الباحث القرآني

﴿غافِرِ الذَنْبِ﴾، ساتِرِ ذَنْبِ المُؤْمِنِينَ، ﴿وَقابِلِ التَوْبِ﴾، قابِلِ تَوْبَةِ الراجِعِينَ، ﴿شَدِيدِ العِقابِ﴾، عَلى المُخالِفِينَ، ﴿ذِي الطَوْلِ﴾، ذِي الفَضْلِ عَلى العارِفِينَ، أوْ ذِي الغِنى عَنِ الكُلِّ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: ﴿غافِرِ الذَنْبِ وقابِلِ التَوْبِ﴾ لِمَن قالَ: لا إلَهَ إلّا اللهُ، شَدِيدِ العِقابِ لِمَن لا يَقُولُ: لا إلَهَ إلّا اللهُ"، و"اَلتَّوْبُ"، و"اَلثَّوْبُ"، و"اَلْأوْبُ"، أخَواتٌ في مَعْنى الرُجُوعِ، و"اَلطَّوْلُ": اَلْغِنى، (p-١٩٨)والفَضْلُ، فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الصِفاتُ تَعْرِيفًا وتَنْكِيرًا، والمَوْصُوفُ مَعْرِفَةٌ؟! قُلْتُ أمّا "غافِرِ الذَنْبِ"، و"قابِلِ التَوْبِ"، فَمَعْرِفَتانِ، لِأنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِما حُدُوثَ الفِعْلَيْنِ حَتّى يَكُونا في تَقْدِيرِ الِانْفِصالِ، فَتَكُونَ إضافَتُهُما غَيْرَ حَقِيقِيَّةٍ، وإنَّما أُرِيدَ ثُبُوتُ ذَلِكَ ودَوامُهُ، وأمّا "شَدِيدُ العِقابِ"، فَهو في تَقْدِيرِ: "شَدِيدٌ عِقابُهُ"، فَتَكُونُ نَكِرَةً، فَقِيلَ: هو بَدَلٌ، وقِيلَ: لَمّا وُجِدَتْ هَذِهِ النَكِرَةُ بَيْنَ هَذِهِ المَعارِفِ آذَنَتْ بِأنَّ كُلَّها أبْدالٌ، غَيْرُ أوْصافٍ، وإدْخالُ الواوِ في "وَقابِلِ التَوْبِ"، لِنُكْتَةٍ، وهي إفادَةُ الجَمْعِ لِلْمُذْنِبِ التائِبِ بَيْنَ رَحْمَتَيْنِ، بَيْنَ أنْ يَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، فَيَكْتُبَها لَهُ طاعَةً مِنَ الطاعاتِ، وأنْ يَجْعَلَها مَحّاءَةً لِلذُّنُوبِ، كَأنْ لَمْ يُذْنِبْ، كَأنَّهُ قالَ: "جامِعُ المَغْفِرَةِ والقَبُولِ"، ورُوِيَ أنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - افْتَقَدَ رَجُلًا ذا بَأْسٍ شَدِيدٍ مِن أهْلِ الشامِ، فَقِيلَ لَهُ: تَتابَعَ في هَذا الشَرابِ، فَقالَ عُمَرُ لِكاتِبِهِ: "اُكْتُبْ: مِن عُمَرَ، إلى فُلانٍ، سَلامٌ عَلَيْكَ، وأنا أحْمَدُ إلَيْكَ اللهَ الَّذِي لا إلَهَ إلّا هُوَ، بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ (حـم)، إلى قَوْلِهِ: (إلَيْهِ المَصِيرُ)"، وخَتَمَ الكِتابَ، وقالَ لِرَسُولِهِ: "لا تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتّى تَجِدَهُ صاحِيًا"، ثُمَّ أمَرَ مَن عِنْدَهُ بِالدُعاءِ لَهُ بِالتَوْبَةِ، فَلَمّا أتَتْهُ الصَحِيفَةُ جَعَلَ يَقْرَؤُها ويَقُولُ: "قَدْ وعَدَنِي اللهُ أنْ يَغْفِرَ لِي، وحَذَّرَنِي عِقابَهُ"، فَلَمْ يَبْرَحْ يُرَدِّدُها حَتّى بَكى، ثُمَّ نَزَعَ، فَأحْسَنَ النُزُوعَ، وحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، فَلَمّا بَلَغَ عُمَرَ أمْرُهُ قالَ: "هَكَذا فاصْنَعُوا إذا رَأيْتُمْ أخاكم قَدْ زَلَّ زَلَّةً، فَسَدِّدُوهُ، ووَقِّفُوهُ، وادْعُوا لَهُ اللهَ أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، ولا تَكُونُوا أعْوانًا لِلشَّياطِينِ عَلَيْهِ، ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾، صِفَةٌ أيْضًا لِـ ﴿ذِي الطَوْلِ﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، ﴿إلَيْهِ المَصِيرُ﴾، اَلْمَرْجِعُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب