الباحث القرآني

﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِبا﴾ هو فَضْلُ مالٍ خالٍ عَنِ العِوَضِ في مُعاوَضَةِ مالٍ بِمالٍ. وكُتِبَ "الرِبَوْا" بِالواوِ عَلى لُغَةِ مَن يُفَخِّمُ، كَما كُتِبَتْ: "الصَلْوَةُ" و"الزَكْوَةُ". وزِيدَتِ الألِفُ بَعْدَها تَشْبِيهًا بِواوِ الجَمْعِ ﴿لا يَقُومُونَ﴾ إذا بُعِثُوا مِن قُبُورِهِمْ ﴿إلا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَيْطانُ﴾ أيِ:المَصْرُوعُ، لِأنَّهُ تَخَبَّطَ فى المُعامَلَةِ، فَجُوزِيَ عَلى المُقابَلَةِ. والخَبْطُ: الضَرْبُ عَلى غَيْرِ اسْتِواءٍ كَخَبْطِ العَشْواءِ. ﴿مِنَ المَسِّ﴾ مِنَ الجُنُونِ وهو يَتَعَلَّقُ بِـ ﴿لا يَقُومُونَ﴾ أيْ: لا يَقُومُونَ مِنَ المَسِّ الَّذِي بِهِمْ إلّا كَما يَقُومُ المَصْرُوعُ. أوْ بِـ ﴿يَقُومُ﴾ أيْ: كَما يَقُومُ المَصْرُوعُ مِن جُنُونِهِ، والمَعْنى: أنَّهم يَقُومُونَ يَوْمَ القِيامَةِ مُخَبَّلِينَ كالمَصْرُوعِينَ، تِلْكَ سِيماهم يُعْرَفُونَ بِها عِنْدَ أهْلِ المَوْقِفِ، وقِيلَ: الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ يُوفِضُونَ إلّا أكَلَةَ الرِبا، فَإنَّهم يَنْهَضُونَ ويَسْقُطُونَ كالمَصْرُوعِينَ، لِأنَّهم أكَلُوا الرِبا، فَأرْباهُ اللهُ في بُطُونِهِمْ حَتّى أثْقَلَهُمْ، فَلا يَقْدِرُونَ عَلى الإيفاضِ. ﴿ذَلِكَ﴾ العِقابُ ﴿بِأنَّهُمْ﴾ بِسَبَبِ أنَّهم ﴿قالُوا إنَّما البَيْعُ مِثْلُ الرِبا﴾ ولَمْ يَقُلْ إنَّما الرِبا مِثْلُ البَيْعِ، مَعَ أنَّ الكَلامَ في الرِبا لا في البَيْعِ، لِأنَّهُ جِيءَ بِهِ عَلى طَرِيقَةِ المُبالَغَةِ، وهو أنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنِ اعْتِقادِهِمْ في حِلِّ الرِبا أنَّهم جَعَلُوهُ أصْلًا وقانُونًا في الحِلِّ، حَتّى شَبَّهُوا بِهِ البَيْعَ. ﴿وَأحَلَّ اللهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِبا﴾ إنْكارٌ لِتَسْوِيَتِهِمْ بَيْنَهُما، إذِ الحِلُّ مَعَ الحُرْمَةِ ضِدّانِ، فَأنّى يَتَماثَلانِ؟! ودَلالَةٌ عَلى أنَّ القِياسَ يَهْدِمُهُ النَصُّ، لِأنَّهُ جَعَلَ الدَلِيلَ عَلى بُطْلانِ قِياسِهِمْ إحْلالَ اللهِ وتَحْرِيمَهُ. ﴿فَمَن جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ فَمَن بَلَغَهُ وعْظٌ مِنَ اللهِ وزَجْرٌ بِالنَهْيِ عَنِ الرِبا. ﴿فانْتَهى﴾ فَتَبِعَ (p-٢٢٥)النَهْيَ، وامْتَنَعَ ﴿فَلَهُ ما سَلَفَ﴾ فَلا يُؤاخِذُ بِما مَضى مِنهُ، لِأنَّهُ أخَذَ قَبْلَ نُزُولِ التَحْرِيمِ. ﴿وَأمْرُهُ إلى اللهِ﴾ يَحْكُمُ في شَأْنِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، ولَيْسَ مِن أمْرِهِ إلَيْكم شَيْءٌ، فَلا تُطالِبُوهُ بِهِ. ﴿وَمَن عادَ﴾ إلى اسْتِحْلالِ الرِبا، عَنِ الزَجّاجِ. أوْ إلى الرِبا مُسْتَحِلًّا. ﴿فَأُولَئِكَ أصْحابُ النارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ لِأنَّهم بِالِاسْتِحْلالِ صارُوا كافِرِينَ، لِأنَّ مَن أحَلَّ ما حَرَّمَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- فَهو كافِرٌ، فَلِذا اسْتَحَقَّ الخُلُودَ، وبِهَذا تَبَيَّنَ أنَّهُ لا تَعَلُّقَ لِلْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ في تَخْلِيدِ الفُسّاقِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب