الباحث القرآني

﴿وَمِنَ الناسِ والدَوابِّ والأنْعامِ مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ﴾، يَعْنِي: ومِنهم بَعْضٌ مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ، ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: كاخْتِلافِ الثَمَراتِ، والجِبالِ، ولَمّا قالَ: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أنْـزَلَ مِنَ السَماءِ ماءً﴾ [فاطر: ٢٧] وعَدَّدَ آياتِ اللهِ، وأعْلامِ قُدْرَتِهِ، وآثارِ صَنْعَتِهِ، وما خَلَقَ مِنَ الفِطَرِ المُخْتَلِفَةِ الأجْناسِ، وما يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ، وعَلى صِفاتِهِ، أتْبَعَ ذَلِكَ: ﴿إنَّما يَخْشى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ﴾ أيْ: اَلْعُلَماءُ بِهِ الَّذِينَ عَلِمُوهُ بِصِفاتِهِ، فَعَظَّمُوهُ، ومَنِ ازْدادَ عِلْمًا بِهِ ازْدادَ مِنهُ خَوْفًا، ومَن كانَ عِلْمُهُ بِهِ أقَلَّ، كانَ آمَنَ، وفي الحَدِيثِ: « "أعْلَمُكم بِاللهِ أشَدُّكم لَهُ خَشْيَةً"، » وتَقْدِيمُ اسْمِ اللهِ (تَعالى)، وتَأْخِيرُ العُلَماءِ، يُؤْذِنُ أنَّ مَعْناهُ أنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ، دُونَ غَيْرِهِمْ، ولَوْ عَكَسَ لَكانَ المَعْنى أنَّهم لا يَخْشَوْنَ إلّا اللهَ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلا يَخْشَوْنَ أحَدًا إلا (p-٨٧)اللهَ﴾ [الأحزاب: ٣٩]، وبَيْنَهُما تَغايُرٌ، فَفي الأوَّلِ بَيانُ أنَّ الخاشِينَ هُمُ العُلَماءُ، وفي الثانِي بَيانُ أنَّ المَخْشِيَّ مِنهُ هو اللهُ (تَعالى)، وقَرَأ أبُو حَنِيفَةَ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وابْنُ سِيرِينَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهم -: "إنَّما يَخْشى اللهُ مِن عِبادِهِ العُلَماءَ"، والخَشْيَةُ في هَذِهِ القِراءَةِ اسْتِعارَةٌ، والمَعْنى: إنَّما يُعَظِّمُ اللهُ مِن عِبادِهِ العُلَماءَ، ﴿إنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾، تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الخَشْيَةِ، لِدَلالَتِهِ عَلى عُقُوبَةِ العُصاةِ، وقَهْرِهِمْ، وإثابَةِ أهْلِ الطاعَةِ، والعَفْوِ عَنْهُمْ، والمُعاقِبُ المُثِيبُ حَقُّهُ أنْ يُخْشى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب