الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَصْنَعُ الفُلْكَ وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنهُ قالَ إنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإنّا نَسْخَرُ مِنكم كَما تَسْخَرُونَ﴾ ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَصْنَعُ الفُلْكَ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: في قَوْلِهِ: ﴿ويَصْنَعُ الفُلْكَ﴾ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ حِكايَةُ حالٍ ماضِيَةٍ؛ أيْ: في ذَلِكَ الوَقْتِ كانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أنَّهُ يَصْنَعُ الفُلْكَ.
الثّانِي: التَّقْدِيرُ: وأقْبَلَ يَصْنَعُ الفُلْكَ فاقْتَصَرَ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ويَصْنَعُ الفُلْكَ﴾ .
(p-١٧٩)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ذَكَرُوا في صِفَةِ السَّفِينَةِ أقْوالًا كَثِيرَةً:
فَأحَدُها: أنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ اتَّخَذَ السَّفِينَةَ في سَنَتَيْنِ، وقِيلَ: في أرْبَعِ سِنِينَ، وكانَ طُولُها ثَلْثَمِائَةِ ذِراعٍ، وعَرْضُها خَمْسُونَ ذِراعًا، وطُولُها في السَّماءِ ثَلاثُونَ ذِراعًا، وكانَتْ مِن خَشَبِ السّاجِ، وجَعَلَ لَها ثَلاثَ بُطُونٍ، فَحَمَلَ في البَطْنِ الأسْفَلِ الوُحُوشَ والسِّباعَ والهَوامَّ، وفي البَطْنِ الأوْسَطِ الدَّوابَّ والأنْعامَ، وفي البَطْنِ الأعْلى جَلَسَ هو ومَن كانَ مَعَهُ مَعَ ما احْتاجُوا إلَيْهِ مِنَ الزّادِ، وحَمَلَ مَعَهُ جَسَدَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وثانِيها: قالَ الحَسَنُ: كانَ طُولُها ألْفًا ومِائَتَيْ ذِراعٍ وعَرْضُها سِتَّمِائَةِ ذِراعٍ.
واعْلَمْ أنَّ أمْثالَ هَذِهِ المَباحِثِ لا تُعْجِبُنِي؛ لِأنَّها أُمُورٌ لا حاجَةَ إلى مَعْرِفَتِها البَتَّةَ، ولا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَتِها فائِدَةٌ أصْلًا، وكانَ الخَوْضُ فِيها مِن بابِ الفُضُولِ، لا سِيَّما مَعَ القَطْعِ بِأنَّهُ لَيْسَ هَهُنا ما يَدُلُّ عَلى الجانِبِ الصَّحِيحِ، والَّذِي نَعْلَمُهُ أنَّهُ كانَ في السَّعَةِ بِحَيْثُ يَتَّسِعُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِن قَوْمِهِ ولِما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ، ولِحُصُولِ زَوْجَيْنِ مِن كُلِّ حَيَوانٍ؛ لِأنَّ هَذا القَدْرَ مَذْكُورٌ في القُرْآنِ، فَأمّا غَيْرُ ذَلِكَ القَدْرِ فَغَيْرُ مَذْكُورٍ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنهُ﴾ فَفي تَفْسِيرِ المَلَأِ وجْهانِ: قِيلَ: جَماعَةٌ، وقِيلَ: طَبَقَةٌ مِن أشْرافِهِمْ وكُبَرائِهِمْ. واخْتَلَفُوا فِيما لِأجْلِهِ كانُوا يَسْخَرُونَ، وفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُهُما: أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: يا نُوحُ، كُنْتَ تَدَّعِي رِسالَةَ اللَّهِ تَعالى، فَصِرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ نَجّارًا.
وثانِيها: أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ لَهُ: لَوْ كُنْتَ صادِقًا في دَعْواكَ لَكانَ إلَهُكَ يُغْنِيكَ عَنْ هَذا العَمَلِ الشّاقِّ.
وثالِثُها: أنَّهم ما رَأوُا السَّفِينَةَ قَبْلَ ذَلِكَ وما عَرَفُوا كَيْفِيَّةَ الِانْتِفاعِ بِها، وكانُوا يَتَعَجَّبُونَ مِنهُ ويَسْخَرُونَ.
ورابِعُها: أنَّ تِلْكَ السَّفِينَةَ كانَتْ كَبِيرَةً، وهو كانَ يَصْنَعُها في مَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنِ الماءِ جِدًّا، وكانُوا يَقُولُونَ: لَيْسَ هَهُنا ماءٌ ولا يُمْكِنُكَ نَقْلُها إلى الأنْهارِ العَظِيمَةِ وإلى البِحارِ، فَكانُوا يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِن بابِ السَّفَهِ والجُنُونِ.
وخامِسُها: أنَّهُ لَمّا طالَتْ مُدَّتُهُ مَعَ القَوْمِ وكانَ يُنْذِرُهم بِالغَرَقِ وما شاهَدُوا مِن ذَلِكَ المَعْنى خَبَرًا ولا أثَرًا غَلَبَ عَلى ظُنُونِهِمْ كَوْنُهُ كاذِبًا في ذَلِكَ المَقالِ، فَلَمّا اشْتَغَلَ بِعَمَلِ السَّفِينَةِ لا جَرَمَ سَخِرُوا مِنهُ، وكُلُّ هَذِهِ الوُجُوهِ مُحْتَمَلَةٌ.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى حَكى عَنْهُ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: ﴿إنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإنّا نَسْخَرُ مِنكم كَما تَسْخَرُونَ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: التَّقْدِيرُ إنْ تَسْخَرُوا مِنّا في هَذِهِ السّاعَةِ فَإنّا نَسْخَرُ مِنكم سُخْرِيَةً مِثْلَ سُخْرِيَتِكم إذا وقَعَ عَلَيْكُمُ الغَرَقُ في الدُّنْيا والخِزْيُ في الآخِرَةِ.
الثّانِي: إنْ حَكَمْتُمْ عَلَيْنا بِالجَهْلِ فِيما نَصْنَعُ فَإنّا نَحْكُمُ عَلَيْكم بِالجَهْلِ فِيما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ والتَّعَرُّضِ لِسُخْطِ اللَّهِ تَعالى وعَذابِهِ، فَأنْتُمْ أوْلى بِالسُّخْرِيَةِ مِنّا.
الثّالِثُ: إنْ تَسْتَجْهِلُونا فَإنّا نَسْتَجْهِلُكم، واسْتِجْهالُكم أقْبَحُ وأشَدُّ؛ لِأنَّكم لا تَسْتَجْهِلُونَ إلّا لِأجْلِ الجَهْلِ بِحَقِيقَةِ الأمْرِ والِاغْتِرارِ بِظاهِرِ الحالِ كَما هو عادَةُ الأطْفالِ والجُهّالِ.
فَإنْ قِيلَ: السُّخْرِيَةُ مِن آثارِ المَعاصِي، فَكَيْفَ يَلِيقُ ذَلِكَ بِالأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ ؟
قُلْنا: إنَّهُ تَعالى سَمّى المُقابَلَةَ سُخْرِيَةً كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشُّورى: ٤٠] .
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ﴾ أيْ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن هو أحَقُّ بِالسُّخْرِيَةِ ومَن هو أحْمَدُ عاقِبَةً، وفي قَوْلِهِ: ﴿مَن يَأْتِيهِ﴾ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ اسْتِفْهامًا بِمَعْنى أيْ كَأنَّهُ قِيلَ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أيُّنا يَأْتِيهِ عَذابٌ، وعَلى هَذا الوَجْهِ فَمَحَلُّ ”مَن“ رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الَّذِي ويَكُونُ في مَحَلِّ النَّصْبِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ أيْ يَجِبُ عَلَيْهِ ويَنْزِلُ بِهِ.
{"ayahs_start":38,"ayahs":["وَیَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَیۡهِ مَلَأࣱ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ","فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن یَأۡتِیهِ عَذَابࣱ یُخۡزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیۡهِ عَذَابࣱ مُّقِیمٌ"],"ayah":"فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن یَأۡتِیهِ عَذَابࣱ یُخۡزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیۡهِ عَذَابࣱ مُّقِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق