الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهم ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾
اعْلَمْ أنّا ذَكَرْنا أنَّ القَوْمَ إنَّما التَمَسُوا مِنَ الرَّسُولِ ﷺ قُرْآنًا غَيْرَ هَذا القُرْآنِ، أوْ تَبْدِيلَ هَذا القُرْآنِ؛ لِأنَّ هَذا القُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلى شَتْمِ الأصْنامِ الَّتِي جَعَلُوها آلِهَةً لِأنْفُسِهِمْ، فَلِهَذا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى في هَذا المَوْضِعِ ما يَدُلُّ عَلى قُبْحِ عِبادَةِ الأصْنامِ، لِيُبَيِّنَ أنَّ تَحْقِيرَها والِاسْتِخْفافَ بِها أمْرٌ حَقٌّ وطَرِيقٌ مُتَيَقَّنٌ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى حَكى عَنْهم أمْرَيْنِ، أحَدُهُما: أنَّهم كانُوا يَعْبُدُونَ الأصْنامَ. والثّانِي: أنَّهم كانُوا (p-٤٩)يَقُولُونَ: هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ. أمّا الأوَّلُ فَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعالى عَلى فَسادِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ما لا يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهُمْ﴾ وتَقْرِيرُهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: قالَ الزَّجّاجُ: لا يَضُرُّهم إنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ، ولا يَنْفَعْهم إنْ عَبَدُوهُ.
الثّانِي: أنَّ المَعْبُودَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ أكْمَلَ قُدْرَةً مِنَ العابِدِ، وهَذِهِ الأصْنامُ لا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ البَتَّةَ، وأمّا هَؤُلاءِ الكُفّارُ فَهم قادِرُونَ عَلى التَّصَرُّفِ في هَذِهِ الأصْنامِ تارَةً بِالإصْلاحِ وأُخْرى بِالإفْسادِ، وإذا كانَ العابِدُ أكْمَلَ حالًا مِنَ المَعْبُودِ كانَتِ العِبادَةُ باطِلَةً.
الثّالِثُ: أنَّ العِبادَةَ أعْظَمُ أنْواعِ التَّعْظِيمِ، فَهي لا تَلِيقُ إلّا بِمَن صَدَرَ عَنْهُ أعْظَمُ أنْواعِ الإنْعامِ، وذَلِكَ لَيْسَ إلّا الحَياةَ والعَقْلَ والقُدْرَةَ ومَصالِحَ المَعاشِ والمَعادِ، فَإذا كانَتِ المَنافِعُ والمَضارُّ كُلُّها مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، وجَبَ أنْ لا تَلِيقَ العِبادَةُ إلّا بِاللَّهِ سُبْحانَهُ.
وأمّا النَّوْعُ الثّانِي: ما حَكاهُ اللَّهُ تَعالى عَنْهم في هَذِهِ الآيَةِ، وهو قَوْلُهم: ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ فاعْلَمْ أنَّ مِنَ النّاسِ مَن قالَ: إنَّ أُولَئِكَ الكُفّارَ تَوَهَّمُوا أنَّ عِبادَةَ الأصْنامِ أشَدُّ في تَعْظِيمِ اللَّهِ مِن عِبادَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى. فَقالُوا: لَيْسَتْ لَنا أهْلِيَّةٌ أنْ نَشْتَغِلَ بِعِبادَةِ اللَّهِ تَعالى، بَلْ نَحْنُ نَشْتَغِلُ بِعِبادَةِ هَذِهِ الأصْنامِ، وأنَّها تَكُونُ شُفَعاءَ لَنا عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. ثُمَّ اخْتَلَفُوا في أنَّهم كَيْفَ قالُوا في الأصْنامِ: إنَّها شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ ؟ وذَكَرُوا فِيهِ أقْوالًا كَثِيرَةً:
فَأحَدُها: أنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أنَّ المُتَوَلِّيَ لِكُلِّ إقْلِيمٍ مِن أقالِيمِ العالَمِ رُوحٌ مُعَيَّنٌ مِن أرْواحِ عالَمِ الأفْلاكِ، فَعَيَّنُوا لِذَلِكَ الرُّوحِ صَنَمًا مُعَيَّنًا واشْتَغَلُوا بِعِبادَةِ ذَلِكَ الصَّنَمِ، ومَقْصُودُهم عِبادَةُ ذَلِكَ الرُّوحِ، ثُمَّ اعْتَقَدُوا أنَّ ذَلِكَ الرُّوحَ يَكُونُ عَبْدًا لِلْإلَهِ الأعْظَمِ ومُشْتَغِلًا بِعُبُودِيَّتِهِ.
وثانِيها: أنَّهم كانُوا يَعْبُدُونَ الكَواكِبَ وزَعَمُوا أنَّ الكَواكِبَ هي الَّتِي لَها أهْلِيَّةُ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ لَمّا رَأوْا أنَّ الكَواكِبَ تَطْلُعُ وتَغْرُبُ وضَعُوا لَها أصْنامًا مُعَيَّنَةً واشْتَغَلُوا بِعِبادَتِها، ومَقْصُودُهم تَوْجِيهُ العِبادَةِ إلى الكَواكِبِ.
وثالِثُها: أنَّهم وضَعُوا طَلْسَماتٍ مُعِينَةٍ عَلى تِلْكَ الأصْنامِ والأوْثانِ، ثُمَّ تَقَرَّبُوا إلَيْها كَما يَفْعَلُهُ أصْحابُ الطَّلْسَماتِ.
ورابِعُها: أنَّهم وضَعُوا هَذِهِ الأصْنامَ والأوْثانَ عَلى صُوَرِ أنْبِيائِهِمْ وأكابِرِهِمْ، وزَعَمُوا أنَّهم مَتى اشْتَغَلُوا بِعِبادَةِ هَذِهِ التَّماثِيلِ، فَإنَّ أُولَئِكَ الأكابِرَ تَكُونُ شُفَعاءَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، ونَظِيرُهُ في هَذا الزَّمانِ اشْتِغالُ كَثِيرٍ مِنَ الخَلْقِ بِتَعْظِيمِ قُبُورِ الأكابِرِ، عَلى اعْتِقادِ أنَّهم إذا عَظَّمُوا قُبُورَهم فَإنَّهم يَكُونُونَ شُفَعاءَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ.
وخامِسُها: أنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أنَّ الإلَهَ نُورٌ عَظِيمٌ، وأنَّ المَلائِكَةَ أنْوارٌ، فَوَضَعُوا عَلى صُورَةِ الإلَهِ الأكْبَرِ الصَّنَمَ الأكْبَرَ، وعَلى صُورَةِ المَلائِكَةِ صُوَرًا أُخْرى.
وسادِسُها: لَعَلَّ القَوْمَ حُلُولِيَّةٌ، وجَوَّزُوا حُلُولَ الإلَهِ في بَعْضِ الأجْسامِ العالِيَةِ الشَّرِيفَةِ.
واعْلَمْ أنَّ كُلَّ هَذِهِ الوُجُوهِ باطِلَةٌ، بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى وهو قَوْلُهُ: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهُمْ﴾ وتَقْرِيرُهُ ما ذَكَرْناهُ مِنَ الوُجُوهِ الثَّلاثَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ المُفَسِّرِينَ قَرَّرُوا وجْهًا واحِدًا، وهو أنَّ المُرادَ مِن نَفْيِ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى بِذَلِكَ تَقْرِيرُ نَفْيِهِ في نَفْسِهِ، وبَيانُ أنْ لا وُجُودَ لَهُ البَتَّةَ، وذَلِكَ لِأنَّهُ لَوْ كانَ مَوْجُودًا لَكانَ مَعْلُومًا لِلَّهِ تَعالى، وحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلَّهِ تَعالى وجَبَ أنْ لا يَكُونَ مَوْجُودًا، ومِثْلُ هَذا الكَلامِ مَشْهُورٌ في العُرْفِ، فَإنَّ الإنْسانَ إذا أرادَ نَفْيَ شَيْءٍ عَنْ نَفْسِهِ يَقُولُ: ما عَلِمَ اللَّهُ هَذا مِنِّي، ومَقْصُودُهُ أنَّهُ ما حَصَلَ ذَلِكَ قَطُّ، وقُرِئَ (أتُنْبِئُونَ) بِالتَّخْفِيفِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ فالمَقْصُودُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعالى نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ الشِّرْكِ، قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ”تُشْرِكُونَ“ بِالتّاءِ، ومِثْلُهُ في أوَّلِ النَّحْلِ في مَوْضِعَيْنِ، وفي الرُّومِ كُلِّها بِالتّاءِ عَلى الخِطابِ، قالَ صاحِبُ (p-٥٠)”الكَشّافِ“: ”ما“ مَوْصُولَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ؛ أيْ: عَنِ الشُّرَكاءِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَهم بِهِ أوْ عَنْ إشْراكِهِمْ، قالَ الواحِدِيُّ: مَن قَرَأ بِالتّاءِ فَلِقَوْلِهِ: ﴿أتُنَبِّئُونَ اللَّهَ﴾ ومَن قَرَأ بِالياءِ فَكَأنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: قُلْ أنْتَ: ﴿سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحانَهُ هو الَّذِي نَزَّهَ نَفْسَهُ عَمّا قالُوهُ فَقالَ: ﴿سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ .
{"ayah":"وَیَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡ وَیَقُولُونَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ شُفَعَـٰۤؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا یَعۡلَمُ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق