الباحث القرآني

وَنَزَلَ نَهْيًا عَنْ تَحْلِيلِ ما حَرَّمَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ﴾ جَمْعُ شَعِيرَةٍ، وهي اسْمُ ما أُشْعِرَ، أيْ: جُعِلَ شِعارًا وعَلَمًا لِلنُّسُكِ بِهِ مِن مَواقِفِ الحَجِّ، ومَرامِي الجِمارِ، والمَطافِ، والمَسْعى، والأفْعالِ الَّتِي هي عَلاماتُ الحاجِّ، يُعْرَفُ بِها مِنَ الإحْرامِ، والطَوافِ، والسَعْيِ، والحَلْقِ، والنَحْرِ. ﴿وَلا الشَهْرَ الحَرامَ﴾ أيْ: أشْهُرَ الحَجِّ ﴿وَلا الهَدْيَ﴾ وهو ما أُهْدِيَ إلى البَيْتِ، وتُقُرِّبَ بِهِ إلى اللهِ تَعالى مِنَ النِسائِكِ، وهو جَمْعُ هَدِيَّةٍ. ﴿وَلا القَلائِدَ﴾ جَمْعُ قِلادَةٍ، وهي ما قُلِّدَ بِهِ الهَدْيُ مِن نَعْلٍ، أوْ عُرْوَةِ مَزادَةٍ، أوْ لِحاءِ الشَجَرِ، أوْ غَيْرِهِ. ﴿وَلا آمِّينَ البَيْتَ الحَرامَ﴾ ولا تُحِلُّوا قَوْمًا قاصِدِينَ المَسْجِدَ الحَرامَ، وهُمُ الحُجّاجُ، والعُمّارُ. وإحْلالُ هَذِهِ الأشْياءِ: أنْ يُتَهاوَنَ بِحُرْمَةِ الشَعائِرِ، وأنْ يُحالَ بَيْنَها وبَيْنَ المُتَنَسِّكِينَ بِها، وأنْ يُحْدِثُوا في أشْهُرِ الحَجِّ ما يَصُدُّونَ بِهِ الناسَ عَنِ الحَجِّ، وأنْ يَتَعَرَّضُوا لِلْهَدْيِ بِالغَصْبِ، أوْ بِالمَنعِ مِن بُلُوغِ مَحَلِّهِ، وأمّا القَلائِدُ فَجازَ أنْ يُرادَ بِها ذَواتُ القَلائِدِ، وهي البُدْنُ، وتُعْطَفُ عَلى الهَدْيِ لِلِاخْتِصاصِ، لِأنَّها أشْرَفُ الهَدْيِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البَقَرَةُ: ٩٨] كَأنَّهُ قِيلَ: والقَلائِدُ مِنها خُصُوصًا، وجازَ أنْ يَنْهى عَنِ التَعَرُّضِ لِقَلائِدِ الهَدْيِ مُبالَغَةً في النَهْيِ عَنِ التَعَرُّضِ لِلْهَدْيِ، أيْ: ولا تُحِلُّوا قَلائِدَها فَضْلًا أنْ تُحِلُّوها، كَما قالَ: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النُورُ: ٣١] فَنَهى عَنْ إبْداءِ الزِينَةِ مُبالَغَةً في النَهْيِ عَنْ إبْداءِ مَواقِعِها ﴿يَبْتَغُونَ﴾ حالٌ مِنَ الضَمِيرِ في "آمِّينَ" ﴿فَضْلا مِن رَبِّهِمْ﴾ أيْ: ثَوابًا ﴿وَرِضْوانًا﴾ وأنْ يَرْضى عَنْهم. لا تَتَعَرَّضُوا لِقَوْمٍ هَذِهِ صِفَتُهم تَعْظِيمًا لَهم ﴿وَإذا حَلَلْتُمْ﴾ خَرَجْتُمْ مِنَ الإحْرامِ ﴿فاصْطادُوا﴾ إباحَةً لِلِاصْطِيادِ بَعْدَ حَظْرِهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَيْدِ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ أنْ تَعْتَدُوا﴾ "جَرَمَ" مِثْلُ "كَسَبَ" في تَعْدِيَتِهِ إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ واثْنَيْنِ، تَقُولُ: جَرَمَ ذَنْبًا، نَحْوُ: (p-٤٢٥)كَسَبَهُ، وجَرَمْتُهُ ذَنْبًا، نَحْوُ: كَسَبْتُهُ إيّاهُ، وأوَّلُ المَفْعُولَيْنِ ضَمِيرُ المُخاطَبِينَ، والثانِي: أنْ تَعْتَدُوا. و﴿أنْ صَدُّوكُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالشَنَآنِ بِمَعْنى العِلَّةِ، وهو شِدَّةُ البُغْضِ. وبِسُكُونِ النُونِ: شامِيٌّ، وأبُو بَكْرٍ. والمَعْنى: ولا يَكْسِبَنَّكم بُغْضُ قَوْمٍ - لِأنْ صَدُّوكُمُ - الِاعْتِداءَ، ولا يَحْمِلَنَّكم عَلَيْهِ. (إنْ صَدُّوكُمْ) عَلى الشَرْطِ: مَكِّيٌّ، وأبُو عَمْرٍو. ومَعْنى صَدِّهِمْ إيّاهم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ مَنعُ أهْلِ مَكَّةَ رَسُولَ اللهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَنِ العُمْرَةِ. ومَعْنى الِاعْتِداءِ: الِانْتِقامُ مِنهم بِإلْحاقِ مَكْرُوهٍ بِهِمْ ﴿وَتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَقْوى﴾ عَلى العَفْوِ والإغْضاءِ ﴿وَلا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ﴾ عَلى الِانْتِقامِ والتَشَفِّي، أوِ البِرُّ: فِعْلُ المَأْمُورِ، والتَقْوى: تَرْكُ المَحْظُورِ، والإثْمُ: تَرْكُ المَأْمُورِ، والعُدْوانُ: فِعْلُ المَحْظُورِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ العُمُومُ لِكُلِّ بِرٍّ وتَقْوى، ولِكُلِّ إثْمٍ وعُدْوانٍ، فَيَتَناوَلُ بِعُمُومِهِ: العَفْوَ، والِانْتِصارَ. ﴿واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ لِمَن عَصاهُ، وما اتَّقاهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب