الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى ﴿ومِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنهم مَن لا يُؤْمِنُ بِهِ ورَبُّكَ أعْلَمُ بِالمُفْسِدِينَ﴾ ﴿وإنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي ولَكم عَمَلُكم أنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أعْمَلُ وأنا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ قَوْلَهُ: ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ﴾ وكانَ المُرادُ مِنهُ تَسْلِيطَ العَذابِ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا، أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنهم مَن لا يُؤْمِنُ بِهِ﴾ مُنَبِّهًا عَلى أنَّ الصَّلاحَ عِنْدَهُ تَعالى كانَ في هَذِهِ الطّائِفَةِ المُتَبَقِّيَةِ دُونَ الِاسْتِئْصالِ، ومِن حَيْثُ كانَ المَعْلُومُ أنَّ مِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ، والأقْرَبُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ”بِهِ“ راجِعًا إلى القُرْآنِ؛ لِأنَّهُ هو المَذْكُورُ مِن قَبْلُ، ثُمَّ يُعْلَمُ أنَّهُ مَتى حَصَلَ الإيمانُ بِالقُرْآنِ، فَقَدْ حَصَلَ مَعَهُ الإيمانُ بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أيْضًا. واخْتَلَفُوا في قَوْلِهِ: ﴿ومِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ ومِنهم مَن لا يُؤْمِنُ بِهِ﴾ لِأنَّ كَلِمَةَ ”يُؤْمِنُ“ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ، وهو يَصْلُحُ لِلْحالِ والِاسْتِقْبالِ، فَمِنهم مَن حَمَلَهُ عَلى الحالِ، وقالَ: المُرادُ أنَّ مِنهم مَن يُؤْمِنُ بِالقُرْآنِ باطِنًا، لَكِنَّهُ يَتَعَمَّدُ الجَحْدَ وإظْهارَ التَّكْذِيبِ، ومِنهم مَن باطِنُهُ كَظاهِرِهِ في التَّكْذِيبِ، ويَدْخُلُ فِيهِ أصْحابُ الشُّبُهاتِ، وأصْحابُ التَّقْلِيدِ، ومِنهم (p-٨١)مَن قالَ: المُرادُ هو المُسْتَقْبَلُ، يَعْنِي أنَّ مِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ في المُسْتَقْبَلِ بِأنْ يَتُوبَ عَنِ الكُفْرِ ويُبَدِّلَهُ بِالإيمانِ ومِنهم مَن يُصِرُّ ويَسْتَمِرُّ عَلى الكُفْرِ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿ورَبُّكَ أعْلَمُ بِالمُفْسِدِينَ﴾ أيْ هو العالِمُ بِأحْوالِهِمْ في أنَّهُ هَلْ يَبْقى مُصِرًّا عَلى الكُفْرِ أوْ يَرْجِعُ عَنْهُ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿وإنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي ولَكم عَمَلُكُمْ﴾ قِيلَ فَقُلْ لِي عَمَلِي الطّاعَةُ والإيمانُ، ولَكم عَمَلُكُمُ الشِّرْكُ، وقِيلَ: لِي جَزاءُ عَمَلِي ولَكم جَزاءُ عَمَلِكم. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿أنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أعْمَلُ وأنا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ قِيلَ مَعْنى الآيَةِ الزَّجْرُ والرَّدْعُ، وقِيلَ بَلْ مَعْناهُ اسْتِمالَةُ قُلُوبِهِمْ. قالَ مُقاتِلٌ والكَلْبِيُّ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وهَذا بَعِيدٌ، لِأنَّ شَرْطَ النّاسِخِ أنْ يَكُونَ رافِعًا لِحُكْمِ المَنسُوخِ، ومَدْلُولُ هَذِهِ الآيَةِ اخْتِصاصُ كُلِّ واحِدٍ بِأفْعالِهِ وبِثَمَراتِ أفْعالِهِ مِنَ الثَّوابِ والعِقابِ، وذَلِكَ لا يَقْتَضِي حُرْمَةَ القِتالِ، فَآيَةُ القِتالِ ما رَفَعَتْ شَيْئًا مِن مَدْلُولاتِ هَذِهِ الآيَةِ فَكانَ القَوْلُ بِالنَّسْخِ باطِلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب