الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهي تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ كالجِبالِ ونادى نُوحٌ ابْنَهُ وكانَ في مَعْزِلٍ يابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا ولا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ﴾ ﴿قالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَن رَحِمَ وحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ فَكانَ مِنَ المُغْرَقِينَ﴾
واعْلَمْ أنَّ في قَوْلِهِ: ﴿وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ كالجِبالِ﴾ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿وهِيَ تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: وقالَ ارْكَبُوا فِيها، فَرَكِبُوا فِيها يَقُولُونَ: بِسْمِ اللَّهِ وهي تَجْرِي بِهِمْ في مَوْجٍ كالجِبالِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الأمْواجُ العَظِيمَةُ إنَّما تَحْدُثُ عِنْدَ حُصُولِ الرِّياحِ القَوِيَّةِ الشَّدِيدَةِ العاصِفَةِ، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ حَصَلَ في ذَلِكَ الوَقْتِ رِياحٌ عاصِفَةٌ شَدِيدَةٌ، والمَقْصُودُ مِنهُ بَيانُ شِدَّةِ الهَوْلِ والفَزَعِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الجَرَيانُ في المَوْجِ هو أنْ تَجْرِيَ السَّفِينَةُ داخِلَ المَوْجِ، وذَلِكَ يُوجِبُ الغَرَقَ، فالمُرادُ أنَّ الأمْواجَ لَمّا أحاطَتْ بِالسَّفِينَةِ مِنَ الجَوانِبِ، شُبِّهَتْ تِلْكَ السَّفِينَةُ بِما إذا جَرَتْ في داخِلِ تِلْكَ الأمْواجِ.
ثُمَّ حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ نادى ابْنَهُ، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اخْتَلَفُوا في أنَّهُ كانَ ابْنًا لَهُ، وفِيهِ أقْوالٌ:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّهُ ابْنُهُ في الحَقِيقَةِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أنَّهُ تَعالى نَصَّ عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿ونادى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ ونُوحٌ أيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿يابُنَيَّ﴾ وصَرْفُ هَذا اللَّفْظِ إلى أنَّهُ رَبّاهُ فَأطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الِابْنِ لِهَذا السَّبَبِ صَرْفٌ لِلْكَلامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلى مَجازِهِ مِن غَيْرِ ضَرُورَةٍ وأنَّهُ لا يَجُوزُ، والَّذِينَ خالَفُوا هَذا الظّاهِرَ إنَّما خالَفُوهُ؛ لِأنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا أنْ يَكُونَ ولَدُ الرَّسُولِ المَعْصُومِ كافِرًا، وهَذا بَعِيدٌ؛ فَإنَّهُ ثَبَتَ أنَّ والِدَ رَسُولِنا ﷺ كانَ كافِرًا، ووالِدَ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ كافِرًا بِنَصِّ القُرْآنِ، فَكَذَلِكَ هَهُنا، ثُمَّ القائِلُونَ بِهَذا القَوْلِ اخْتَلَفُوا في أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا قالَ: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ [نُوحٍ: ٢٦] فَكَيْفَ ناداهُ مَعَ كُفْرِهِ ؟
(p-١٨٥)فَأجابُوا عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ كانَ يُنافِقُ أباهُ فَظَنَّ نُوحٌ أنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَلِذَلِكَ ناداهُ، ولَوْلا ذَلِكَ لَما أحَبَّ نَجاتَهُ.
والثّانِي: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَعْلَمُ أنَّهُ كافِرٌ، لَكِنَّهُ ظَنَّ أنَّهُ لَمّا شاهَدَ الغَرَقَ والأهْوالَ العَظِيمَةَ فَإنَّهُ يَقْبَلُ الإيمانَ، فَصارَ قَوْلُهُ: ﴿يابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا﴾ كالدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ طَلَبَ مِنهُ الإيمانَ، وتَأكَّدَ هَذا بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ﴾ أيْ تابِعْهم في الكُفْرِ وارْكَبْ مَعَنا.
والثّالِثُ: أنَّ شَفَقَةَ الأُبُوَّةِ لَعَلَّها حَمَلَتْهُ عَلى ذَلِكَ النِّداءِ، والَّذِي تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿إلّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ﴾ كانَ كالمُجْمَلِ، فَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ جَوَّزَ أنْ لا يَكُونَ هو داخِلًا فِيهِ.
القَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ كانَ ابْنَ امْرَأتِهِ، وهو قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الباقِرِ وقَوْلُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، ويُرْوى أنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأ: ”ونادى نُوحٌ ابْنَها“، والضَّمِيرُ لِامْرَأتِهِ. وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: ”ابْنَهَ“ بِفَتْحِ الهاءِ يُرِيدُ أنَّ ابْنَها، إلّا أنَّهُما اكْتَفَيا بِالفَتْحَةِ عَنِ الألِفِ، وقالَ قَتادَةُ: سَألْتُ الحَسَنَ عَنْهُ فَقالَ: واللَّهِ ما كانَ ابْنَهُ، فَقُلْتُ: إنَّ اللَّهَ حَكى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ﴿إنَّ ابْنِي مِن أهْلِي﴾ [هُودٍ: ٤٥] وأنْتَ تَقُولُ: ما كانَ ابْنًا لَهُ، فَقالَ: لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ مِنِّي ولَكِنَّهُ قالَ: مِن أهْلِي، وهَذا يَدُلُّ عَلى قَوْلِي.
القَوْلُ الثّالِثُ: أنَّهُ وُلِدَ عَلى فِراشِهِ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ، والقائِلُونَ بِهَذا القَوْلِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعالى في امْرَأةِ نُوحٍ وامْرَأةِ لُوطٍ: ﴿فَخانَتاهُما﴾، وهَذا قَوْلٌ خَبِيثٌ يَجِبُ صَوْنُ مَنصِبِ الأنْبِياءِ عَنْ هَذِهِ الفَضِيحَةِ، لا سِيَّما وهو عَلى خِلافِ نَصِّ القُرْآنِ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَخانَتاهُما﴾ [التَّحْرِيمِ: ١٠] فَلَيْسَ فِيهِ أنَّ تِلْكَ الخِيانَةَ إنَّما حَصَلَتْ بِالسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرُوهُ. قِيلَ لِابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: ما كانَتْ تِلْكَ الخِيانَةُ ؟ فَقالَ: كانَتِ امْرَأةُ نُوحٍ تَقُولُ: زَوْجِي مَجْنُونٌ، وامْرَأةُ لُوطٍ تَدُلُّ النّاسَ عَلى ضَيْفِهِ إذا نَزَلُوا بِهِ. ثُمَّ الدَّلِيلُ القاطِعُ عَلى فَسادِ هَذا المَذْهَبِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ﴾ [النُّورِ: ٢٦]، وأيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلّا زانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ [النُّورِ: ٣] وبِالجُمْلَةِ فَقَدْ دَلَّلْنا عَلى أنَّ الحَقَّ هو مَقُولُ الأوَّلِ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وكانَ في مَعْزِلٍ﴾ فاعْلَمْ أنَّ المَعْزِلَ في اللُّغَةِ مَعْناهُ: مَوْضِعٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ غَيْرِهِ، وأصْلُهُ مِنَ العَزْلِ، وهو التَّنْحِيَةُ والإبْعادُ. تَقُولُ: كُنْتُ بِمَعْزِلٍ عَنْ كَذا، أيْ بِمَوْضِعٍ قَدْ عُزِلَ مِنهُ.
واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وكانَ في مَعْزِلٍ﴾ لا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ في مَعْزِلٍ مِن أيِّ شَيْءٍ، فَلِهَذا السَّبَبِ ذَكَرُوا وُجُوهًا:
الأوَّلُ: أنَّهُ كانَ في مَعْزِلٍ مِنَ السَّفِينَةِ؛ لِأنَّهُ كانَ يَظُنُّ أنَّ الجَبَلَ يَمْنَعُهُ مِنَ الغَرَقِ.
الثّانِي: أنَّهُ كانَ في مَعْزِلٍ عَنْ أبِيهِ وإخْوَتِهِ وقَوْمِهِ.
الثّالِثُ: أنَّهُ كانَ في مَعْزِلٍ مِنَ الكُفّارِ كَأنَّهُ انْفَرَدَ عَنْهم فَظَنَّ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ ذَلِكَ إنَّما كانَ لِأنَّهُ أحَبَّ مُفارَقَتَهم.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿يابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا ولا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ﴾ فَنَقُولُ: قَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: ”يا بُنَيَّ“ بِفَتْحِ الياءِ في جَمِيعِ القُرْآنِ، والباقُونَ بِالكَسْرِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: الوَجْهُ الكَسْرُ، وذَلِكَ أنَّ اللّامَ مِنِ ابْنٍ ياءٌ أوْ واوٌ، فَإذا صَغَّرْتَ ألْحَقْتَ ياءَ التَّحْقِيرِ، فَلَزِمَ أنْ تَرُدَّ اللّامَ المَحْذُوفَةَ وإلّا لَزِمَ أنْ تُحَرِّكَ ياءَ التَّحْقِيرِ بِحَرَكاتِ الإعْرابِ، لَكِنَّها لا تُحَرَّكُ؛ لِأنَّها لَوْ حُرِّكَتْ لَزِمَ أنْ تَنْقَلِبَ كَما تَنْقَلِبُ سائِرُ حُرُوفِ المَدِّ واللِّينِ إذا كانَتْ حُرُوفَ إعْرابٍ، نَحْوُ عَصًا وقَفًا، ولَوِ انْقَلَبَتْ بَطَلَتْ دَلالَتُها عَلى التَّحْقِيرِ، ثُمَّ أضَفْتَ إلى نَفْسِكَ اجْتَمَعَتْ ثَلاثُ ياءاتٍ:
الأُولى مِنها لِلتَّحْقِيرِ.
والثّانِيَةُ: لامُ الفِعْلِ.
والثّالِثَةُ: الَّتِي لِلْإضافَةِ.
تَقُولُ: هَذا بُنَيَّ، فَإذا نادَيْتَهُ صارَ فِيهِ وجْهانِ: إثْباتُ الياءِ (p-١٨٦)وحَذْفُها، والِاخْتِيارُ حَذْفُ الياءِ الَّتِي لِلْإضافَةِ وإبْقاءُ الكَسْرَةِ دَلالَةً عَلَيْهِ نَحْوَ يا غُلامِ. ومَن قَرَأ: ”يا بُنَيَّ“ بِفَتْحِ الياءِ فَإنَّهُ أرادَ الإضافَةَ أيْضًا كَما أرادَها مَن قَرَأ بِالكَسْرِ، لَكِنَّهُ أبْدَلَ مِنَ الكَسْرَةِ الفَتْحَةَ ومِنَ الياءِ الألِفَ تَخْفِيفًا، فَصارَ يا بُنَيّا كَما قالَ:
؎يا ابْنَةَ عَمّا لا تَلُومِي واهْجَعِي
ثُمَّ حَذَفَ الألِفَ لِلتَّخْفِيفِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ دَعاهُ إلى أنْ يَرْكَبَ السَّفِينَةَ حَكى عَنِ ابْنِهِ أنَّهُ قالَ: ﴿سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الِابْنَ كانَ مُتَمادِيًا في الكُفْرِ مُصِرًّا عَلَيْهِ مُكَذِّبًا لِأبِيهِ فِيما أخْبَرَ عَنْهُ، فَعِنْدَ هَذا قالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَن رَحِمَ﴾ وفِيهِ سُؤالٌ، وهو أنَّ الَّذِي رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْصُومٌ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ اسْتِثْناءُ المَعْصُومِ مِنَ العاصِمِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾، وذَكَرُوا في الجَوابِ طُرُقًا كَثِيرَةً:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى قالَ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فَبَيَّنَ أنَّهُ تَعالى رَحِيمٌ وأنَّهُ بِرَحْمَتِهِ يُخَلِّصُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ رَكِبُوا السَّفِينَةَ مِن آفَةِ الغَرَقِ.
إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: إنَّ ابْنَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا قالَ: ”﴿سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ﴾“ قالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ: أخْطَأْتَ، ﴿لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَن رَحِمَ﴾ والمَعْنى: إلّا ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ أنَّهُ بِرَحْمَتِهِ يُخَلِّصُ هَؤُلاءِ مِنَ الغَرَقِ، فَصارَ تَقْدِيرُ الآيَةِ: لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن عَذابِ اللَّهِ إلّا اللَّهُ الرَّحِيمُ، وتَقْدِيرُهُ: لا فِرارَ مِنَ اللَّهِ إلّا إلى اللَّهِ، وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في دُعائِهِ: ”«وأعُوذُ بِكَ مِنكَ» “ وهَذا تَأْوِيلٌ في غايَةِ الحُسْنِ.
الوَجْهُ الثّانِي: في التَّأْوِيلِ وهو الَّذِي ذَكَرَهُ صاحِبُ ”حَلِّ العقدِ“ أنَّ هَذا الِاسْتِثْناءَ وقَعَ مِن مُضْمَرٍ هو في حُكْمِ المَلْفُوظِ لِظُهُورِ دَلالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، والتَّقْدِيرُ: لا عاصِمَ اليَوْمَ لِأحَدٍ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَن رَحِمَ، وهو كَقَوْلِكَ: لا نَضْرِبُ اليَوْمَ إلّا زَيْدًا؛ فَإنَّ تَقْدِيرَهُ لا تَضْرِبْ أحَدًا إلّا زَيْدًا، إلّا أنَّهُ تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِهِ لِدَلالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، فَكَذا هَهُنا.
الوَجْهُ الثّالِثُ: في التَّأْوِيلِ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا عاصِمَ﴾ أيْ لا ذا عِصْمَةٍ كَما قالُوا: رامِحٌ ولابِنٌ، ومَعْناهُ ذُو رُمْحٍ، وذُو لَبَنٍ، وقالَ تَعالى: ﴿مِن ماءٍ دافِقٍ﴾ [الطّارِقِ: ٦] و﴿عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [الحاقَّةِ: ٢١]، ومَعْناهُ ما ذَكَرْنا، فَكَذا هَهُنا، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ: العاصِمُ هو ذُو العِصْمَةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ المَعْصُومُ، وحِينَئِذٍ يَصِحُّ اسْتِثْناءُ قَوْلِهِ: ﴿إلّا مَن رَحِمَ﴾ مِنهُ.
الوَجْهُ الرّابِعُ: قَوْلُهُ: ﴿لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلّا مَن رَحِمَ﴾ عَنى بِقَوْلِهِ إلّا مَن رَحِمَ نَفْسَهُ؛ لِأنَّ نُوحًا وطائِفَتَهُ هُمُ الَّذِينَ خَصَّهُمُ اللَّهُ تَعالى بِرَحْمَتِهِ، والمُرادُ: لا عاصِمَ لَكَ إلّا اللَّهُ، بِمَعْنى أنَّ بِسَبَبِهِ تَحْصُلُ رَحْمَةُ اللَّهِ، كَما أُضِيفَ الإحْياءُ إلى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ في قَوْلِهِ: ﴿وأُحْيِي المَوْتى﴾ [آلِ عِمْرانَ: ٤٩] لِأجْلِ أنَّ الإحْياءَ حَصَلَ بِدُعائِهِ.
الوَجْهُ الخامِسُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إلّا مَن رَحِمَ﴾ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ، والمَعْنى لَكِنْ مَن رَحِمَ اللَّهُ مَعْصُومٌ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ إلّا اتِّباعَ الظَّنِّ﴾ [النِّساءِ: ١٥٧] ثُمَّ إنَّهُ تَعالى بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿وحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ﴾ أيْ بِسَبَبِ هَذِهِ الحَيْلُولَةِ خَرَجَ مِن أنْ يُخاطِبَهُ نُوحٌ ﴿فَكانَ مِنَ المُغْرَقِينَ﴾ .
{"ayahs_start":42,"ayahs":["وَهِیَ تَجۡرِی بِهِمۡ فِی مَوۡجࣲ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِی مَعۡزِلࣲ یَـٰبُنَیَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","قَالَ سَـَٔاوِیۤ إِلَىٰ جَبَلࣲ یَعۡصِمُنِی مِنَ ٱلۡمَاۤءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡیَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَیۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِینَ"],"ayah":"وَهِیَ تَجۡرِی بِهِمۡ فِی مَوۡجࣲ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِی مَعۡزِلࣲ یَـٰبُنَیَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق