الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هو وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وهو الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ .
وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى قَرَّرَ في آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ أنَّ جَمِيعَ المُمْكِناتِ مُسْتَنِدَةٌ إلَيْهِ، وجَمِيعَ الكائِناتِ مُحْتاجَةٌ إلَيْهِ، والعُقُولَ والِهَةٌ فِيهِ، والرَّحْمَةَ والجُودَ والوُجُودَ فائِضٌ مِنهُ.
واعْلَمْ أنَّ الشَّيْءَ إمّا أنْ يَكُونَ ضارًّا وإمّا أنْ يَكُونَ نافِعًا، وإمّا أنْ يَكُونَ لا ضارًّا ولا نافِعًا، وهَذانَ القِسْمانِ مُشْتَرِكانِ في اسْمِ الخَيْرِ، ولَمّا كانَ الضُّرُّ أمْرًا وُجُودِيًّا لا جَرَمَ قالَ فِيهِ: ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ ولَمّا كانَ الخَيْرُ قَدْ يَكُونُ وُجُودِيًّا وقَدْ يَكُونُ عَدَمِيًّا لا جَرَمَ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الإمْساسِ فِيهِ، بَلْ قالَ: ﴿وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ والآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ الضُّرَّ والخَيْرَ واقِعانِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى وبِقَضائِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الكُفْرُ والإيمانُ والطّاعَةُ والعِصْيانُ والسُّرُورُ والآفاتُ والخَيْراتُ والآلامُ واللَّذّاتُ والرّاحاتُ والجِراحاتُ، فَبَيَّنَ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّهُ إنْ قَضى لِأحَدٍ شَرًّا فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هو، وإنْ قَضى لِأحَدٍ خَيْرًا فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ البَتَّةَ.
ثُمَّ في الآيَةِ دَقِيقَةٌ أُخْرى، وهي أنَّهُ تَعالى رَجَّحَ جانِبَ الخَيْرِ عَلى جانِبِ الشَّرِّ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ إمْساسَ الضُّرِّ بَيَّنَ أنَّهُ لا كاشِفَ لَهُ إلّا هو، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى يُزِيلُ المَضارَّ؛ لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مِنَ النَّفْيِ إثْباتٌ، ولَمّا ذَكَرَ الخَيْرَ لَمْ يَقُلْ بِأنَّهُ يَدْفَعُهُ، بَلْ قالَ: إنَّهُ لا رادَّ لِفَضْلِهِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الخَيْرَ مَطْلُوبٌ بِالذّاتِ، وأنَّ الشَّرَّ مَطْلُوبٌ بِالعَرَضِ (p-١٤٠)كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ رِوايَةً عَنْ رَبِّ العِزَّةِ أنَّهُ قالَ: ”«سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» “ .
الثّانِي: أنَّهُ تَعالى قالَ في صِفَةِ الخَيْرِ: ﴿يُصِيبُ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ جانِبَ الخَيْرِ والرَّحْمَةِ أقْوى وأغْلَبُ.
والثّالِثُ: أنَّهُ قالَ: ﴿وهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ وهَذا أيْضًا يَدُلُّ عَلى قُوَّةِ جانِبِ الرَّحْمَةِ، وحاصِلُ الكَلامِ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بَيَّنَ أنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالخَلْقِ والإيجادِ والتَّكْوِينِ والإبْداعِ، وأنَّهُ لا مُوجِدَ سِواهُ، ولا مَعْبُودَ إلّا إيّاهُ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلى أنَّ الخَيْرَ مُرادٌ بِالذّاتِ، والشَّرَّ مُرادٌ بِالعَرَضِ. وتَحْتَ هَذا البابِ أسْرارٌ عَمِيقَةٌ، فَهَذا ما نَقُولُهُ في هَذِهِ الآيَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ المُفَسِّرُونَ: إنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ في الآيَةِ الأُولى في صِفَةِ الأصْنامِ أنَّها لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّها لا تَقْدِرُ أيْضًا عَلى دَفْعِ الضَّرَرِ الواصِلِ مِنَ الغَيْرِ، وعَلى الخَيْرِ الواصِلِ مِنَ الغَيْرِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هُوَ﴾ يَعْنِي بِمَرَضٍ وفَقْرٍ، فَلا دافِعَ لَهُ إلّا هو.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ فَقالَ الواحِدِيُّ: هو مِنَ المَقْلُوبِ، مَعْناهُ: وإنْ يُرِدْ بِكَ الخَيْرَ، ولَكِنَّهُ لَمّا تَعَلَّقَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما بِالآخَرِ جازَ إبْدالُ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِالآخَرِ. وأقُولُ: التَّقْدِيمُ في اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلى زِيادَةِ العِنايَةِ، فَقَوْلُهُ: ﴿وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ المَقْصُودَ هو الإنْسانُ، وسائِرُ الخَيْراتِ مَخْلُوقَةٌ لِأجْلِهِ، فَهَذِهِ الدَّقِيقَةُ لا تُسْتَفادُ إلّا مِن هَذا التَّرْكِيبِ.
{"ayah":"وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرࣲّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یُرِدۡكَ بِخَیۡرࣲ فَلَا رَاۤدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ یُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق