الباحث القرآني

﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ﴾، "أمْ"، مُنْقَطِعَةٌ، ومَعْنى الهَمْزَةِ فِيها إنْكارُ الحُسْبانِ، ﴿اجْتَرَحُوا السَيِّئاتِ﴾، اِكْتَسَبُوا المَعاصِيَ، والكُفْرَ، ومِنهُ "اَلْجَوارِحُ"، و"فُلانٌ جارِحَةُ أهْلِهِ"، أيْ: كاسِبُهُمْ، ﴿أنْ نَجْعَلَهُمْ﴾، أنْ نُصَيِّرَهُمْ، وهو مِن "جَعَلَ"، اَلْمُتَعَدِّي إلى مَفْعُولَيْنِ، فَأوَّلُهُما الضَمِيرُ، والثانِي الكافُ في ﴿كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ﴾، والجُمْلَةُ الَّتِي هي "سَواءٌ مَّحْياهم ومَماتُهُمْ"، بَدَلٌ مِنَ الكافِ، لِأنَّ الجُمْلَةَ تَقَعُ مَفْعُولًا ثانِيًا، فَكانَتْ في حُكْمِ المُفْرَدِ، "سَواءً"، "عَلِيٌّ وحَمْزَةُ وحَفْصٌ"، بِالنَصْبِ، عَلى الحالِ مِنَ الضَمِيرِ في "نَجْعَلُهُمْ"، ويَرْتَفِعُ "مَحْياهم ومَماتُهُمْ"، بِـ "سَواءً"، وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَمَماتَهُمْ"، بِالنَصْبِ، جَعَلَ "مَحْياهم ومَماتَهُمْ"، ظَرْفَيْنِ، كَـ "مَقْدِمَ الحاجِّ"، أيْ: "سَواءً في مَحْياهم وفي مَماتِهِمْ"، والمَعْنى إنْكارُ أنْ يَسْتَوِيَ المُسِيئُونَ، والمُحْسِنُونَ، مَحْيًا، وأنْ يَسْتَوُوا مَماتًا، لِافْتِراقِ أحْوالِهِمْ أحْياءً، حَيْثُ عاشَ هَؤُلاءِ عَلى القِيامِ بِالطاعاتِ، وأُولَئِكَ عَلى اقْتِرافِ السَيِّئاتِ، ومَماتًا حَيْثُ ماتَ هَؤُلاءِ عَلى البُشْرى بِالرَحْمَةِ والكَرامَةِ، وأُولَئِكَ عَلى اليَأْسِ مِنَ الرَحْمَةِ، والنَدامَةِ، وقِيلَ: مَعْناهُ إنْكارُ أنْ يَسْتَوُوا في المَماتِ، كَما اسْتَوَوْا في الحَياةِ في الرِزْقِ، والصِحَّةِ، وعَنْ تَمِيمٍ الدارِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنَّهُ كانَ يُصَلِّي ذاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ المَقامِ، فَبَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ فَجَعَلَ يَبْكِي، ويُرَدِّدُها إلى الصَباحِ، وعَنِ الفُضَيْلِ أنَّهُ بَلَغَها (p-٣٠٣)فَجَعَلَ يُرَدِّدُها ويَبْكِي، ويَقُولُ: "يا فُضَيْلُ، لَيْتَ شِعْرِي، مِن أيِّ الفَرِيقَيْنِ أنْتَ؟!"، ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾، بِئْسَ ما يَقْضُونَ إذا حَسِبُوا أنَّهم كالمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مَن أُقْعِدَ عَلى بِساطِ المُوافَقَةِ كَمَن أُقْعِدَ عَلى مَقامِ المُخالَفَةِ، بَلْ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ، فَنُعْلِي المُؤْمِنِينَ، ونُخْزِي الكافِرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب