الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكم مَن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّ هَذا هو الحُجَّةُ الثّانِيَةُ، وتَقْرِيرُها ما شَرَحَ اللَّهُ تَعالى في سائِرِ الآياتِ مِن كَيْفِيَّةِ ابْتِداءِ تَخْلِيقِ الإنْسانِ مِنَ النُّطْفَةِ والعَلَقَةِ والمُضْغَةِ وكَيْفِيَّةِ إعادَتِهِ، ومِن كَيْفِيَّةِ ابْتِداءِ تَخْلِيقِ السَّماواتِ والأرْضِ، فَلَمّا فَصَّلَ هَذِهِ المَقاماتِ، لا جَرَمَ اكْتَفى تَعالى بِذِكْرِها هَهُنا عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ. وهَهُنا سُؤالاتٌ: السُّؤالُ الأوَّلُ: ما الفائِدَةُ في ذِكْرِ هَذِهِ الحُجَّةِ عَلى سَبِيلِ السُّؤالِ والِاسْتِفْهامِ. والجَوابُ: أنَّ الكَلامَ إذا كانَ ظاهِرًا جَلِيًّا ثُمَّ ذُكِرَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِفْهامِ وتَفْوِيضِ الجَوابِ إلى المَسْئُولِ، كانَ ذَلِكَ أبْلَغَ وأوْقَعَ في القَلْبِ. السُّؤالُ الثّانِي: القَوْمُ كانُوا مُنْكِرِينَ الإعادَةَ والحَشْرَ والنَّشْرَ فَكَيْفَ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ؟ والجَوابُ: أنَّهُ تَعالى قَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ ذِكْرَ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، وهو وُجُوبُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ المُحْسِنِ وبَيْنَ المُسِيءِ، وهَذِهِ الدَّلالَةُ ظاهِرَةٌ قَوِيَّةٌ لا يَتَمَكَّنُ العاقِلُ مِن دَفْعِها، فَلِأجْلِ كَمالِ قُوَّتِها وظُهُورِها تَمْسَكَ بِهِ سَواءٌ ساعَدَ الخَصْمُ عَلَيْهِ أوْ لَمْ يُساعِدْ. السُّؤالُ الثّالِثُ: لِمَ أمَرَ رَسُولَهُ بِأنْ يَعْتَرِفَ بِذَلِكَ، والإلْزامُ إنَّما يَحْصُلُ لَوِ اعْتَرَفَ الخَصْمُ بِهِ ؟ والجَوابُ: أنَّ الدَّلِيلَ لَمّا كانَ ظاهِرًا جَلِيًّا، فَإذا أُورِدَ عَلى الخَصْمِ في مَعْرِضِ الِاسْتِفْهامِ - ثُمَّ إنَّهُ بِنَفْسِهِ يَقُولُ الأمْرُ كَذَلِكَ - كانَ هَذا تَنْبِيهًا عَلى أنَّ هَذا الكَلامَ بَلَغَ في الوُضُوحِ إلى حَيْثُ لا حاجَةَ فِيهِ إلى إقْرارِ الخَصْمِ بِهِ، وأنَّهُ سَواءٌ أقَرَّ أوْ أنْكَرَ، فالأمْرُ مُتَقَرِّرٌ ظاهِرٌ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ فالمُرادُ التَّعَجُّبُ مِنهم في الذَّهابِ عَنْ هَذا الأمْرِ الواضِحِ الَّذِي دَعاهُمُ الهَوى والتَّقْلِيدُ أوِ الشُّبْهَةُ الضَّعِيفَةُ إلى مُخالَفَتِهِ، لِأنَّ الإخْبارَ عَنْ كَوْنِ الأوْثانِ آلِهَةً كَذِبٌ وإفْكٌ، والِاشْتِغالُ بِعِبادَتِها مَعَ أنَّها لا تَسْتَحِقُّ هَذِهِ العِبادَةَ يُشْبِهُ الإفْكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب