الباحث القرآني
﴿وَما جَعَلْنا أصْحابَ النارِ﴾ أيْ: خَزَنَتَها،
﴿إلا مَلائِكَةً﴾، لِأنَّهم خِلافُ جِنْسِ المُعَذَّبِينَ، فَلا تَأْخُذُهُمُ الرَأْفَةُ والرِقَّةُ، لِأنَّهم أشَدُّ الخَلْقِ بَأْسًا، فَلِلْواحِدِ مِنهم قُوَّةُ الثِقَلَيْنِ،
﴿وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ﴾، تِسْعَةَ عَشَرَ،
﴿إلا فِتْنَةً﴾ أيْ: اِبْتِلاءً واخْتِبارًا،
﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، حَتّى قالَ أبُو جَهْلٍ - لَمّا نَزَلَتْ " ﴿عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: ٣٠] " -: ما يَسْتَطِيعُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنكم أنْ يَأْخُذُوا واحِدًا مِنهُمْ، وأنْتُمُ الدُهْمُ؟! فَقالَ أبُو الأشَدِّ - وكانَ شَدِيدَ البَطْشِ -: أنا أكْفِيكم سَبْعَةَ عَشَرَ، فاكْفُونِي أنْتُمُ اثْنَيْنِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَما جَعَلْنا أصْحابَ النارِ إلا مَلائِكَةً﴾ أيْ: وما جَعَلْناهم رِجالًا مِن جِنْسِكم يُطاقُونَ، وقالُوا في تَخْصِيصِ الخَزَنَةِ بِهَذا العَدَدِ - مَعَ أنَّهُ لا يُطْلَبُ في الأعْدادِ العِلَلُ -: إنَّ سِتَّةً مِنهم يَقُودُونَ الكَفَرَةَ إلى النارِ، وسِتَّةً يَسُوقُونَهُمْ، وسِتَّةً يَضْرِبُونَهم بِمَقامِعِ الحَدِيدِ، والآخَرُ خازِنُ جَهَنَّمَ، وهو مالِكٌ، وهو الأكْبَرُ، وقِيلَ: في سَقَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ دَرَكًا، وقَدْ سُلِّطَ عَلى كُلِّ دَرَكٍ مَلَكٌ، وقِيلَ: يُعَذَّبُ فِيها بِتِسْعَةَ عَشَرَ لَوْنًا مِنَ العَذابِ، وعَلى كُلِّ لَوْنٍ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، وقِيلَ: إنَّ جَهَنَّمَ تُحْفَظُ بِما تُحْفَظُ (p-٥٦٦)بِهِ الأرْضُ مِنَ الجِبالِ، وهي تِسْعَةَ عَشَرَ، وكانَ أصْلُها مِائَةً وتِسْعِينَ، إلّا أنَّ غَيْرَها يَنْشَعِبُ عَنْها،
﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾، لِأنَّ عِدَّتَهم تِسْعَةَ عَشَرَ في الكِتابَيْنِ، فَإذا سَمِعُوا بِمِثْلِها في القُرْآنِ أيْقَنُوا أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللهِ،
﴿وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، بِمُحَمَّدٍ، وهو عَطْفٌ عَلى "لِيَسْتَيْقِنَ"،
﴿إيمانًا﴾، لِتَصْدِيقِهِمْ بِذَلِكَ، كَما صَدَّقُوا سائِرَ ما أُنْزِلَ، أوْ: يَزْدادُوا يَقِينًا لِمُوافَقَةِ كِتابِهِمْ كِتابَ أُولَئِكَ،
﴿وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ والمُؤْمِنُونَ﴾، هَذا عَطْفٌ أيْضًا، وفِيهِ تَوْكِيدٌ لِلِاسْتِيقانِ، وزِيادَةِ الإيمانِ، إذْ الِاسْتِيقانُ وازْدِيادُ الإيمانِ دالّانِ عَلى انْتِفاءِ الِارْتِيابِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلى "لِيَسْتَيْقِنَ"، أيْضًا: ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، نِفاقٌ،
﴿والكافِرُونَ﴾، والمُشْرِكُونَ، فَإنْ قُلْتَ: اَلنِّفاقُ ظَهَرَ في المَدِينَةِ، والسُورَةُ مَكِّيَّةٌ، قُلْتُ: مَعْناهُ: ولِيَقُولَ المُنافِقُونَ الَّذِينَ يَظْهَرُونَ في المُسْتَقْبَلِ بِالمَدِينَةِ، بَعْدَ الهِجْرَةِ، والكافِرُونَ بِمَكَّةَ،
﴿ماذا أرادَ اللهُ بِهَذا مَثَلا﴾، وهَذا إخْبارٌ بِما سَيَكُونُ، كَسائِرِ الإخْباراتِ بِالغُيُوبِ، وذا لا يُخالِفُ كَوْنَ السُورَةِ مَكِّيَّةً، وقِيلَ: اَلْمُرادُ بِالمَرَضِ: اَلشَّكُّ، والِارْتِيابُ، لِأنَّ أهْلَ مَكَّةَ كانَ أكْثَرَهم شاكِّينَ، و"مَثَلًا"، تَمْيِيزٌ لِـ "هَذا"، أوْ حالٌ مِنهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿هَذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكم آيَةً﴾ [هود: ٦٤]، ولَمّا كانَ ذِكْرُ العَدَدِ في غايَةِ الغَرابَةِ، وأنَّ مِثْلَهُ حَقِيقٌ بِأنْ تَسِيرَ بِهِ الرُكْبانُ سَيْرَها بِالأمْثالِ، سُمِّيَ مَثَلًا، والمَعْنى: "أيَّ شَيْءٍ أرادَ اللهُ بِهَذا العَدَدِ العَجِيبِ؟! وأيَّ مَعْنًى أرادَ في أنْ جَعَلَ المَلائِكَةَ تِسْعَةَ عَشَرَ، لا عِشْرِينَ؟! وغَرَضُهم إنْكارُهُ أصْلًا، وأنَّهُ لَيْسَ مِن عِنْدِ اللهِ، وأنَّهُ لَوْ كانَ مِن عِنْدِ اللهِ لَما جاءَ بِهَذا العَدَدِ الناقِصِ،
﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَن يَشاءُ﴾، اَلْكافُ نَصْبٌ، و"ذَلِكَ"، إشارَةٌ إلى ما قَبْلَهُ مِن مَعْنى الإضْلالِ، والهُدى، أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ المَذْكُورِ مِنَ الإضْلالِ، والهُدى - يَعْنِي إضْلالَ المُنافِقِينَ، والمُشْرِكِينَ، حَتّى قالُوا ما قالُوا، وهُدى المُؤْمِنِينَ بِتَصْدِيقِهِ ورُؤْيَةِ الحِكْمَةِ في ذَلِكَ - يُضِلُّ اللهُ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، وهو الَّذِي عَلِمَ مِنهُ اخْتِيارَ الضَلالِ،
﴿وَيَهْدِي مَن يَشاءُ﴾، وهو الَّذِي عَلِمَ مِنهُ اخْتِيارَ الِاهْتِداءِ، وفِيهِ دَلِيلُ خَلْقِ الأفْعالِ، ووَصْفِ اللهِ بِالهِدايَةِ، (p-٥٦٧)والإضْلالِ، ولَمّا قالَ أبُو جَهْلٍ - لَعَنَهُ اللهُ -: أما لِرَبِّ مُحَمَّدٍ أعْوانٌ إلّا تِسْعَةَ عَشَرَ؟! نَزَلَ: ﴿وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ﴾، لِفَرْطِ كَثْرَتِها،
﴿إلا هُوَ﴾، فَلا يَعِزُّ عَلَيْهِ تَتْمِيمُ الخَزَنَةِ عِشْرِينَ، ولَكِنَّ لَهُ في هَذا العَدَدِ الخاصِّ حِكْمَةً لا تَعْلَمُونَها،
﴿وَما هِيَ﴾، مُتَّصِلٌ بِوَصْفِ "سَقَرَ"، و"هِيَ"، ضَمِيرُها، أيْ: وما سَقَرُ وصِفَتُها ﴿إلا ذِكْرى لِلْبَشَرِ﴾ أيْ: تَذْكِرَةً لِلْبَشَرِ، أوْ ضَمِيرُ الآياتِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيها.
{"ayah":"وَمَا جَعَلۡنَاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰۤىِٕكَةࣰۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیَسۡتَیۡقِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَیَزۡدَادَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا وَلَا یَرۡتَابَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِیَقُولَ ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ مَاذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلࣰاۚ كَذَ ٰلِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِیَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











