الباحث القرآني
﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ عَلاماتٌ واضِحاتٌ، لا تَلْتَبِسُ عَلى أحَدٍ ﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾ عَطْفُ بَيانٍ لِقَوْلِهِ: ﴿آياتٌ بَيِّناتٌ﴾ وصَحَّ بَيانُ الجَماعَةِ بِالواحِدِ، لِأنَّهُ وحْدَهُ بِمَنزِلَةِ آياتٍ كَثِيرَةٍ لِظُهُورِ شَأْنِهِ، وقُوَّةِ دَلالَتِهِ عَلى قُدْرَةِ اللهِ تَعالى، ونُبُوَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ مِن تَأْثِيرِ قَدَمِهِ في حَجَرٍ صَلْدٍ، أوْ لِاشْتِمالِهِ عَلى آياتٍ، لِأنَّ (p-٢٧٦)أثَرَ القَدَمِ في الصَخْرَةِ الصَمّاءِ آيَةٌ، وغَوْصَهُ فِيها إلى الكَعْبَيْنِ آيَةٌ، وإلانَةَ بَعْضِ الصَخْرَةِ دُونَ بَعْضٍ آيَةٌ، وإبْقاءَهُ دُونَ سائِرِ آياتِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَلامُ آيَةٌ لِإبْراهِيمَ خاصَّةً، عَلى أنَّ ﴿وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ عَطْفُ بَيانٍ لِآياتٍ -وَإنْ كانَ جُمْلَةً ابْتِدائِيَّةً، أوْ شَرْطِيَّةً- مِن حَيْثُ المَعْنى، لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى أمْنِ داخِلِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ: مَقامٌ لِإبْراهِيمَ، وأمْنُ داخِلِهِ، والِاثْنانِ في مَعْنى الجَمْعِ، ويَجُوزُ أنْ تُذْكَرَ هاتانِ الآيَتانِ ويُطْوى ذِكْرُ غَيْرِهِما دَلالَةً عَلى تَكاثُرِ الآياتِ، وكَثِيرٍ سِواهُما، نَحْوُ: انْمِحاقِ الأحْجارِ مَعَ كَثْرَةِ الرُماةِ، وامْتِناعِ الطَيْرِ مِنَ العُلُوِّ عَلَيْهِ، وغَيْرِ ذَلِكَ. ونَحْوُهُ في طَيِّ الذِكْرِ قَوْلُهُ ﷺ: « "حُبِّبَ إلَيَّ مِن دُنْياكم ثَلاثٌ: الطِيبُ، والنِساءُ، وقُرَّةُ عَيْنِي في الصَلاةِ". » فَقُرَّةُ عَيْنِي لَيْسَ مِنَ الثَلاثِ، بَلْ هو ابْتِداءُ كَلامٍ، لِأنَّها لَيْسَتْ مِنَ الدُنْيا، والثالِثُ مُطْوًى، وكَأنَّهُ ﷺ تَرْكُ ذِكْرِ الثالِثِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِن شَأْنِهِ أنْ يَذْكُرَ شَيْئًا مِنَ الدُنْيا، فَذَكَرَ شَيْئًا هو مِنَ الدِينِ، وقِيلَ: في سَبَبِ هَذا الأثَرِ أنَّهُ لَمّا ارْتَفَعَ بُنْيانُ الكَعْبَةِ، وضَعُفَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَلامُ عَنْ رَفْعِ الحِجارَةِ قامَ عَلى هَذا الحَجَرِ، فَغاصَتْ فِيهِ قَدَماهُ. وقِيلَ: إنَّهُ جاءَ زائِرًا مِنَ الشامِ إلى مَكَّةَ، فَقالَتْ لَهُ امْرَأةُ إسْماعِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ: انْزِلْ حَتّى تَغْسِلَ رَأْسَكَ، فَلَمْ يَنْزِلْ، فَجاءَتْهُ بِهَذا الحَجَرِ، فَوَضَعَتْهُ عَلى شِقِّهِ الأيْمَنِ، فَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ حَتّى غَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ، ثُمَّ حَوَّلَتْهُ إلى شِقِّهِ الأيْسَرِ حَتّى غَسَلَتِ الشِقَّ الآخَرَ، فَبَقِيَ أثَرُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهِ ﴿وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ وأمانُ مَن دَخَلَهُ بِدَعْوَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا﴾ [إبْراهِيمُ: ٣٥] وكانَ الرَجُلُ لَوْ جَنى كُلَّ جِنايَةٍ، ثُمَّ التَجَأ إلى الحَرَمِ لَمْ يُطْلَبْ. وعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْ ظَفِرْتُ فِيهِ بِقاتِلِ الخَطّابِ ما مَسَسْتُهُ حَتّى يَخْرُجَ مِنهُ، ومَن لَزِمَهُ القَتْلُ في الحِلِّ بِقَوَدٍ، أوْ رِدَّةٍ، أوْ زِنًا، فالتَجَأ إلى الحَرَمِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ، إلّا أنَّهُ لا يُؤْوى، ولا يُطْعَمُ، ولا يُسْقى، ولا يُبايَعُ حَتّى يُضْطَرَّ إلى الخُرُوجِ. وقِيلَ: آمِنًا مِنَ النارِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: « "مَن ماتَ في أحَدِ الحَرَمَيْنِ بُعِثَ يَوْمَ (p-٢٧٧)القِيامَةِ آمِنًا مِنَ النارِ". » وعَنْهُ ﷺ: « "الحَجُونُ والبَقِيعُ يُؤْخَذُ بِأطْرافِهِما ويُنْثَرانِ في الجَنَّةِ، وهُما مَقْبَرَتا مَكَّةَ والمَدِينَةِ". » وعَنْهُ ﷺ: « "مَن صَبَرَ عَلى حَرِّ مَكَّةَ ساعَةً مِن نَهارٍ تَباعَدَتْ مِنهُ جَهَنَّمُ مَسِيرَةَ مِائَتَيْ عامٍ". »﴿وَلِلَّهِ عَلى الناسِ حِجُّ البَيْتِ﴾ أيِ: اسْتَقَرَّ لَهُ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الحَجِّ. (حَجُّ البَيْتِ): كُوفِيٌّ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ، وهو اسْمٌ، وبِالفَتْحِ مَصْدَرٌ، وقِيلَ: هُما لُغَتانِ في مَصْدَرِ حَجَّ " مِن " في مَوْضِعِ جَرٍّ، عَلى أنَّهُ بَدَلُ البَعْضِ مِنَ الكُلِّ ﴿اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلا﴾ فَسَّرَها النَبِيُّ ﷺ بِالزادِ والراحِلَةِ، والضَمِيرُ في "إلَيْهِ" لِلْبَيْتِ، أوْ لِلْحَجِّ، وكُلُّ مَأْتًى إلى الشَيْءِ فَهو سَبِيلٌ إلَيْهِ، ولَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلى الناسِ حِجُّ البَيْتِ﴾ «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أهْلَ الأدْيانِ كُلَّهم فَخَطَبَهُمْ، فَقالَ: "إنَّ اللهَ تَعالى كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا" فَآمَنَتْ بِهِ مِلَّةٌ واحِدَةٌ وهُمُ المُسْلِمُونَ، وكَفَرَتْ بِهِ خَمْسُ مِلَلٍ، قالُوا: لا نُؤْمِنُ بِهِ، ولا نُصَلِّي إلَيْهِ، ولا نَحُجُّهُ، فَنَزَلَ ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ » أيْ: جَحَدَ فَرْضِيَّةَ الحَجِّ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، والحَسْنِ، وعَطاءٍ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ الكُفْرانِ، أيْ: ومَن لَمْ يَشْكُرْ ما أنْعَمْتُ عَلَيْهِ مِن صِحَّةِ الجِسْمِ، وسَعَةِ الرِزْقِ، ولَمْ يَحُجَّ ﴿فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ مُسْتَغْنٍ عَنْهُمْ، وعَنْ طاعَتِهِمْ، وفي هَذِهِ الآيَةِ أنْواعٌ مِنَ التَأْكِيدِ، والتَشْدِيدِ مِنها: اللامُ، وعَلى، أيْ: أنَّهُ حَقٌّ واجِبٌ لِلَّهِ في رِقابِ الناسِ، ومِنها: الإبْدالُ، فَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِلْمُرادِ، وتَكْرِيرٌ لَهُ، ولِأنَّ الإيضاحَ بَعْدَ الإبْهامِ، والتَفْصِيلَ بَعْدَ الإجْمالِ إيرادٌ لَهُ في صُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، ومِنها: قَوْلُهُ: ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ مَكانَ "وَمَن لَمْ يَحُجَّ" تَغْلِيظًا عَلى تارِكِي الحَجِّ. ومِنها ذِكْرُ (p-٢٧٨)الِاسْتِغْناءِ، وذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى المَقْتِ، والسُخْطِ، ومِنها: قَوْلُهُ: ﴿عَنِ العالَمِينَ﴾ وإنْ لَمْ يَقُلْ: "عَنْهُ" وما فِيهِ مِنَ الدَلالَةِ عَلى الِاسْتِغْناءِ عَنْهُ بِبُرْهانٍ، لِأنَّهُ إذا اسْتَغْنى عَنِ العالَمِينَ تَناوَلَهُ الِاسْتِغْناءُ لا مَحالَةَ، ولِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى الِاسْتِغْناءِ الكامِلِ، فَكانَ أدَلَّ عَلى عِظَمِ السُخْطِ الَّذِي وقَعَ عِبارَةً عَنْهُ.
{"ayah":"فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق