الباحث القرآني

﴿فَقُلْنا﴾ والضَمِيرُ في ﴿اضْرِبُوهُ﴾ يَرْجِعُ إلى النَفْسِ، والتَذْكِيرُ بِتَأْوِيلِ الشَخْصِ والإنْسانِ، أوْ إلى القَتِيلِ لِما دَلَّ عَلَيْهِ، ﴿ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ ﴿بِبَعْضِها﴾ بِبَعْضِ البَقَرَةِ، وهو لِسانُها، أوْ فَخِذُها اليُمْنى، أوْ عَجَبُها. والمَعْنى: فَضَرَبُوهُ فَحَيِيَ، فَحُذِفَ ذَلِكَ لِدَلالَةِ: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتى﴾ عَلَيْهِ. رُوِيَ أنَّهم لَمّا ضَرَبُوهُ قامَ بِإذْنِ اللهِ تَعالى، وقالَ: قَتَلَنِي فُلانٌ وفُلانٌ، لِابْنَيْ عَمِّهِ، ثُمَّ سَقَطَ مَيِّتًا، فَأُخِذا، وقُتِلا، ولَمْ يُوَرَّثْ قاتِلٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتى﴾ إمّا أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلْمُنْكِرِينَ في زَمَنِ النَبِيِّ ﷺ، وإمّا أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلَّذِينِ حَضَرُوا حَياةَ القَتِيلِ بِمَعْنى: وقُلْنا لَهُمْ: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتى﴾ يَوْمَ القِيامَةِ ﴿وَيُرِيكم آياتِهِ﴾ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ قادِرٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ فَتَعْمَلُونَ عَلى قَضِيَّةِ عُقُولِكُمْ، وهي أنْ مَن قَدَرَ عَلى إحْياءِ نَفْسٍ واحِدَةٍ، قَدَرَ عَلى إحْياءِ جَمِيعِها، لِعَدَمِ الِاخْتِصاصِ. والحِكْمَةُ في ذَبْحِ البَقَرَةِ وضَرْبِهِ بِبَعْضِها -وَإنْ قَدَرَ عَلى إحْيائِهِ بِلا واسِطَةِ (p-١٠١)التَقَرُّبِ بِهِ-: الإشْعارُ بِحُسْنِ تَقْدِيمِ القُرْبَةِ عَلى الطَلَبِ، والتَعْلِيمُ لِعِبادِهِ تَرْكَ التَشْدِيدِ في الأُمُورِ، والمُسارَعَةَ إلى امْتِثالِ أوامِرِ اللهِ مِن غَيْرِ تَفْتِيشٍ، وتَكْثِيرِ سُؤالٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ. وقِيلَ: إنَّما أُمِرُوا بِذَبْحِ البَقَرَةِ دُونَ غَيْرِها مِنَ البَهائِمِ، لِأنَّها أفْضَلُ قَرابِينِهِمْ، ولِعِبادَتِهِمُ العِجْلَ، فَأرادَ اللهُ تَعالى أنْ يُهَوِّنَ مَعْبُودَهم عِنْدَهُمْ، وكانَ يَنْبَغِي أنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ القَتِيلِ والضَرْبِ بِبَعْضِ البَقَرَةِ عَلى الأمْرِ بِذَبْحِها، وأنْ يُقالَ: ﴿وَإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فادّارَأْتُمْ فِيها﴾ فَقُلْنا: اذْبَحُوا بَقَرَةً واضْرِبُوهُ بِبَعْضِها، ولَكِنَّهُ تَعالى إنَّما قَصَّ قَصَصَ بَنِي إسْرائِيلَ تَعْدِيدًا لِما وُجِدَ مِنهم مَنِ الجِناياتِ، وتَقْرِيعًا لَهم عَلَيْها، وهاتانِ القِصَّتانِ -وَإنْ كانَتا مُتَّصِلَتَيْنِ- فَتَسْتَقِلُّ كُلُّ واحِدَةٍ مِنهُما بِنَوْعٍ مِنَ التَقْرِيعِ، فالأُولى: لِتَقْرِيعِهِمْ عَلى الِاسْتِهْزاءِ، وتَرْكِ المُسارَعَةِ إلى الِامْتِثالِ، وما يَتْبَعُ ذَلِكَ. والثانِيَةُ: لِلتَّقْرِيعِ عَلى قَتْلِ النَفْسِ المُحَرَّمَةِ، وما تَبِعَهُ مِنَ الآيَةِ العَظِيمَةِ، وإنَّما قُدِّمَتْ قِصَّةُ الأمْرِ بِذَبْحِ البَقَرَةِ عَلى ذِكْرِ القَتِيلِ، لِأنَّهُ لَوْ عَمِلَ عَلى عَكْسِهِ لَكانَتْ قِصَّةً واحِدَةً، ولَذَهَبَ المُرادُ في تَثْنِيَةِ التَقْرِيعِ، ولَقَدْ رُوعِيَتْ نُكْتَةٌ بَعْدَ ما اسْتُؤْنِفَتِ الثانِيَةُ اسْتِئْنافُ قِصَّةٍ بِرَأْسِها، إنْ وُصِلَتْ بِالأوْلى بِضَمِيرِ البَقَرَةِ لا بِاسْمِها الصَرِيحِ في قَوْلِهِ: ﴿اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها﴾ لِيُعْلَمَ أنَّهُما قِصَّتانِ فِيما يَرْجِعُ إلى التَقْرِيعِ، وقِصَّةٌ واحِدَةٌ بِالضَمِيرِ الراجِعِ إلى البَقَرَةِ، وقِيلَ: هَذِهِ القِصَّةُ تُشِيرُ إلى أنَّ مَن أرادَ إحْياءَ قَلْبِهِ بِالمُشاهَداتِ فَلْيُمِتْ نَفْسَهُ بِأنْواعِ المُجاهَداتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب