الباحث القرآني

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ﴾ أيْ: صَيَّرَ. ومَحِلُّ الَّذِي نَصْبَ عَلى المَدْحِ، أوْ رَفْعٌ بِإضْمارِ هو ﴿فِراشًا﴾ بِساطًا تَقْعُدُونَ عَلَيْها، وتَنامُونَ، وتَتَقَلَّبُونَ، وهو مَفْعُولٌ ثانٍ لِجَعَلَ، ولَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الأرْضَ مُسَطَّحَةٌ أوْ كُرِّيَّةٌ إذِ الِافْتِراشُ مُمْكِنٌ عَلى التَقْدِيرَيْنِ ﴿والسَماءَ بِناءً﴾ سَقْفًا، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا (p-٦٣)السَماءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنْبِياءُ: ٣٢] وهو مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ المَبْنِيُّ ﴿وَأنْـزَلَ مِنَ السَماءِ ماءً﴾ مَطَرًا ﴿فَأخْرَجَ بِهِ﴾ بِالماءِ. نَعَمْ خُرُوجُ الثَمَراتِ بِقُدْرَتِهِ ومَشِيئَتِهِ وإيجادِهِ، ولَكِنَّ جَعْلَ الماءِ سَبَبًا في خُرُوجِها، كَماءِ الفَحْلِ في خَلْقِ الوَلَدِ، وهو قادِرٌ عَلى إنْشاءِ الكُلِّ بِلا سَبَبٍ، كَما أنْشَأ نُفُوسَ الأسْبابِ والمَوادِّ، ولَكِنَّ لَهُ في إنْشاءِ الأشْياءِ مَدْرَجًا لَها مِن حالٍ إلى حالٍ، وناقِلًا مِن مَرْتَبَةٍ إلى مَرْتَبَةٍ، حِكَمًا وعِبَرًا لِلنُّظّارِ بِعُيُونِ الِاسْتِبْصارِ. و"مِن" في ﴿مِنَ الثَمَراتِ﴾ لِلتَّبْعِيضِ، أوْ لِلْبَيانِ ﴿رِزْقًا﴾ مَفْعُولٌ لَهُ إنْ كانَتْ "مِن" لِلتَّبْعِيضِ، ومَفْعُولٌ بِهِ لِأخْرَجَ إنْ كانَتْ لِلْبَيانِ. وإنَّما قِيلَ: الثَمَراتُ دُونَ الثَمَرِ والثِمارِ -وَإنْ كانَ الثَمَرُ المُخْرَجُ بِماءِ السَماءِ كَثِيرًا-، لِأنَّ المُرادَ جَماعَةُ الثَمَرَةِ، ولِأنَّ الجُمُوعَ يَتَعاوَرُ بَعْضُها مَوْقِعَ بَعْضٍ، لِالتِقائِها في الجَمْعِيَّةِ ﴿لَكُمُ﴾ صِفَةٌ جارِيَةٌ عَلى الرِزْقِ إنْ أُرِيدَ بِهِ العَيْنُ، وإنْ جُعِلَ اسْمًا لِلْمَعْنى فَهو مَفْعُولٌ بِهِ، كَأنَّهُ قِيلَ: رِزْقًا إيّاكم ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا﴾ هو مُتَعَلِّقٌ بِالأمْرِ، أيِ: اعْبُدُوا رَبَّكم فَلا تَجْعَلُوا لَهُ أنْدادًا، لِأنَّ أصْلَ العِبادَةِ وأساسَها التَوْحِيدُ، وأنْ لا يُجْعَلَ لَهُ نِدٌّ ولا شَرِيكٌ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الَّذِي رَفْعًا عَلى الِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ ﴿فَلا تَجْعَلُوا﴾ ودُخُولُ الفاءِ، لِأنَّ الكَلامَ يَتَضَمَّنُ الجَزاءَ، أيِ: الَّذِي حَفَّكم بِهَذِهِ الآياتِ العَظِيمَةِ، والدَلائِلِ النَيِّرَةِ الشاهِدَةِ بِالوَحْدانِيَّةِ، فَلا تَتَّخِذُوا لَهُ شُرَكاءَ. والنِدُّ: المَثَلُ، ولا يُقالُ إلّا لِلْمَثَلِ المُخالِفِ والمُنافِي. ومَعْنى قَوْلِهِمْ: لَيْسَ لِلَّهِ نِدٌّ ولا ضِدٌّ: نَفْيُ ما يَسُدُّ مَسَدَّهُ، ونَفْيُ ما يُنافِيهِ ﴿وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنَّها لا تَخْلُقُ شَيْئًا، ولا تَرْزُقُ، واللهُ الخالِقُ الرازِقُ، أوْ مَفْعُولُ تَعْلَمُونَ مَتْرُوكٌ، أيْ: وأنْتُمْ مِن أهْلِ العِلْمِ، وجَعْلُ الأصْنامِ لِلَّهِ أنْدادًا غايَةُ الجَهْلِ، والجُمْلَةُ حالٌ مِنَ الضَمِيرِ في ﴿فَلا تَجْعَلُوا﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب