الباحث القرآني

(p-٤٩٦)سُورَةُ "اَلطَّلاقِ" بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ ﴿يا أيُّها النَبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ﴾، خَصَّ النَبِيَّ ﷺ بِالنِداءِ، وعَمَّ بِالخِطابِ، لِأنَّ النَبِيَّ إمامُ أُمَّتِهِ، وقُدْوَتُهُمْ، كَما يُقالُ لِرَئِيسِ القَوْمِ: "يا فُلانُ، افْعَلُوا كَذا"، إظْهارًا لِتَقَدُّمِهِ، واعْتِبارًا لِتَرَؤُّسِهِ، وأنَّهُ قُدْوَةُ قَوْمِهِ، فَكانَ هو وحْدَهُ في حُكْمِ كُلِّهِمْ، وسادًّا مَسَدَّ جَمِيعِهِمْ، وقِيلَ: اَلتَّقْدِيرُ: "يا أيُّها النَبِيُّ والمُؤْمِنُونَ"، ومَعْنى "إذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ": إذا أرَدْتُمْ تَطْلِيقَهُنَّ، وهَمَمْتُمْ بِهِ، عَلى تَنْزِيلِ المُقْبِلِ عَلى الأمْرِ المُشارِفِ لَهُ مَنزِلَةَ الشارِعِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ ﷺ « "مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ"، » ومِنهُ كانَ الماشِي إلى الصَلاةِ، والمُنْتَظِرُ لَها، في حُكْمِ المُصَلِّي، ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، فَطَلِّقُوهُنَّ مُسْتَقْبِلاتٍ لِعِدَّتِهِنَّ، وفي «قِراءَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: "فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ"، » وإذا طُلِّقَتِ المَرْأةُ في الطُهْرِ المُتَقَدِّمِ لِلْقُرْءِ الأوَّلِ مِن أقْرائِها فَقَدْ طُلِّقَتْ مُسْتَقْبِلَةً لِعِدَّتِها، والمُرادُ أنْ تُطَلَّقَ المَدْخُولُ بِهِنَّ مِنَ المُعْتَدّاتِ بِالحَيْضِ في طُهْرٍ لَمْ يُجامَعْنَ فِيهِ، ثُمَّ يُخَلَّيْنَ حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ، وهَذا أحْسَنُ الطَلاقِ، ﴿وَأحْصُوا العِدَّةَ﴾، واضْبِطُوها بِالحِفْظِ، وأكْمِلُوها ثَلاثَةَ أقْراءٍ مُسْتَقْبَلاتٍ كَوامِلَ، لا نُقْصانَ فِيهِنَّ، وخُوطِبَ (p-٤٩٧)الأزْواجُ لِغَفْلَةِ النِساءِ، ﴿واتَّقُوا اللهَ رَبَّكم لا تُخْرِجُوهُنَّ﴾، حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ، ﴿مِن بُيُوتِهِنَّ﴾، مِن مَساكِنِهِنَّ الَّتِي يَسْكُنَّها قَبْلَ العِدَّةِ، وهي بُيُوتُ الأزْواجِ، وأُضِيفَتْ إلَيْهِنَّ لِاخْتِصاصِها بِهِنَّ، مِن حَيْثُ المَسْكَنُ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ السُكْنى واجِبَةٌ، وأنَّ الحِنْثَ بِدُخُولِ دارٍ يَسْكُنُها فُلانٌ - بِغَيْرِ مِلْكٍ ثابِتٍ - فِيما إذا حَلَفَ لا يَدْخُلُ دارَهُ، ومَعْنى الإخْراجِ ألّا يُخْرِجَهُنَّ البُعُولَةُ غَضَبًا عَلَيْهِنَّ، وكَراهَةً لِمُساكَنَتِهِنَّ، أوْ لِحاجَةٍ لَهم إلى المَساكِنِ، وألّا يَأْذَنُوا لَهُنَّ في الخُرُوجِ إذا طَلَبْنَ ذَلِكَ، إيذانًا بِأنَّ إذْنَهم لا أثَرَ لَهُ في رَفْعِ الحَظْرِ، ﴿وَلا يَخْرُجْنَ﴾، بِأنْفُسِهِنَّ، إنْ أرَدْنَ ذَلِكَ، ﴿إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾، قِيلَ: هي الزِنا، أيْ: إلّا أنْ يَزْنِينَ، فَيَخْرُجْنَ لِإقامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِنَّ، وقِيلَ: خُرُوجُها قَبْلَ انْقِضاءِ العِدَّةِ فاحِشَةٌ في نَفْسِهِ، ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ أيْ: اَلْأحْكامُ المَذْكُورَةُ، ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي﴾ أيُّها المُخاطَبُ، ﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾، بِأنْ يُقَلِّبَ قَلْبَهُ مِن بُغْضِهِ إلى مَحَبَّتِها، ومِنَ الرَغْبَةِ عَنْها إلى الرَغْبَةِ فِيها، ومِن عَزِيمَةِ الطَلاقِ إلى النَدَمِ عَلَيْهِ، فَيُراجِعَها، والمَعْنى: " ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأحْصُوا العِدَّةَ﴾ ولا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ لَعَلَّكم تَنْدَمُونَ، فَتُراجِعُونَ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب