الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهم جَمِيعًا أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مِن أوَّلِها إلى هَذا المَوْضِعِ في بَيانِ حِكايَةِ شُبُهاتِ الكُفّارِ في إنْكارِ النُّبُوَّةِ مَعَ الجَوابِ عَنْها، وكانَتْ إحْدى شُبُهاتِهِمْ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يُهَدِّدُهم بِنُزُولِ العَذابِ مَعَ الكافِرِينَ، ويَعِدُ أتْباعَهُ أنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهم ويُعْلِي شَأْنَهم ويُقَوِّي جانِبَهم، ثُمَّ إنَّ الكُفّارَ ما رَأوْا ذَلِكَ فَجَعَلُوا ذَلِكَ شُبْهَةً في الطَّعْنِ في نُبُوَّتِهِ، وكانُوا يُبالِغُونَ في اسْتِعْجالِ ذَلِكَ العَذابِ عَلى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى بَيَّنَ أنَّ تَأْخِيرَ المَوْعُودِ بِهِ لا يَقْدَحُ في صِحَّةِ الوَعْدِ، ثُمَّ ضَرَبَ لِهَذا أمْثِلَةً، وهي واقِعَةُ نُوحٍ وواقِعَةُ مُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ مَعَ فِرْعَوْنَ، وامْتَدَّتْ هَذِهِ البَياناتُ إلى هَذِهِ المَقاماتِ، ثُمَّ في هَذِهِ الآيَةِ بَيَّنَ أنَّ جِدَّ الرَّسُولِ في دُخُولِهِمْ في الإيمانِ لا يَنْفَعُ، ومُبالَغَتَهُ في تَقْرِيرِ الدَّلائِلِ وفي الجَوابِ عَنِ الشُّبُهاتِ لا تُفِيدُ؛ لِأنَّ الإيمانَ لا يَحْصُلُ إلّا بِتَخْلِيقِ اللَّهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ وإرْشادِهِ وهِدايَتِهِ، فَإذا لَمْ يَحْصُلْ هَذا المَعْنى لَمْ يَحْصُلِ الإيمانُ. وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: احْتَجَّ أصْحابُنا عَلى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِأنَّ جَمِيعَ الكائِناتِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى، فَقالُوا: كَلِمَةُ (لَوْ) تُفِيدُ انْتِفاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفاءِ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهُمْ﴾ يَقْتَضِي أنَّهُ ما حَصَلَتْ تِلْكَ المَشِيئَةُ وما حَصَلَ إيمانُ أهْلِ الأرْضِ بِالكُلِّيَّةِ، فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّهُ تَعالى ما أرادَ إيمانَ الكُلِّ، أجابَ الجُبّائِيُّ والقاضِي وغَيْرُهُما بِأنَّ المُرادَ مَشِيئَةُ الإلْجاءِ، أيْ: لَوْ شاءَ اللَّهُ أنْ يُلْجِئَهم إلى الإيمانِ لَقَدَرَ عَلَيْهِ ولَصَحَّ ذَلِكَ مِنهُ، ولَكِنَّهُ ما فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ الإيمانَ الصّادِرَ مِنَ العَبْدِ عَلى سَبِيلِ الإلْجاءِ لا يَنْفَعُهُ ولا يُفِيدُهُ فائِدَةٌ، ثُمَّ قالَ الجُبّائِيُّ: ومَعْنى إلْجاءِ اللَّهِ تَعالى إيّاهم إلى ذَلِكَ أنْ يُعَرِّفَهُمُ اضْطِرارًا أنَّهم لَوْ حاوَلُوا تَرْكَهُ حالَ اللَّهُ بَيْنَهم وبَيْنَ ذَلِكَ، وعِنْدَ هَذا لا بُدَّ وأنْ يَفْعَلُوا ما أُلْجِئُوا إلَيْهِ، كَما أنَّ مَن عَلِمَ مِنّا أنَّهُ إنْ حاوَلَ قَتْلَ مَلِكٍ فَإنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنهُ قَهْرًا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ لِذَلِكَ الفِعْلِ سَبَبًا لِاسْتِحْقاقِ المَدْحِ والثَّوابِ، فَكَذا هَهُنا.
واعْلَمْ أنَّ هَذا الكَلامَ ضَعِيفٌ، وبَيانُهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ الكافِرَ كانَ قادِرًا عَلى الكُفْرِ، فَهَلْ كانَ قادِرًا عَلى الإيمانِ أوْ ما كانَ قادِرًا عَلَيْهِ ؟ فَإنْ قَدَرَ عَلى الكُفْرِ ولَمْ يَقْدِرْ عَلى الإيمانِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ القُدْرَةُ عَلى الكُفْرِ مُسْتَلْزِمَةً لِلْكُفْرِ، فَإذا كانَ خالِقُ تِلْكَ القُدْرَةِ هو اللَّهَ تَعالى لَزِمَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ تَعالى خَلَقَ فِيهِ قُدْرَةً مُسْتَلْزِمَةً لِلْكُفْرِ، فَوَجَبَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ أرادَ مِنهُ الكُفْرَ، وأمّا إنْ كانَتِ القُدْرَةُ صالِحَةً لِلضِّدَّيْنِ كَما هو مَذْهَبُ القَوْمِ، فَرُجْحانُ أحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلى الآخَرِ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلى المُرَجِّحِ فَقَدْ حَصَلَ الرُّجْحانُ لا لِمُرَجِّحٍ وهَذا باطِلٌ، وإنْ تَوَقَّفَ عَلى مُرَجِّحٍ فَذَلِكَ المُرَجِّحُ إمّا أنْ يَكُونَ مِنَ العَبْدِ أوْ مِنَ اللَّهِ، فَإنْ كانَ مِنَ العَبْدِ عادَ التَّقْسِيمُ فِيهِ ولَزِمَ التَّسَلْسُلُ (p-١٣٤)وهُوَ مُحالٌ، وإنْ كانَ مِنَ اللَّهِ تَعالى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَجْمُوعُ تِلْكَ القُدْرَةِ مَعَ تِلْكَ الدّاعِيَةِ مُوجِبًا لِذَلِكَ الكُفْرِ، فَإذا كانَ خالِقُ القُدْرَةِ والدّاعِيَةُ هو اللَّهَ تَعالى فَحِينَئِذٍ عادَ الإلْزامُ.
الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ﴾ لا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى مَشِيئَةِ الإلْجاءِ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ ما كانَ يَطْلُبُ أنْ يَحْصُلَ لَهم إيمانٌ لا يُفِيدُهم في الآخِرَةِ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ لا قُدْرَةَ لِلرَّسُولِ عَلى تَحْصِيلِ هَذا الإيمانِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهم جَمِيعًا﴾، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الإيمانِ المَذْكُورِ في هَذِهِ الآيَةِ هو هَذا الإيمانُ النّافِعُ حَتّى يَكُونَ الكَلامُ مُنْتَظِمًا، فَأمّا حَمْلُ اللَّفْظِ عَلى مَشِيئَةِ القَهْرِ والإلْجاءِ فَإنَّهُ لا يَلِيقُ بِهَذا المَوْضِعِ.
الثّالِثُ: المُرادُ بِهَذا الإلْجاءِ، إمّا أنْ يَكُونَ هو أنْ يُظْهِرَ لَهُ آياتٍ هائِلَةً يَعْظُمُ خَوْفُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِها، ثُمَّ يَأْتِي بِالإيمانِ عِنْدَها. وإمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ خَلْقَ الإيمانِ فِيهِمْ. والأوَّلُ باطِلٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى بَيَّنَ فِيما قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ إنْزالَ هَذِهِ الآياتِ لا يُفِيدُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿ولَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ﴾، وقالَ أيْضًا: ﴿ولَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [الأنْعامِ: ١١١]، وإنْ كانَ المُرادُ هو الثّانِيَ لَمْ يَكُنْ هَذا الإلْجاءُ إلى الإيمانِ، بَلْ كانَ ذَلِكَ عِبارَةً عَنْ خَلْقِ الإيمانِ فِيهِمْ، ثُمَّ يُقالُ: لَكِنَّهُ ما خَلَقَ الإيمانَ فِيهِمْ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ ما أرادَ حُصُولَ الإيمانِ لَهم، وهَذا عَيْنُ مَذْهَبِنا.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ هَذا الكَلامَ قالَ: ﴿أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، والمَعْنى أنَّهُ لا قُدْرَةَ لَكَ عَلى التَّصَرُّفِ في أحَدٍ، والمَقْصُودُ مِنهُ بَيانُ أنَّ القُدْرَةَ القاهِرَةَ والمَشِيئَةَ النّافِذَةَ لَيْسَتْ إلّا لِلْحَقِّ سُبْحانَهُ وتَعالى.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ أصْحابُنا عَلى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لا حُكْمَ لِلْأشْياءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِقَوْلِهِ: ﴿وما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾، قالُوا: وجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِهِ أنَّ الإذْنَ عِبارَةٌ عَنِ الإطْلاقِ في الفِعْلِ ورَفْعِ الحَرَجِ. وصَرِيحُ هَذِهِ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ قَبْلَ حُصُولِ هَذا المَعْنى لَيْسَ لَهُ أنْ يُقْدِمَ عَلى هَذا الإيمانِ، ثُمَّ قالُوا: والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مِن جِهَةِ العَقْلِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعالى والِاشْتِغالَ بِشُكْرِهِ والثَّناءَ عَلَيْهِ لا يَدُلُّ العَقْلُ عَلى حُصُولِ نَفْعٍ فِيهِ، فَوَجَبَ أنْ لا يَجِبَ ذَلِكَ بِحَسَبِ العَقْلِ، بَيانُ الأوَّلِ أنَّ ذَلِكَ النَّفْعَ إمّا أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى المَشْكُورِ أوْ إلى الشّاكِرِ، والأوَّلُ باطِلٌ؛ لِأنَّ في الشّاهِدِ المَشْكُورُ يَنْتَفِعُ بِالشُّكْرِ فَيَسُرُّهُ الشُّكْرُ ويَسُوءُهُ الكُفْرانُ، فَلا جَرَمَ كانَ الشُّكْرُ حَسَنًا والكُفْرانُ قَبِيحًا، أمّا اللَّهُ سُبْحانَهُ فَإنَّهُ لا يَسُرُّهُ الشُّكْرُ ولا يَسُوءُهُ الكُفْرانُ، فَلا يَنْتَفِعُ بِهَذا الشُّكْرِ أصْلًا. والثّانِي أيْضًا باطِلٌ؛ لِأنَّ الشّاكِرَ يَتْعَبُ في الحالِ بِذَلِكَ الشُّكْرِ ويَبْذُلُ الخِدْمَةَ، مَعَ أنَّ المَشْكُورَ لا يَنْتَفِعُ بِهِ البَتَّةَ. ولا يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ ذَلِكَ الشُّكْرَ عِلَّةُ الثَّوابِ؛ لِأنَّ الِاسْتِحْقاقَ عَلى اللَّهِ تَعالى مُحالٌ، فَإنَّ الِاسْتِحْقاقَ عَلى الغَيْرِ إنَّما يُعْقَلُ إذا كانَ ذَلِكَ الغَيْرُ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعْطِ لَأوْجَبَ امْتِناعُهُ مِن إعْطاءِ ذَلِكَ الحَقِّ حُصُولَ نُقْصانٍ في حَقِّهِ، ولَمّا كانَ الحَقُّ سُبْحانَهُ مُنَزَّهًا عَنِ النُّقْصانِ والزِّيادَةِ لَمْ يُعْقَلْ ذَلِكَ في حَقِّهِ، فَثَبَتَ أنَّ الِاشْتِغالَ بِالإيمانِ وبِالشُّكْرِ لا يُفِيدُ نَفْعًا بِحَسَبِ العَقْلِ المَحْضِ، وما كانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أنْ يَكُونَ العَقْلُ مُوجِبًا لَهُ، فَثَبَتَ بِهَذا البُرْهانِ القاطِعِ صِحَّةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾، قالَ القاضِي: المُرادُ أنَّ الإيمانَ لا يَصْدُرُ عَنْهُ إلّا بِعِلْمِ اللَّهِ أوْ بِتَكْلِيفِهِ أوْ بِإقْدارِهِ عَلَيْهِ.
وجَوابُنا: أنَّ حَمْلَ الإذْنِ عَلى ما ذَكَرْتُمْ تَرْكٌ لِلظّاهِرِ، وذَلِكَ لا يَجُوزُ، لا سِيَّما وقَدْ بَيَّنّا أنَّ الدَّلِيلَ القاطِعَ العَقْلِيَّ يُقَوِّي قَوْلَنا.
(p-١٣٥)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَرَأ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: ”ونَجْعَلُ“ بِالنُّونِ، وقَرَأ الباقُونَ بِالياءِ كِنايَةً عَنِ اسْمِ اللَّهِ تَعالى.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: احْتَجَّ أصْحابُنا عَلى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِأنَّ خالِقَ الكُفْرِ والإيمانِ هو اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾، وتَقْرِيرُهُ أنَّ الرِّجْسَ قَدْ يُرادُ بِهِ العَمَلُ القَبِيحُ؛ قالَ تَعالى: ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا﴾ [الأحْزابِ: ٣٣]، والمُرادُ مِنَ الرِّجْسِ هَهُنا العَمَلُ القَبِيحُ، سَواءٌ كانَ كُفْرًا أوْ مَعْصِيَةً، وبِالتَّطْهِيرِ نَقْلُ العَبْدِ مِن رِجْسِ الكُفْرِ والمَعْصِيَةِ إلى طَهارَةِ الإيمانِ والطّاعَةِ، فَلَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى فِيما قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ الإيمانَ لا يَحْصُلُ إلّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى وتَخْلِيقِهِ، ذَكَرَ بَعْدَهُ أنَّ الرِّجْسَ لا يَحْصُلُ إلّا بِتَخْلِيقِهِ وتَكْوِينِهِ. والرِّجْسُ الَّذِي يُقابِلُ الإيمانَ لَيْسَ إلّا الكُفْرَ، فَثَبَتَ دَلالَةُ هَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ الكُفْرَ والإيمانَ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
أجابَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ النَّحْوِيُّ عَنْهُ فَقالَ: الرِّجْسُ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ آخَرَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ العَذابَ، فَقَوْلُهُ: ﴿ويَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ أيْ يُلْحِقُ العَذابَ بِهِمْ، كَما قالَ: ﴿ويُعَذِّبَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ﴾ [الفَتْحِ: ٦] .
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم رِجْسٌ كَما قالَ: ﴿إنَّما المُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٨] والمَعْنى أنَّ الطَّهارَةَ الثّابِتَةَ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ تَحْصُلْ لَهم.
والجَوابُ: أنّا قَدْ بَيَّنّا بِالدَّلِيلِ العَقْلِيِّ أنَّ الجَهْلَ لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ فِعْلًا لِلْعَبْدِ؛ لِأنَّهُ لا يُرِيدُهُ ولا يَقْصِدُ إلى تَكْوِينِهِ، وإنَّما يُرِيدُ ضِدَّهُ، وإنَّما قَصَدَ إلى تَحْصِيلِ ضِدِّهِ، فَلَوْ كانَ بِهِ لَما حَصَلَ إلّا ما قَصَدَهُ، وأوْرَدْنا السُّؤالاتِ عَلى هَذِهِ الحُجَّةِ وأجَبْنا عَنْها فِيما سَلَفَ مِن هَذا الكِتابِ. وأمّا حَمْلُ الرِّجْسِ عَلى العَذابِ فَهو باطِلٌ؛ لِأنَّ الرِّجْسَ عِبارَةٌ عَنِ الفاسِدِ المُسْتَقْذَرِ المُسْتَكْرَهِ، فَحَمْلُ هَذا اللَّفْظِ عَلى جَهْلِهِمْ وكُفْرِهِمْ أوْلى مِن حَمْلِهِ عَلى عَذابِ اللَّهِ مَعَ كَوْنِهِ حَقًّا صِدْقًا صَوابًا، وأمّا حَمْلُ لَفْظِ الرِّجْسِ عَلى حُكْمِ اللَّهِ بِرَجاسَتِهِمْ، فَهو في غايَةِ البُعْدِ؛ لِأنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعالى بِذَلِكَ صِفَتُهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنْ صِفَةَ اللَّهِ رِجْسٌ، فَثَبَتَ أنَّ الحُجَّةَ الَّتِي ذَكَرْناها ظاهِرَةٌ.
{"ayahs_start":99,"ayahs":["وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَـَٔامَنَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِیعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ یَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ","وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یَعۡقِلُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَـَٔامَنَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِیعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ یَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق