الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ ﴿ولا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ﴾ . واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في تَعْرِيفِ مَن يُكَذِّبُ بِالدِّينِ وصْفَيْنِ: أحَدُهُما: مِن بابِ الأفْعالِ وهو قَوْلُهُ: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ . والثّانِي: مِن بابِ التُّرُوكِ وهو قَوْلُهُ: ﴿ولا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ﴾ والفاءُ في قَوْلِهِ ”فَذَلِكَ“ لِلسَّبَبِيَّةِ أيْ لَمّا كانَ كافِرًا مُكَذِّبًا كانَ كُفْرُهُ سَبَبًا لِدَعِّ اليَتِيمِ، وإنَّما اقْتَصَرَ عَلَيْهِما عَلى مَعْنى أنَّ الصّادِرَ عَمَّنْ يُكَذِّبُ بِالدِّينِ لَيْسَ إلّا ذَلِكَ، لِأنّا نَعْلَمُ أنَّ المُكَذِّبَ بِالدِّينِ لا يَقْتَصِرُ عَلى هَذَيْنِ بَلْ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، كَأنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في كُلِّ واحِدٍ مِنَ القِسْمَيْنِ مِثالًا واحِدًا تَنْبِيهًا بِذِكْرِهِ عَلى سائِرِ القَبائِحِ، أوْ لِأجْلِ أنَّ هاتَيْنِ الخَصْلَتَيْنِ، كَما أنَّهُما قَبِيحانِ مُنْكَرانِ بِحَسَبِ الشَّرْعِ فَهُما أيْضًا مُسْتَنْكَرانِ بِحَسَبِ المُرُوءَةِ والإنْسانِيَّةِ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ فالمَعْنى أنَّهُ يَدْفَعُهُ بِعُنْفٍ وجَفْوَةٍ كَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] وحاصِلُ الأمْرِ في دَعِّ اليَتِيمِ أُمُورٌ: أحَدُها: دَفْعُهُ عَنْ حَقِّهِ ومالِهِ بِالظُّلْمِ. والثّانِي: تَرْكُ المُواساةِ (p-١٠٦)مَعَهُ، وإنْ لَمْ تَكُنِ المُواساةُ واجِبَةً. وقَدْ يُذَمُّ المَرْءُ بِتَرْكِ النَّوافِلِ لا سِيَّما إذا أُسْنِدَ إلى النِّفاقِ وعَدَمِ الدِّينِ. والثّالِثُ: يَزْجُرُهُ ويَضْرِبُهُ ويَسْتَخِفُّ بِهِ، وقُرِئَ ”يَدَعُ“ أيْ يَتْرُكُهُ، ولا يَدْعُوهُ بِدَعْوَةٍ، أيْ يَدْعُوا جَمِيعَ الأجانِبِ ويَتْرُكُ اليَتِيمَ مَعَ أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - قالَ: «ما مِن مائِدَةٍ أعْظَمُ مِن مائِدَةٍ عَلَيْها يَتِيمٌ» وقُرِئَ ”يَدْعُو اليَتِيمَ“ أيْ يَدْعُوهُ رِياءً ثُمَّ لا يُطْعِمُهُ وإنَّما يَدْعُوهُ اسْتِخْدامًا أوْ قَهْرًا أوِ اسْتِطالَةً. واعْلَمْ أنَّ في قَوْلِهِ: (يَدُعُّ) بِالتَّشْدِيدِ فائِدَةً، وهي أنَّ ”يَدُعُّ“ بِالتَّشْدِيدِ مَعْناهُ أنَّهُ يَعْتادُ ذَلِكَ فَلا يَتَناوَلُ الوَعِيدَ مَن وُجِدَ مِنهُ ذَلِكَ ونَدِمَ عَلَيْهِ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: ٣٢] سُمِّيَ ذَنْبُ المُؤْمِنِ لَمَمًا لِأنَّهُ كالطَّيْفِ والخَيالِ يَطْرَأُ ولا يَبْقى، لِأنَّ المُؤْمِنَ كَما يَفْرُغُ مِنَ الذَّنْبِ يَنْدَمُ، إنَّما المُكَذِّبُ هو الَّذِي يُصِرُّ عَلى الذَّنْبِ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿ولا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ﴾ فَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لا يَحُضُّ نَفْسَهُ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ، وإضافَةُ الطَّعامِ إلى المِسْكِينِ تَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ الطَّعامَ حَقُّ المِسْكِينِ، فَكَأنَّهُ مَنَعَ المِسْكِينَ مِمّا هو حَقُّهُ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى نِهايَةِ بُخْلِهِ وقَساوَةِ قَلْبِهِ وخَساسَةِ طَبْعِهِ. والثّانِي: لا يَحُضُّ غَيْرَهُ عَلى إطْعامِ ذَلِكَ المِسْكِينِ بِسَبَبِ أنَّهُ لا يَعْتَقِدُ في ذَلِكَ الفِعْلِ ثَوابًا، والحاصِلُ أنَّهُ تَعالى جَعَلَ عِلْمَ التَّكْذِيبِ بِالقِيامَةِ الإقْدامَ عَلى إيذاءِ الضَّعِيفِ ومَنعَ المَعْرُوفِ، يَعْنِي أنَّهُ لَوْ آمَنَ بِالجَزاءِ وأيْقَنَ بِالوَعِيدِ لَما صَدَرَ عَنْهُ ذَلِكَ، فَمَوْضِعُ الذَّنْبِ هو التَّكْذِيبُ بِالقِيامَةِ، وهَهُنا سُؤالانِ: السُّؤالُ الأوَّلُ: ألَيْسَ قَدْ لا يَحُضُّ المَرْءُ في كَثِيرٍ مِنَ الأحْوالِ ولا يَكُونُ آثِمًا ؟ الجَوابُ: لِأنَّ غَيْرَهُ يَنُوبُ مَنابَهُ أوْ لِأنَّهُ لا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أوْ لِمَفْسَدَةٍ أُخْرى يَتَوَقَّعُها، أمّا هَهُنا فَذَكَرَ أنَّهُ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ (إلّا) لِما أنَّهُ مُكَذِّبٌ بِالدِّينِ. السُّؤالُ الثّانِي: لِمَ لَمْ يَقُلْ: ولا يُطْعِمُ المِسْكِينَ ؟ والجَوابُ: إذا مَنَعَ اليَتِيمَ حَقَّهُ فَكَيْفَ يُطْعِمُ المِسْكِينَ مِن مالِ نَفْسِهِ، بَلْ هو بَخِيلٌ مِن مالِ غَيْرِهِ، وهَذا هو النِّهايَةُ في الخِسَّةِ، فَلِأنْ يَكُونَ بَخِيلًا بِمالِ نَفْسِهِ أوْلى، وضِدُّهُ في مَدْحِ المُؤْمِنِينَ: ﴿وتَواصَوْا بِالمَرْحَمَةِ﴾ ] البَلَدِ: ١٧ ]، ﴿وتَواصَوْا بِالحَقِّ﴾ [العصر: ٣]، ﴿وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ . [العصر: ٣] ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: في كَيْفِيَّةِ اتِّصالِ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها وُجُوهٌ: أحَدُها: أنَّهُ لا يَفْعَلُ إيذاءَ اليَتِيمِ والمَنعَ مِنَ الإطْعامِ دَلِيلًا عَلى النِّفاقِ، فالصَّلاةُ لا مَعَ الخُضُوعِ، والخُضُوعُ أوْلى، أنْ تَدُلَّ عَلى النِّفاقِ؛ لِأنَّ الإيذاءَ والمَنعَ مِنَ النَّفْعِ مُعامَلَةٌ مَعَ المَخْلُوقِ، أمّا الصَّلاةُ فَإنَّها خِدْمَةٌ لِلْخالِقِ. وثانِيها: كَأنَّهُ لَمّا ذَكَرَ إيذاءَ اليَتِيمِ وتَرْكَهُ لِلْحَضِّ كَأنَّ سائِلًا قالَ: ألَيْسَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ ؟ فَقالَ لَهُ: الصَّلاةُ كَيْفَ تَنْهاهُ عَنْ هَذا الفِعْلِ المُنْكَرِ وهي مَصْنُوعَةٌ مِن عَيْنِ الرِّياءِ والسَّهْوِ. وثالِثُها: كَأنَّهُ يَقُولُ: إقْدامُهُ عَلى إيذاءِ اليَتِيمِ وتَرْكُهُ لِلْحَضِّ، تَقْصِيرٌ فِيما يَرْجِعُ إلى الشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ، وسَهْوُهُ في الصَّلاةِ تَقْصِيرٌ فِيما يَرْجِعُ إلى التَّعْظِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ، فَلَمّا وقَعَ التَّقْصِيرُ في الأمْرَيْنِ فَقَدْ كَمُلَتْ شَقاوَتُهُ: فَلِهَذا قالَ: (فَوَيْلٌ) واعْلَمْ أنَّ هَذا اللَّفْظَ إنَّما (p-١٠٧)يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الجَرِيمَةِ الشَّدِيدَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] ﴿فَوَيْلٌ لَهم مِمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٧٩]، ﴿ويْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١] ويُرْوى أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَنُوحُ في النّارِ بِحَسَبِ جَرِيمَتِهِ، فَقائِلٌ يَقُولُ: ويْلِي مِن حُبِّ الشَّرَفِ، وآخَرُ يَقُولُ: ويْلِي مِنَ الحَمِيَّةِ الجاهِلِيَّةِ، وآخَرُ يَقُولُ: ويْلِي مِن صَلاتِي، فَلِهَذا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ سَماعِ مِثْلِ هَذِهِ الآيَةِ، أنْ يَقُولَ المَرْءُ ويْلِي إنْ لَمْ يُغْفَرْ لِي. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الآيَةُ دالَّةٌ عَلى حُصُولِ التَّهْدِيدِ العَظِيمِ بِفِعْلِ ثَلاثَةِ أُمُورٍ: أحَدُها: السَّهْوُ عَنِ الصَّلاةِ. وثانِيها: فِعْلُ المُراءاةِ. وثالِثُها: مَنعُ الماعُونِ، وكُلُّ ذَلِكَ مِن بابِ الذُّنُوبِ، ولا يَصِيرُ المَرْءُ بِهِ مُنافِقًا، فَلِمَ حَكَمَ اللَّهُ بِمِثْلِ هَذا الوَعِيدِ عَلى فاعِلِ هَذِهِ الأفْعالِ ؟ ولِأجْلِ هَذا الإشْكالِ ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ فِيهِ وُجُوهًا: أحَدُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ أيْ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ مِنَ المُنافِقِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِهَذِهِ الأفْعالِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ تَدُلُّ الآيَةُ عَلى أنَّ الكافِرَ لَهُ مَزِيدُ عُقُوبَةٍ بِسَبَبِ إقْدامِهِ عَلى مَحْظُوراتِ الشَّرْعِ وتَرْكِهِ لِواجِباتِ الشَّرْعِ، وهو يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ الشّافِعِيِّ: إنَّ الكُفّارَ مُخاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرائِعِ، وهَذا الجَوابُ هو المُعْتَمَدُ. وثانِيها: ما رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ لَوْ قالَ اللَّهُ: في صَلاتِهِمْ ساهُونَ، لَكانَ هَذا الوَعِيدُ في المُؤْمِنِينَ لَكِنَّهُ قالَ: ﴿عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ والسّاهِي عَنِ الصَّلاةِ هو الَّذِي لا يَتَذَكَّرُها ويَكُونُ فارِغًا عَنْها، وهَذا القَوْلُ ضَعِيفٌ لِأنَّ السَّهْوَ عَنِ الصَّلاةِ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُفَسَّرًا بِتَرْكِ الصَّلاةِ، لِأنَّهُ تَعالى أثْبَتَ لَهُمُ الصَّلاةَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ وأيْضًا فالسَّهْوُ عَنِ الصَّلاةِ بِمَعْنى التَّرْكِ لا يَكُونُ نِفاقًا ولا كُفْرًا فَيَعُودُ الإشْكالُ، ويُمْكِنُ أنْ يُجابَ عَنِ الِاعْتِراضِ الأوَّلِ بِأنَّهُ تَعالى حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِكَوْنِهِمْ مُصَلِّينَ نَظَرًا إلى الصُّورَةِ وبِأنَّهم نَسُوا الصَّلاةَ بِالكُلِّيَّةِ نَظَرًا إلى المَعْنى كَما قالَ: ﴿وإذا قامُوا إلى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراءُونَ النّاسَ ولا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢] ويُجابُ عَنِ الِاعْتِراضِ الثّانِي بِأنَّ النِّسْيانَ عَنِ الصَّلاةِ هو أنْ يَبْقى ناسِيًا لِذِكْرِ اللَّهِ في جَمِيعِ أجْزاءِ الصَّلاةِ، وهَذا لا يَصْدُرُ إلّا عَنِ المُنافِقِ الَّذِي يَعْتَقِدُ أنَّهُ لا فائِدَةَ في الصَّلاةِ، أمّا المُسْلِمُ الَّذِي يَعْتَقِدُ فِيها فائِدَةً عَيْنِيَّةً يَمْتَنِعُ أنْ لا يَتَذَكَّرَ أمْرَ الدِّينِ والثَّوابَ والعِقابَ في شَيْءٍ مِن أجْزاءِ الصَّلاةِ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ السَّهْوُ في الصَّلاةِ بِمَعْنى أنَّهُ يَصِيرُ ساهِيًا في بَعْضِ أجْزاءِ الصَّلاةِ، فَثَبَتَ أنَّ السَّهْوَ في الصَّلاةِ مِن أفْعالِ المُؤْمِنِ، والسَّهْوَ عَنِ الصَّلاةِ مِن أفْعالِ الكافِرِ. ثالِثُها: أنْ يَكُونَ مَعْنى: (ساهُونَ) أيْ لا يَتَعَهَّدُونَ أوْقاتَ صَلَواتِهِمْ ولا شَرائِطَها، ومَعْناهُ أنَّهُ لا يُبالِي سَواءٌ صَلّى أوْ لَمْ يُصَلِّ، وهو قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ ومَسْرُوقٍ والحَسَنِ ومُقاتِلٍ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا في سَهْوِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - في صَلاتِهِ، فَقالَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ما سَها، لَكِنَّ اللَّهَ تَعالى أذِنَ لَهُ في ذَلِكَ الفِعْلِ حَتّى يَفْعَلَ ما يَفْعَلُهُ السّاهِي فَيَصِيرَ ذَلِكَ بَيانًا لِذَلِكَ الشَّرْعِ بِالفِعْلِ، والبَيانُ بِالفِعْلِ أقْوى، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِ السَّهْوِ مِنهُ، فالسَّهْوُ عَلى أقْسامٍ: أحَدُها: سَهْوُ الرَّسُولِ والصَّحابَةِ وذَلِكَ مُنْجَبِرٌ تارَةً بِسُجُودِ السَّهْوِ وتارَةً بِالسُّنَنِ والنَّوافِلِ. والثّانِي: ما يَكُونُ في الصَّلاةِ مِنَ الغَفْلَةِ وعَدَمِ اسْتِحْضارِ المَعارِفِ والنِّيّاتِ. والثّالِثُ: التَّرْكُ لا إلى قَضاءٍ والإخْراجُ عَنِ الوَقْتِ، ومِن ذَلِكَ صَلاةُ المُنافِقِ وهي شَرٌّ مِن تَرْكِ الصَّلاةِ لِأنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالدِّينِ بِتِلْكَ الصَّلاةِ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ هم يُراءُونَ﴾ فاعْلَمْ أنَّ الفَرْقَ بَيْنَ المُنافِقِ والمُرائِي: أنَّ المُنافِقَ هو المُظْهِرُ لِلْإيمانِ المُبْطِنُ لِلْكُفْرِ، والمُرائِي المُظْهِرُ ما لَيْسَ في قَلْبِهِ مِن زِيادَةِ خُشُوعٍ لِيَعْتَقِدَ فِيهِ مَن يَراهُ أنَّهُ مُتَدَيِّنٌ، أوْ تَقُولُ: المُنافِقُ لا يُصَلِّي سِرًّا والمُرائِي تَكُونُ صَلاتُهُ عِنْدَ النّاسِ أحْسَنَ. (p-١٠٨)اعْلَمْ أنَّهُ يَجِبُ إظْهارُ الفَرائِضِ مِنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ لِأنَّها شَعائِرُ الإسْلامِ، وتارِكُها مُسْتَحِقٌّ لِلَّعْنِ فَيَجِبُ نَفْيُ التُّهْمَةِ بِالإظْهارِ. إنَّما الإخْفاءُ في النَّوافِلِ إلّا إذا أظْهَرَ النَّوافِلَ لِيُقْتَدى بِهِ، وعَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ رَأى في المَسْجِدِ رَجُلًا يَسْجُدُ لِلشُّكْرِ وأطالَها، فَقالَ: ما أحْسَنَ هَذا لَوْ كانَ في بَيْتِكَ ! لَكِنَّ مَعَ هَذا قالُوا: لا يَتْرُكُ النَّوافِلَ حَياءً ولا يَأْتِي بِها رِياءً، وقَلَّما يَتَيَسَّرُ اجْتِنابُ الرِّياءِ، ولِهَذا قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «الرِّياءُ أخْفى مِن دَبِيبِ النَّمْلَةِ السَّوْداءِ في اللَّيْلَةِ الظَّلْماءِ عَلى المَسْحِ الأسْوَدِ» فَإنْ قِيلَ: ما مَعْنى المُراءاةِ ؟ قُلْنا: هي مُفاعَلَةٌ مِنَ الإراءَةِ لِأنَّ المُرائِيَ يُرِي النّاسَ عَمَلَهُ، وهم يُرُونَهُ الثَّناءَ عَلَيْهِ والإعْجابَ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب