الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلْ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ ﴿مَتاعٌ في الدُّنْيا ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُهم ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ بِالدَّلِيلِ القاهِرِ أنَّ إثْباتَ الوَلَدِ لِلَّهِ تَعالى قَوْلٌ باطِلٌ ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ لَيْسَ لِهَذا القائِلِ دَلِيلٌ عَلى صِحَّةِ قَوْلِهِ، فَقَدْ ظَهَرَ أنَّ ذَلِكَ المَذْهَبَ افْتِراءٌ عَلى اللَّهِ، ونَسَبُهُ لِما لا يَلِيقُ بِهِ إلَيْهِ، فَبَيَّنَ أنَّ مَن هَذا حالُهُ فَإنَّهُ لا يُفْلِحُ ألْبَتَّةَ، ألا تَرى أنَّهُ تَعالى قالَ في أوَّلِ سُورَةِ المُؤْمِنُونَ: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] وقالَ في آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿إنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ١١٧ ] . واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ يَدْخُلُ فِيهِ هَذِهِ الصُّورَةُ ولَكِنَّهُ لا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ كُلُّ مَن قالَ في ذاتِ اللَّهِ تَعالى وفي صِفاتِهِ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وبِغَيْرِ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ كانَ داخِلًا في هَذا الوَعِيدِ، ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لا يُفْلِحُ﴾ قَدْ ذَكَرْناهُ في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤] وبِالجُمْلَةِ فالفَلاحُ عِبارَةٌ عَنِ الوُصُولِ إلى المَقْصُودِ والمَطْلُوبِ، فَمَعْنى أنَّهُ لا يُفْلِحُ هو أنَّهُ لا يَنْجَحُ في سَعْيِهِ ولا يَفُوزُ بِمَطْلُوبِهِ بَلْ خابَ وخَسِرَ، ومِنَ النّاسِ مَن إذا فازَ بِشَيْءٍ مِنَ المَطالِبِ العاجِلَةِ والمَقاصِدِ الخَسِيسَةِ، ظَنَّ أنَّهُ قَدْ فازَ بِالمَقْصِدِ الأقْصى، واللَّهُ سُبْحانَهُ أزالَ هَذا الخَيالَ بِأنْ قالَ: إنَّ ذَلِكَ المَقْصُودَ الخَسِيسَ مَتاعٌ قَلِيلٌ في الدُّنْيا، ثُمَّ لا بُدَّ مِنَ المَوْتِ، وعِنْدَ المَوْتِ لا بُدَّ مِنَ الرُّجُوعِ إلى اللَّهِ وعِنْدَ هَذا الرُّجُوعِ لا بُدَّ مِن أنْ يُذِيقَهُ العَذابَ الشَّدِيدَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الكُفْرِ المُتَقَدِّمِ، وهَذا كَلامٌ في غايَةِ الِانْتِظامِ ونِهايَةِ الحُسْنِ والجَزالَةِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب