الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكم فاعْلَمُوا أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وأنْ لا إلَهَ إلّا هو فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ الآيَةَ المُتَقَدِّمَةَ اشْتَمَلَتْ عَلى خِطابَيْنِ:
أحَدُهُما: خِطابُ الرَّسُولِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ﴾ .
والثّانِي: خِطابُ الكُفّارِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ﴾، فَلَمّا أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ احْتَمَلَ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّ الكُفّارَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا في المُعارَضَةِ لِتَعَذُّرِها عَلَيْهِمْ، واحْتَمَلَ أنَّ مَن يَدْعُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ لَمْ يَسْتَجِيبُوا، فَلِهَذا السَّبَبِ اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ عَلى قَوْلَيْنِ:
فَبَعْضُهم قالَ: هَذا خِطابٌ لِلرَّسُولِ ﷺ ولِلْمُؤْمِنِينَ، والمُرادُ أنَّ الكُفّارَ إنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكم في الإتْيانِ بِالمُعارَضَةِ، فاعْلَمُوا أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ. والمَعْنى: فاثْبُتُوا عَلى العِلْمِ الَّذِي أنْتُمْ عَلَيْهِ وازْدادُوا يَقِينًا وثَباتَ قَدَمٍ عَلى أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ.
ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ أيْ: فَهَلْ أنْتُمْ مُخْلِصُونَ.
ومِنهم مَن قالَ: فِيهِ إضْمارٌ، والتَّقْدِيرُ: فَقُولُوا أيُّها المُسْلِمُونَ لِلْكُفّارِ: اعْلَمُوا أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ هَذا خِطابٌ مَعَ الكُفّارِ، والمَعْنى أنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَهم مِن دُونِ اللَّهِ إذا لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكم في الإعانَةِ عَلى المُعارَضَةِ، فاعْلَمُوا أيُّها الكُفّارُ أنَّ هَذا القُرْآنَ إنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ، فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ بَعْدَ لُزُومِ الحُجَّةِ عَلَيْكم، والقائِلُونَ بِهَذا القَوْلِ قالُوا: هَذا أوْلى مِنَ القَوْلِ الأوَّلِ؛ لِأنَّكم في القَوْلِ الأوَّلِ احْتَجْتُمْ إلى أنْ حَمَلْتُمْ قَوْلَهُ: ﴿فاعْلَمُوا﴾ عَلى الأمْرِ بِالثَّباتِ أوْ عَلى إضْمارِ القَوْلِ، وعَلى هَذا الِاحْتِمالِ لا حاجَةَ فِيهِ إلى إضْمارٍ، فَكانَ هَذا أوْلى، وأيْضًا فَعَوْدُ الضَّمِيرِ إلى أقْرَبِ المَذْكُورِينَ واجِبٌ، وأقْرَبُ المَذْكُورِينَ في هَذِهِ الآيَةِ هو هَذا الِاحْتِمالُ الثّانِي، وأيْضًا أنَّ الخِطابَ الأوَّلَ كانَ مَعَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وحْدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ﴾، والخِطابَ الثّانِيَ كانَ مَعَ جَماعَةِ الكُفّارِ بِقَوْلِهِ: ﴿وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ﴾، وقَوْلُهُ: ﴿فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ خِطابٌ مَعَ الجَماعَةِ، فَكانَ حَمْلُهُ عَلى هَذا الَّذِي قُلْناهُ أوْلى.
بَقِيَ في الآيَةِ سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: ما الشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يَسْتَجِيبُوا فِيهِ ؟
الجَوابُ: المَعْنى: فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكم في مُعارَضَةِ القُرْآنِ، وقالَ بَعْضُهم: فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكم في جُمْلَةِ الإيمانِ، وهو بَعِيدٌ.
السُّؤالُ الثّانِي: مَنِ المُشارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ﴾ ؟
والجَوابُ: إنْ حَمَلْنا قَوْلَهُ: ﴿فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ عَلى المُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ ظاهِرٌ، وإنْ حَمَلْناهُ عَلى الرَّسُولِ فَعَنْهُ جَوابانِ:
الأوَّلُ: المُرادُ فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ والمُؤْمِنِينَ كانُوا يَتَحَدُّونَهم، وقالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فاعْلَمْ.
والثّانِي: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الجَمْعُ لِتَعْظِيمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
السُّؤالُ الثّالِثُ: أيُّ تَعَلُّقٍ بَيْنَ الشَّرْطِ المَذْكُورِ في هَذِهِ الآيَةِ وبَيْنَ ما فِيها مِنَ الجَزاءِ ؟
والجَوابُ: أنَّ القَوْمَ ادَّعَوْا كَوْنَ القُرْآنِ مُفْتَرًى عَلى اللَّهِ تَعالى، فَقالَ: لَوْ كانَ مُفْتَرًى عَلى اللَّهِ لَوَجَبَ أنْ (p-١٥٨)يَقْدِرَ الخَلْقُ عَلى مِثْلِهِ، ولَمّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ثَبَتَ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ ومِن قِبَلِهِ، كَما يَقُولُ الحاكِمُ: هَذا الحُكْمُ جَرى بِعِلْمِي.
السُّؤالُ الرّابِعُ: أيُّ تَعَلُّقٍ لِقَوْلِهِ: ﴿وأنْ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ بِعَجْزِهِمْ عَنِ المُعارَضَةِ ؟
والجَوابُ فِيهِ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا أمَرَ مُحَمَّدًا ﷺ حَتّى يَطْلُبَ مِنَ الكُفّارِ أنْ يَسْتَعِينُوا بِالأصْنامِ في تَحْقِيقِ المُعارَضَةِ ثُمَّ ظَهَرَ عَجْزُهم عَنْها فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أنَّها لا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ في شَيْءٍ مِنَ المَطالِبِ البَتَّةَ، ومَتى كانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ بَطَلَ القَوْلُ بِإثْباتِ كَوْنِهِمْ آلِهَةً، فَصارَ عَجْزُ القَوْمِ عَنِ المُعارَضَةِ بَعْدَ الِاسْتِعانَةِ بِالأصْنامِ مُبْطِلًا لِإلَهِيَّةِ الأصْنامِ ودَلِيلًا عَلى ثُبُوتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَكانَ قَوْلُهُ: ﴿وأنْ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ إشارَةً إلى ما ظَهَرَ مِن فَسادِ القَوْلِ بِإلَهِيَّةِ الأصْنامِ.
الثّانِي: أنَّهُ ثَبَتَ في عِلْمِ الأُصُولِ أنَّ القَوْلَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنِ اللَّهِ مِنَ المَسائِلِ الَّتِي يُمْكِنُ إثْباتُها بِقَوْلِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وعَلى هَذا فَكَأنَّهُ قِيلَ: لَمّا ثَبَتَ عَجْزُ الخُصُومِ عَنِ المُعارَضَةِ ثَبَتَ كَوْنُ القُرْآنِ حَقًّا، وثَبَتَ كَوْنُ مُحَمَّدٍ ﷺ صادِقًا في دَعْوى الرِّسالَةِ، ثُمَّ إنَّهُ كانَ يُخْبِرُ عَنْ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَلَمّا ثَبَتَ كَوْنُهُ مُحِقًّا في دَعْوى النُّبُوَّةِ ثَبَتَ قَوْلُهُ: ﴿وأنْ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ .
الثّالِثُ: أنَّ ذِكْرَ قَوْلِهِ: ﴿وأنْ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ جارٍ مَجْرى التَّهْدِيدِ، كَأنَّهُ قِيلَ: لَمّا ثَبَتَ بِهَذا الدَّلِيلِ كَوْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ صادِقًا في دَعْوى الرِّسالَةِ وعَلِمْتُمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَكُونُوا خائِفِينَ مِن قَهْرِهِ وعَذابِهِ واتْرُكُوا الإصْرارَ عَلى الكُفْرِ واقْبَلُوا الإسْلامَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ التَّحَدِّي: ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ [البَقَرَةِ: ٢٤] .
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
فَإنْ قُلْنا: إنَّهُ خِطابٌ مَعَ المُؤْمِنِينَ كانَ مَعْناهُ التَّرْغِيبَ في زِيادَةِ الإخْلاصِ.
وإنْ قُلْنا: إنَّهُ خِطابٌ مَعَ الكُفّارِ كانَ مَعْناهُ التَّرْغِيبَ في أصْلِ الإسْلامِ.
{"ayah":"فَإِلَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق