الباحث القرآني

﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ﴾، يَعْنِي يَهُودَ بَنِي النَضِيرِ، ﴿مِن دِيارِهِمْ﴾، بِالمَدِينَةِ، واللامُ في ﴿لأوَّلِ الحَشْرِ﴾، تَتَعَلَّقُ بِـ "أخْرَجَ"، وهي اللامُ في (p-٤٥٥)قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي﴾ [الفجر: ٢٤]، وقَوْلِهِ: "جِئْتُهُ لِوَقْتِ كَذا"، أيْ: أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا عِنْدَ أوَّلِ الحَشْرِ، ومَعْنى "أوَّلِ الحَشْرِ": أنَّ هَذا أوَّلُ حَشْرِهِمْ إلى الشامِ، وكانُوا مِن سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهم جَلاءٌ قَطُّ، وهم أوَّلُ مَن أُخْرِجَ مِن أهْلِ الكِتابِ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، إلى الشامِ، أوْ: هَذا أوَّلُ حَشْرِهِمْ، وآخِرُ حَشْرِهِمْ إجْلاءُ عُمَرَ إيّاهم مِن خَيْبَرَ إلى الشامِ، وآخِرُ حَشْرِهِمْ حَشْرُ يَوْمِ القِيامَةِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: "مَن شَكَّ أنَّ المَحْشَرَ بِالشامِ، فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ، فَهُمُ الحَشْرُ الأوَّلُ، وسائِرُ الناسِ الحَشْرُ الثانِي"، وقالَ لَهم رَسُولُ اللهِ ﷺ لَمّا خَرَجُوا: « "اِمْضُوا، فَإنَّكم أوَّلُ الحَشْرِ، » ونَحْنُ عَلى الأثَرِ"، قَتادَةُ: "إذا كانَ آخِرُ الزَمانِ جاءَتْ نارٌ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ، فَحَشَرَتِ الناسَ إلى أرْضِ الشامِ، وبِها تَقُومُ عَلَيْهِمُ القِيامَةُ"، وقِيلَ: مَعْناهُ: أخْرَجَهم مِن دِيارِهِمْ لِأوَّلِ ما حُشِرَ، لِقِتالِهِمْ، لِأنَّهُ أوَّلُ قِتالٍ قاتَلَهم رَسُولُ اللهِ ﷺ، ﴿ما ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا﴾، لِشِدَّةِ بَأْسِهِمْ، ومَنعَتِهِمْ، ووَثاقَةِ حُصُونِهِمْ، وكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، وعُدَّتِهِمْ، ﴿وَظَنُّوا أنَّهم مانِعَتُهم حُصُونُهم مِنَ اللهِ﴾ أيْ: ظَنُّوا أنَّ حُصُونَهم تَمْنَعُهم مِن بَأْسِ اللهِ، والفَرْقُ بَيْنَ هَذا التَرْكِيبِ، وبَيْنَ النَظْمِ الَّذِي جاءَ عَلَيْهِ، أنَّ في تَقْدِيمِ الخَبَرِ عَلى المُبْتَدَإ دَلِيلًا عَلى فَرْطِ وُثُوقِهِمْ بِحَصانَتِها، ومَنعِها إيّاهُمْ، وفي تَصْيِيرِ ضَمِيرِهِمُ اسْمًا، لِأنَّ في إسْنادِ الجُمْلَةِ إلَيْهِ دَلِيلًا عَلى اعْتِقادِهِمْ في أنْفُسِهِمْ أنَّهم في عِزَّةٍ ومَنعَةٍ، لا يُبالى مَعَها بِأحَدٍ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ، أوْ يَطْمَعُ في مُغازَّتِهِمْ، ولَيْسَ ذَلِكَ في قَوْلِكَ: "وَظَنُّوا أنَّ حُصُونَهم تَمْنَعُهُمْ"، ﴿فَأتاهُمُ اللهُ﴾ أيْ: أمْرُ اللهِ، وعِقابُهُ، وفي الشَواذِّ: "فَآتاهُمُ اللهُ"، أيْ: فَآتاهُمُ الهَلاكَ، ﴿مِن حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾، مِن حَيْثُ لَمْ يَظُنُّوا، ولَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِمْ، وهو قَتْلُ رَئِيسِهِمْ، كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ، غِرَّةً، عَلى يَدِ أخِيهِ رَضاعًا، ﴿وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُعْبَ﴾، اَلْخَوْفَ، ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم بِأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾، "يُخَرِّبُونَ"، " أبُو عَمْرٍو "، و"اَلتَّخْرِيبُ"، و"اَلْإخْرابُ": اَلْإفْسادُ بِالنَقْضِ، والهَدْمِ، و"اَلْخَرْبَةُ": اَلْفَسادُ، كانُوا (p-٤٥٦)يُخْرِبُونَ بَواطِنَها، والمُسْلِمُونَ ظَواهِرَها، لِما أرادَ اللهُ مِنَ اسْتِئْصالِ شَأْنِهِمْ، وأنْ لا تَبْقى لَهم بِالمَدِينَةِ دارٌ، ولا مِنهم دَيّارٌ، والَّذِي دَعاهم إلى التَخْرِيبِ حاجَتُهم إلى الخَشَبِ، والحِجارَةِ، لِيَسُدُّوا بِها أفْواهَ الأزِقَّةِ، وألّا يَتَحَسَّرُوا، بَعْدَ جَلائِهِمْ، عَلى بَقائِها مَساكِنَ لِلْمُسْلِمِينَ، وأنْ يَنْقُلُوا مَعَهم ما كانَ في أبْنِيَتِهِمْ، مِن جَيِّدِ الخَشَبِ، والساجِ، وأمّا المُؤْمِنُونَ فَداعِيهِمْ إلى التَخْرِيبِ إزالَةُ مُتَحَصَّنِهِمْ، وأنْ يَتَّسِعَ لَهم مَجالُ الحَرْبِ، ومَعْنى تَخْرِيبِهِمْ لَها بِأيْدِي المُؤْمِنِينَ أنَّهم لَمّا عَرَّضُوهم بِنَكْثِ العَهْدِ لِذَلِكَ، وكانُوا السَبَبَ فِيهِ، فَكَأنَّهم أمَرُوهم بِهِ، وكَلَّفُوهم إيّاهُ، ﴿فاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأبْصارِ﴾ أيْ: فَتَأمَّلُوا فِيما نَزَلَ بِهَؤُلاءِ، والسَبَبِ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ ذَلِكَ، فاحْذَرُوا أنْ تَفْعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِمْ، فَتُعاقَبُوا بِمِثْلِ عُقُوبَتِهِمْ، وهَذا دَلِيلٌ عَلى جَوازِ القِياسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب