الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا أوْ نَهارًا ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنهُ المُجْرِمُونَ﴾ ﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ آمَنتُمْ بِهِ آلْآنَ وقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذا هو الجَوابُ الثّانِي عَنْ قَوْلِهِمْ: ﴿مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: حاصِلُ الجَوابِ أنْ يُقالَ لِأُولَئِكَ الكُفّارِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ نُزُولَ العَذابِ بِتَقْدِيرِ أنْ يَحْصُلَ هَذا المَطْلُوبُ ويَنْزِلَ هَذا العَذابُ، ما الفائِدَةُ لَكم فِيهِ ؟ فَإنْ قُلْتُمْ: نُؤْمِنُ عِنْدَهُ، فَذَلِكَ باطِلٌ؛ لِأنَّ الإيمانَ في ذَلِكَ الوَقْتِ إيمانٌ حاصِلٌ في وقْتِ الإلْجاءِ والقَسْرِ، وذَلِكَ لا يُفِيدُ نَفْعًا ألْبَتَّةَ، فَثَبَتَ أنَّ هَذا الَّذِي تَطْلُبُونَهُ لَوْ حَصَلَ لَمْ يَحْصُلْ مِنهُ إلّا العَذابُ في الدُّنْيا، ثُمَّ يَحْصُلُ عَقِيبَهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَذابٌ آخَرُ أشَدُّ مِنهُ، وهو أنَّهُ يُقالُ: لِلَّذِينِ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ، ثُمَّ يُقْرَنُ بِذَلِكَ العَذابِ كَلامٌ يَدُلُّ عَلى الإهانَةِ والتَّحْقِيرِ وهو أنَّهُ تَعالى يَقُولُ: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ فَحاصِلُ هَذا الجَوابِ: أنَّ هَذا الَّذِي تَطْلُبُونَهُ هو مَحْضُ الضَّرَرِ العارِي عَنْ جِهاتِ النَّفْعِ. والعاقِلُ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿بَياتًا﴾ أيْ لَيْلًا، يُقالُ بِتُّ لَيْلَتِي أفْعَلُ كَذا، والسَّبَبُ فِيهِ أنَّ الإنْسانَ في اللَّيْلِ يَكُونُ ظاهِرًا في البَيْتِ، فَجُعِلَ هَذا اللَّفْظُ كِنايَةً عَنِ اللَّيْلِ، والبَياتُ مَصْدَرٌ مِثْلُ التَّبْيِيتِ كالوَداعِ والسَّراحِ، ويُقالُ في النَّهارِ ظَلِلْتُ أفْعَلُ كَذا، لِأنَّ الإنْسانَ في النَّهارِ يَكُونُ ظاهِرًا في الظِّلِّ.
وانْتَصَبَ بَياتًا عَلى الظَّرْفِ أيْ وقْتَ بَياتٍ. وكَلِمَةُ ”ماذا“ فِيها وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ ماذا اسْمًا واحِدًا، ويَكُونَ مَنصُوبَ المَحَلِّ كَما لَوْ قالَ: ماذا أرادَ اللَّهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”ذا“ بِمَعْنى الَّذِي، فَيَكُونَ ماذا كَلِمَتَيْنِ، ومَحَلُّ ”ما“ الرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ وخَبَرُهُ ”ذا“ وهو بِمَعْنى الَّذِي، فَيَكُونَ مَعْناهُ ما الَّذِي يَسْتَعْجِلُ مِنهُ المُجْرِمُونَ، ومَعْناهُ، أيُّ شَيْءٍ الَّذِي يَسْتَعْجِلُ مِنَ العَذابِ المُجْرِمُونَ.
واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا أوْ نَهارًا﴾ شَرْطٌ.
وجَوابُهُ: قَوْلُهُ ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنهُ المُجْرِمُونَ، وهو كَقَوْلِكَ إنْ أتَيْتُكَ ماذا تُطْعِمُنِي، يَعْنِي: إنْ حَصَلَ هَذا المَطْلُوبُ، فَأيُّ مَقْصُودٍ تَسْتَعْجِلُونَهُ مِنهُ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ آمَنتُمْ بِهِ﴾ فاعْلَمْ أنَّ دُخُولَ حَرْفِ الِاسْتِفْهامِ عَلى ثُمَّ كَدُخُولِهِ عَلى الواوِ والفاءِ في قَوْلِهِ: ﴿أوَأمِنَ أهْلُ القُرى﴾ [الأعراف: ٩٨]، ﴿أفَأمِنَ﴾ [ الأعْرافِ: ٩٧ ) وهو يُفِيدُ التَّقْرِيعَ والتَّوْبِيخَ، ثُمَّ أخْبَرَ (p-٨٩)تَعالى أنَّ ذَلِكَ الإيمانَ غَيْرُ واقِعٍ لَهم بَلْ يُعَيَّرُونَ ويُوَبَّخُونَ، فَيُقالُ: آلْآنَ تُؤْمِنُونَ وتَرْجُونَ الِانْتِفاعَ بِالإيمانِ مَعَ أنَّكم كُنْتُمْ قَبْلَ ذَلِكَ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ عَلى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ والِاسْتِهْزاءِ. وقُرِئَ ”آلانَ“ بِحَذْفِ الهَمْزَةِ الَّتِي بَعْدَ اللّامِ وإلْقاءِ حَرَكَتِها عَلى اللّامِ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ﴾ فَهو عَطْفٌ عَلى الفِعْلِ المُضْمَرِ قَبْلَ ”آلْآنَ“ والتَّقْدِيرُ: قِيلَ: آلْآنَ وقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ، ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الخُلْدِ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إلّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ فَفِيهِ ثَلاثُ مَسائِلَ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّهُ تَعالى أيْنَما ذَكَرَ العِقابَ والعَذابَ ذَكَرَ هَذِهِ العِلَّةَ، كَأنَّ سائِلًا يَسْألُ وهو يَقُولُ: يا رَبَّ العِزَّةِ أنْتَ الغَنِيُّ عَنِ الكُلِّ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِرَحْمَتِكَ هَذا التَّشْدِيدُ والوَعِيدُ، فَهو تَعالى يَقُولُ: ”أنا ما عامَلْتُهُ بِهَذِهِ المُعامَلَةِ ابْتِداءً بَلْ هَذا وصَلَ إلَيْهِ جَزاءً عَلى عَمَلِهِ الباطِلِ“ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ جانِبَ الرَّحْمَةِ راجِحٌ غالِبٌ، وجانِبَ العَذابِ مَرْجُوحٌ مَغْلُوبٌ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الجَزاءَ يُوجِبُ العَمَلَ، أمّا عِنْدَ الفَلاسِفَةِ فَهو أثَرُ العَمَلِ؛ لِأنَّ العَمَلَ الصّالِحَ يُوجِبُ تَنْوِيرَ القَلْبِ وإشْراقَهُ إيجابَ العِلَّةِ مَعْلُولَها.
وأمّا عِنْدَ المُعْتَزِلَةِ فَلِأنَّ العَمَلَ الصّالِحَ يُوجِبُ اسْتِحْقاقَ الثَّوابِ عَلى اللَّهِ تَعالى.
وأمّا عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ؛ فَلِأنَّ ذَلِكَ الجَزاءَ واجِبٌ بِحُكْمِ الوَعْدِ المَحْضِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى كَوْنِ العَبْدِ مُكْتَسِبًا خِلافًا لِلْجَبْرِيَّةِ، وعِنْدَنا أنَّ كَوْنَهُ مُكْتَسِبًا مَعْناهُ أنَّ مَجْمُوعَ القُدْرَةِ مَعَ الدّاعِيَةِ الخالِصَةِ يُوجِبُ الفِعْلَ؛ والمَسْألَةُ طَوِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِدَلائِلِها.
{"ayahs_start":50,"ayahs":["قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُهُۥ بَیَـٰتًا أَوۡ نَهَارࣰا مَّاذَا یَسۡتَعۡجِلُ مِنۡهُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ","أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦۤۚ ءَاۤلۡـَٔـٰنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ","ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ"],"ayah":"أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنتُم بِهِۦۤۚ ءَاۤلۡـَٔـٰنَ وَقَدۡ كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق