الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا إنَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهم لِيَسْتَخْفُوا مِنهُ ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿وإنْ تَوَلَّوْا﴾ يَعْنِي عَنْ عِبادَتِهِ وطاعَتِهِ ﴿فَإنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ بَيَّنَ بَعْدَهُ أنَّ التَّوَلِّيَ عَنْ ذَلِكَ باطِنًا كالتَّوَلِّي عَنْهُ ظاهِرًا، فَقالَ: ﴿ألا إنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الكُفّارَ مِن قَوْمِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَثْنُونَ صُدُورَهم لِيَسْتَخْفُوا مِنهُ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى حَكى عَنْ هَؤُلاءِ الكُفّارِ شَيْئَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّهم يَثْنُونَ صُدُورَهم، يُقالُ: ثَنَيْتُ الشَّيْءَ إذا عَطَفْتَهُ وطَوَيْتَهُ، وفي الآيَةِ وجْهانِ: الوَجْهُ الأوَّلُ: رُوِيَ أنَّ طائِفَةً مِنَ المُشْرِكِينَ قالُوا: إذا أغْلَقْنا أبْوابَنا وأرْسَلْنا سُتُورَنا، واسْتَغْشَيْنا ثِيابَنا وثَنَيْنا صُدُورَنا عَلى عَداوَةِ مُحَمَّدٍ، فَكَيْفَ يَعْلَمُ بِنا ؟ وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ كانَ قَوْلُهُ: ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ كِنايَةً عَنِ النِّفاقِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: يُضْمِرُونَ خِلافَ ما يُظْهِرُونَ لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: ﴿ألا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ عَلى أنَّهم يَسْتَخْفُونَ مِنهُ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم. الوَجْهُ الثّانِي: رُوِيَ أنَّ بَعْضَ الكُفّارِ كانَ إذا مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ثَنى صَدْرَهُ ووَلّى ظَهْرَهُ واسْتَغْشى ثِيابَهُ، والتَّقْدِيرُ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّهم يَنْصَرِفُونَ عَنْهُ لِيَسْتَخْفُوا مِنهُ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم؛ لِئَلّا يَسْمَعُوا كَلامَ رَسُولِ اللَّهِ وما يَتْلُو مِنَ القُرْآنِ، ولِيَقُولُوا في أنْفُسِهِمْ ما يَشْتَهُونَ مِنَ الطَّعْنِ. وقَوْلُهُ: ﴿ألا﴾ لِلتَّنْبِيهِ، فَنَبَّهَ أوَّلًا عَلى أنَّهم يَنْصَرِفُونَ عَنْهُ لِيَسْتَخْفُوا، ثُمَّ كَرَّرَ كَلِمَةَ ﴿ألا﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى ذِكْرِ الِاسْتِخْفاءِ لِيُنَبِّهَ عَلى وقْتِ اسْتَخْفائِهِمْ، وهو حِينُ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم، كَأنَّهُ قِيلَ: ألا إنَّهم يَنْصَرِفُونَ عَنْهُ لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ، ألا إنَّهم يَسْتَخْفُونَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهم. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّهُ لا فائِدَةَ لَهم في اسْتِخْفائِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب