الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْحَيْنا إلى مُوسى وأخِيهِ أنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتًا واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبْلَةً وأقِيمُوا الصَّلاةَ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ لَمّا شَرَحَ خَوْفَ المُؤْمِنِينَ مِنَ الكافِرِينَ وما ظَهَرَ مِنهم مَنَ التَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ تَعالى أتْبَعَهُ بِأنْ أمَرَ مُوسى وهارُونَ بِاتِّخاذِ المَساجِدِ والإقْبالِ عَلى الصَّلَواتِ، يُقالُ: تَبَوَّأ المَكانَ، أيِ اتَّخَذَهُ مُبَوَّأً، كَقَوْلِهِ تَوَطَّنَهُ إذا اتَّخَذَهُ مَوْطِنًا، والمَعْنى: اجْعَلا بِمِصْرَ بُيُوتًا لِقَوْمِكُما ومَرْجِعًا تَرْجِعُونَ إلَيْهِ لِلْعِبادَةِ والصَّلاةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبْلَةً﴾ وفِيهِ أبْحاثٌ:
البَحْثُ الأوَّلُ: مِنَ النّاسِ مَن قالَ: المُرادُ مِنَ البُيُوتِ المَساجِدُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦] ومِنهم مَن قالَ: المُرادُ مُطْلَقُ البُيُوتِ، أمّا الأوَّلُونَ فَقَدْ فَسَّرُوا القِبْلَةَ بِالجانِبِ الَّذِي يُسْتَقْبَلُ في الصَّلاةِ، ثُمَّ قالُوا: والمُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبْلَةً﴾ أيِ اجْعَلُوا بُيُوتَكم مَساجِدَ تَسْتَقْبِلُونَها لِأجْلِ الصَّلاةِ، وقالَ الفَرّاءُ: واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبْلَةً، أيْ إلى القِبْلَةِ، وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبْلَةً أيْ قِبَلًا يَعْنِي مَساجِدَ، فَأطْلَقَ لَفْظَ الوُحْدانِ، والمُرادُ الجَمْعُ، واخْتَلَفُوا في أنَّ هَذِهِ القِبْلَةَ أيْنَ كانَتْ ؟ فَظاهِرٌ أنَّ لَفْظَ القُرْآنِ لا يَدُلُّ عَلى تَعْيِينِهِ، إلّا أنَّهُ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: كانَتِ الكَعْبَةُ قِبْلَةَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - . وكانَ الحَسَنُ يَقُولُ: الكَعْبَةُ قِبْلَةُ كُلِّ الأنْبِياءِ، وإنَّما وقَعَ العُدُولُ عَنْها بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى في أيّامِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَعْدَ الهِجْرَةِ.
وقالَ آخَرُونَ: كانَتْ تِلْكَ القِبْلَةُ جِهَةَ بَيْتِ المَقْدِسِ.
وأمّا القائِلُونَ بِأنَّ المُرادَ مِن لَفْظِ البُيُوتِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ مُطْلَقُ البَيْتِ، فَهَؤُلاءِ لَهم في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: (قِبْلَةً) وجْهانِ:
الأوَّلُ: المُرادُ بِجَعْلِ تِلْكَ البُيُوتِ قِبْلَةً أيْ مُتَقابِلَةً، والمَقْصُودُ مِنهُ حُصُولُ الجَمْعِيَّةِ واعْتِضادُ البَعْضِ بِالبَعْضِ.
وقالَ آخَرُونَ: المُرادُ واجْعَلُوا دُورَكم قِبْلَةً، أيْ صَلُّوا في بُيُوتِكم.
(p-١١٩)البَحْثُ الثّانِي: أنَّهُ تَعالى خَصَّ مُوسى وهارُونَ في أوَّلِ هَذِهِ الآيَةِ بِالخِطابِ فَقالَ: ﴿أنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ ثُمَّ عَمَّمَ هَذا الخِطابَ فَقالَ: ﴿واجْعَلُوا بُيُوتَكم قِبْلَةً﴾ والسَّبَبُ فِيهِ أنَّهُ تَعالى أمَرَ مُوسى وهارُونَ أنْ يَتَبَوَّءا لِقَوْمِهِما بُيُوتًا لِلْعِبادَةِ، وذَلِكَ مِمّا يُفَوَّضُ إلى الأنْبِياءِ، ثُمَّ جاءَ الخِطابُ بَعْدَ ذَلِكَ عامًّا لَهُما ولِقَوْمِهِما بِاتِّخاذِ المَساجِدِ والصَّلاةِ فِيها؛ لِأنَّ ذَلِكَ واجِبٌ عَلى الكُلِّ، ثُمَّ خَصَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - في آخِرِ الكَلامِ بِالخِطابِ فَقالَ: ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ وذَلِكَ لِأنَّ الغَرَضَ الأصْلِيَّ مِن جَمِيعِ العِباداتِ حُصُولُ هَذِهِ البِشارَةِ، فَخَصَّ اللَّهُ تَعالى مُوسى بِها، لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلى أنَّ الأصْلَ في الرِّسالَةِ هو مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وأنَّ هارُونَ تَبَعٌ لَهُ.
البَحْثُ الثّالِثُ: ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ في كَيْفِيَّةِ هَذِهِ الواقِعَةِ وُجُوهًا ثَلاثَةً:
الأوَّلُ: أنَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ومَن مَعَهُ كانُوا في أوَّلِ أمْرِهِمْ مَأْمُورِينَ بِأنْ يُصَلُّوا في بُيُوتِهِمْ خُفْيَةً مِنَ الكَفَرَةِ؛ لِئَلّا يَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ فَيُؤْذُوهم ويَفْتِنُوهم عَنْ دِينِهِمْ، كَما كانَ المُؤْمِنُونَ عَلى هَذِهِ الحالَةِ في أوَّلِ الإسْلامِ في مَكَّةَ.
الثّانِي: قِيلَ: إنَّهُ تَعالى لَمّا أرْسَلَ مُوسى إلَيْهِمْ أمَرَ فِرْعَوْنُ بِتَخْرِيبِ مَساجِدِ بَنِي إسْرائِيلَ ومَنعِهِمْ مِنَ الصَّلاةِ، فَأمَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى أنْ يَتَّخِذُوا مَساجِدَ في بُيُوتِهِمْ ويُصَلُّوا فِيها خَوْفًا مِن فِرْعَوْنَ.
الثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا أرْسَلَ مُوسى إلَيْهِمْ وأظْهَرَ فِرْعَوْنُ تِلْكَ العَداوَةَ الشَّدِيدَةَ أمَرَ اللَّهُ تَعالى مُوسى وهارُونَ وقَوْمَهُما بِاتِّخاذِ المَساجِدِ عَلى رَغْمِ الأعْداءِ، وتَكَفَّلَ تَعالى أنَّهُ يَصُونُهم عَنْ شَرِّ الأعْداءِ.
{"ayah":"وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِیهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُیُوتࣰا وَٱجۡعَلُوا۟ بُیُوتَكُمۡ قِبۡلَةࣰ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق