الباحث القرآني
القِصَّةُ الثّالِثَةُ
مِنَ القِصَصِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ: قِصَّةُ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ
﴿فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلّا قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهم عَذابَ الخِزْيِ في الحَياةِ الدُّنْيا ومَتَّعْناهم إلى حِينٍ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلّا قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهم عَذابَ الخِزْيِ في الحَياةِ الدُّنْيا ومَتَّعْناهم إلى حِينٍ﴾ (p-١٣٢)اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ مِن قَبْلُ ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿ولَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا العَذابَ الألِيمَ﴾ أتْبَعَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنَّها دالَّةٌ عَلى أنَّ قَوْمَ يُونُسَ آمَنُوا بَعْدَ كُفْرِهِمْ وانْتَفَعُوا بِذَلِكَ الإيمانِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الكُفّارَ فَرِيقانِ: مِنهم مَن حَكَمَ عَلَيْهِ بِخاتِمَةِ الكُفْرِ، ومِنهم مَن حَكَمَ عَلَيْهِ بِخاتِمَةِ الإيمانِ، وكُلُّ ما قَضى اللَّهُ بِهِ فَهو واقِعٌ. وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في كَلِمَةِ ”لَوْلا“ في هَذِهِ الآيَةِ طَرِيقانِ:
الطَّرِيقُ الأوَّلُ: أنَّ مَعْناهُ النَّفْيُ، رَوى الواحِدِيُّ في ”البَسِيطِ“ قالَ: قالَ أبُو مالِكٍ صاحِبُ ابْنِ عَبّاسٍ: كُلُّ ما في كِتابِ اللَّهِ تَعالى مِن ذِكْرِ لَوْلا، فَمَعْناهُ هَلّا، إلّا حَرْفَيْنِ: ﴿فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها﴾ مَعْناهُ: فَما كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها، وكَذَلِكَ ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ﴾ مَعْناهُ: فَما كانَ مِنَ القُرُونِ، فَعَلى هَذا تَقْدِيرُ الآيَةِ: فَما كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلّا قَوْمَ يُونُسَ. وانْتَصَبَ قَوْلُهُ: ﴿إلّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ عَلى أنَّهُ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ عَنِ الأوَّلِ؛ لِأنَّ أوَّلَ الكَلامِ جَرى عَلى القَرْيَةِ، وإنْ كانَ المُرادُ أهْلَها، ووَقَعَ اسْتِثْناءُ القَوْلِ مِنَ القَرْيَةِ، فَكانَ كَقَوْلِهِ:
؎. . . . . . . . . . . . . . . . . . . وما بِالرَّبْعِ مِن أحَدِ
؎إلّا الأوارِيَّ. . . . . . . ∗∗∗ . . . . . . . . . .
.
وقُرِئَ أيْضًا بِالرَّفْعِ عَلى البَدَلِ.
الطَّرِيقُ الثّانِي: أنَّ ”لَوْلا“ مَعْناهُ هَلّا، والمَعْنى هَلّا كانَتْ قَرْيَةٌ واحِدَةٌ مِنَ القُرى الَّتِي أهْلَكْناها ثابَتْ عَنِ الكُفْرِ وأخْلَصَتْ في الإيمانِ قَبْلَ مُعايَنَةِ العَذابِ إلّا قَوْمَ يُونُسَ. وظاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي اسْتِثْناءَ قَوْمِ يُونُسَ مِنَ القُرى، إلّا أنَّ المَعْنى اسْتِثْناءُ قَوْمِ يُونُسَ مِن أهْلِ القُرى، وهو اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنى ولَكِنَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا فَعَلْنا بِهِمْ كَذا وكَذا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: رُوِيَ أنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعَثَ إلى نِينَوى مِن أرْضِ المَوْصِلِ فَكَذَّبُوهُ، فَذَهَبَ عَنْهم مُغاضِبًا، فَلَمّا فَقَدُوهُ خافُوا نُزُولَ العِقابِ، فَلَبِسُوا المُسُوحَ وعَجُّوا أرْبَعِينَ لَيْلَةً، وكانَ يُونُسُ قالَ لَهم: إنَّ أجْلَكم أرْبَعُونَ لَيْلَةً. فَقالُوا: إنْ رَأيْنا أسْبابَ الهَلاكِ آمَنّا بِكَ. فَلَمّا مَضَتْ خَمْسٌ وثَلاثُونَ لَيْلَةً ظَهَرَ في السَّماءِ غَيْمٌ أسْوَدُ شَدِيدُ السَّوادِ، فَظَهَرَ مِنهُ دُخانٌ شَدِيدٌ وهَبَطَ ذَلِكَ الدُّخانُ حَتّى وقَعَ في المَدِينَةِ وسَوَّدَ سُطَوَحَهم، فَخَرَجُوا إلى الصَّحْراءِ، وفَرَّقُوا بَيْنَ النِّساءِ والصِّبْيانِ وبَيْنَ الدَّوابِّ وأوْلادِها فَحَنَّ بَعْضُها إلى بَعْضٍ، فَعَلَتِ الأصْواتُ، وكَثُرَتِ التَّضَرُّعاتُ، وأظْهَرُوا الإيمانَ والتَّوْبَةَ، وتَضَرَّعُوا إلى اللَّهِ تَعالى فَرَحِمَهم وكَشَفَ عَنْهم، وكانَ ذَلِكَ اليَوْمُ يَوْمَ عاشُوراءَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَلَغَ مِن تَوْبَتِهِمْ أنْ يَرُدُّوا المَظالِمَ، حَتّى إنَّ الرَّجُلَ كانَ يَقْلَعُ الحَجَرَ بَعْدَ أنْ وضَعَ عَلَيْهِ بِناءَ أساسِهِ فَيَرُدُّهُ إلى مالِكِهِ، وقِيلَ: خَرَجُوا إلى شَيْخٍ مِن بَقِيَّةِ عُلَمائِهِمْ فَقالُوا: قَدْ نَزَلَ بِنا العَذابُ فَما تَرى ؟ فَقالَ لَهم: قُولُوا: يا حَيُّ حِينَ لا حَيَّ، ويا حَيُّ يا مُحْيِي المَوْتى، ويا حَيُّ لا إلَهَ إلّا أنْتَ. فَقالُوا فَكَشَفَ اللَّهُ العَذابَ عَنْهم. وعَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ أنَّهم قالُوا: اللَّهُمَّ إنَّ ذُنُوبَنا قَدْ عَظُمَتْ وجَلَّتْ، وأنْتَ أعْظَمُ مِنها وأجَلُّ، افْعَلْ بِنا ما أنْتَ أهْلُهُ، ولا تَفْعَلْ بِنا ما نَحْنُ أهْلُهُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: إنْ قالَ قائِلٌ: إنَّهُ تَعالى حَكى عَنْ فِرْعَوْنَ أنَّهُ تابَ في آخِرِ الأمْرِ، ولَمْ يَقْبَلْ تَوْبَتَهُ، وحَكى عَنْ قَوْمِ يُونُسَ أنَّهم تابُوا وقَبِلَ تَوْبَتَهم، فَما الفَرْقُ ؟ (p-١٣٣)
والجَوابُ: أنَّ فِرْعَوْنَ إنَّما تابَ بَعْدَ أنْ شاهَدَ العَذابَ، وأمّا قَوْمُ يُونُسَ فَإنَّهم تابُوا قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَإنَّهم لَمّا ظَهَرَتْ لَهم أماراتٌ دَلَّتْ عَلى قُرْبِ العَذابِ تابُوا قَبْلَ أنْ شاهَدُوا فَظَهَرَ الفَرْقُ.
{"ayah":"فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡیَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَاۤ إِیمَـٰنُهَاۤ إِلَّا قَوۡمَ یُونُسَ لَمَّاۤ ءَامَنُوا۟ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡیِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَمَتَّعۡنَـٰهُمۡ إِلَىٰ حِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق