الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الرَسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ أيْ: لا تَهْتَمَّ، ولا تُبالِ بِمُسارَعَةِ المُنافِقِينَ في الكُفْرِ، أيْ: في إظْهارِهِ بِما يَلُوحُ مِنهم مَن آثارِ الكَيْدِ لِلْإسْلامِ، ومِن مُوالاةِ المُشْرِكِينَ، فَإنِّي ناصِرُكَ عَلَيْهِمْ، وكافِيكَ شَرَّهم. يُقالُ: أسْرَعَ فِيهِ الشَيْبُ، أيْ: وقَعَ فِيهِ سَرِيعًا، فَكَذَلِكَ مُسارَعَتُهم في الكُفْرِ وُقُوعُهم فِيهِ أسْرَعَ شَيْءٍ، إذا وجَدُوا فُرْصَةً لَمْ يُخْطِئُوها ﴿مِنَ الَّذِينَ قالُوا﴾ تَبْيِينٌ لِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ ﴿آمَنّا﴾ مَفْعُولُ "قالُوا" ﴿بِأفْواهِهِمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ "قالُوا" أيْ: قالُوا بِأفْواهِهِمْ: آمَنّا. ﴿وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ في مَحَلِّ النَصْبِ عَلى الحالِ ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ﴿مِنَ الَّذِينَ قالُوا﴾ أيْ: مِنَ المُنافِقِينَ واليَهُودِ، ويَرْتَفِعُ ﴿سَمّاعُونَ (p-٤٤٧)لِلْكَذِبِ﴾ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أيْ: هم سَمّاعُونَ، والضَمِيرُ لِلْفَرِيقَيْنِ، أوْ "سَمّاعُونَ" مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ " مِنَ الَّذِينَ هادَوْا ". وعَلى هَذا يُوقَفُ عَلى "قُلُوبِهِمْ" وعَلى الأوَّلِ عَلى "هادُوا"، ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ يَسْمَعُونَ مِنكَ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ بِأنْ يَمْسَخُوا ما سَمِعُوا مِنكَ بِالزِيادَةِ، والنُقْصانِ، والتَبْدِيلِ، والتَغْيِيرِ. ﴿سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ أيْ: سَمّاعُونَ مِنكَ لِأجْلِ قَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ اليَهُودِ وجَّهُوهم عُيُونًا، لِيُبَلِّغُوهم ما سَمِعُوا مِنكَ ﴿يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾ أيْ: يُزِيلُونَهُ، ويُمِيلُونَهُ عَنْ مَواضِعِهِ الَّتِي وضَعَهُ اللهُ فِيها، فَيُهْمِلُونَهُ بِغَيْرِ مَواضِعَ بَعْدَ أنْ كانَ ذا مَوْضِعٍ. ﴿يُحَرِّفُونَ﴾ صِفَةٌ لِقَوْمٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿لَمْ يَأْتُوكَ﴾ أوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هم يُحَرِّفُونَ، والضَمِيرُ مَرْدُودٌ عَلى لَفْظِ الكَلِمِ ﴿يَقُولُونَ إنْ أُوتِيتُمْ هَذا﴾ المُحَرَّفَ المُزالَ عَنْ مَواضِعِهِ، و"يَقُولُونَ" مِثْلُ "يُحَرِّفُونَ". وجازَ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَمِيرِ في "يُحَرِّفُونَ". ﴿فَخُذُوهُ﴾ فاعْلَمُوا أنَّهُ الحَقُّ، واعْمَلُوا بِهِ ﴿وَإنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ﴾ وأفْتاكم مُحَمَّدٌ بِخِلافِهِ ﴿فاحْذَرُوا﴾ فَإيّاكم وإيّاهُ، فَهو الباطِلُ، رُوِيَ: «أنَّ شَرِيفًا زَنى بِشَرِيفَةٍ بِخَيْبَرَ، وهُما مُحْصَنانِ، وحَدُّهُما الرَجْمُ في التَوْراةِ، فَكَرِهُوا رَجْمَهُما لِشَرَفِهِما، فَبَعَثُوا رَهْطًا مِنهم لِيَسْألُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، وقالُوا: إنْ أمَرَكم بِالجَلْدِ والتَحْمِيمِ فاقْبَلُوا، وإنْ أمَرَكم بِالرَجْمِ فَلا تَقْبَلُوا، فَأمَرَهم بِالرَجْمِ، فَأبَوْا أنْ يَأْخُذُوا بِهِ »﴿وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ﴾ ضَلالَهُ. وهو حُجَّةٌ عَلى مَن يَقُولُ: يُرِيدُ اللهُ الإيمانَ، ولا يُرِيدُ الكُفْرَ. ﴿فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا﴾ قَطَعَ رَجاءَ مُحَمَّدٍ ﷺ عَنْ إيمانِ هَؤُلاءِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ عَنِ الكُفْرِ لِعِلْمِهِ مِنهُمُ اخْتِيارَ الكُفْرِ، وهو حُجَّةٌ لَنا عَلَيْهِمْ أيْضًا ﴿لَهم في الدُنْيا (p-٤٤٨)خِزْيٌ﴾ لِلْمُنافِقِينَ فَضِيحَةٌ، ولِلْيَهُودِ خِزْيَةٌ. ﴿وَلَهم في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ أيِ: التَخْلِيدُ في النارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب