۤا۟ أَنِّی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ","مِن دُونِهِۦۖ فَكِیدُونِی جَمِیعࣰا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ","إِنِّی تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّی وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَاۤبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِیَتِهَاۤۚ إِنَّ رَبِّی عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُم مَّاۤ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦۤ إِلَیۡكُمۡۚ وَیَسۡتَخۡلِفُ رَبِّی قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّونَهُۥ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ رَبِّی عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ حَفِیظࣱ","وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا هُودࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَنَجَّیۡنَـٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِیظࣲ","وَتِلۡكَ عَادࣱۖ جَحَدُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡا۟ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوۤا۟ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ"],"ayah":"وَتِلۡكَ عَادࣱۖ جَحَدُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَعَصَوۡا۟ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوۤا۟ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق