الباحث القرآني
رُوِيَ «أنَّهُ كانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِن أحْياءِ العَرَبِ دِماءٌ في الجاهِلِيَّةِ، وكانَ لِأحَدِهِما طَوْلٌ عَلى الآخَرِ، فَأقْسَمُوا لَنَقْتُلَنَّ الحُرَّ مِنكم بِالعَبْدِ، والذَكَرَ بِالأُنْثى، والِاثْنَيْنِ بِالواحِدِ، فَتَحاكَمُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ جاءَ اللهُ بِالإسْلامِ، فَنَزَلَ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ﴾ » أيْ: فُرِضَ،
﴿عَلَيْكُمُ القِصاصُ﴾ وهو عِبارَةٌ عَنِ المُساواةِ، وأصْلُهُ: مِن قَصَّ أثَرَهُ، واقْتَصَّهُ: إذا اتَّبَعَهُ، ومِنهُ القاصُّ، لِأنَّهُ يَتْبَعُ (p-١٥٥)الآثارَ والأخْبارَ ﴿فِي القَتْلى﴾ جَمْعُ قَتِيلٍ. والمَعْنى: فَرَضَ عَلَيْكُمُ اعْتِبارَ المُماثَلَةِ والمُساواةِ بَيْنَ القَتْلى.
﴿الحُرُّ بِالحُرِّ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، أيِ:الحُرُّ مَأْخُوذٌ أوْ مَقْتُولٌ بِالحُرِّ ﴿والعَبْدُ بِالعَبْدِ والأُنْثى بِالأُنْثى﴾ وقالَ الشافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: لا يُقْتَلُ الحُرُّ بِالعَبْدِ لِهَذا النَصِّ، وعِنْدَنا يَجْرِي القِصاصُ بَيْنَ الحُرِّ والعَبْدِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنَّ النَفْسَ بِالنَفْسِ﴾ [المائِدَةُ: ٤٥] كَما بَيْنَ الذَكَرِ والأُنْثى، وبِقَوْلِهِ ﷺ: « "المُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِماؤُهُمْ"، » وبِأنَّ التَفاضُلَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ في الأنْفُسِ، بِدَلِيلِ أنَّ جَماعَةً لَوْ قَتَلُوا واحِدًا قُتِلُوا بِهِ، وبِأنَّ تَخْصِيصَ الحُكْمِ بِنَوْعٍ لا يَنْفِيهِ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ، بَلْ يَبْقى الحُكْمُ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلى وُرُودِ دَلِيلٍ آخَرَ، وقَدْ ورَدَ كَما بَيَّنّا ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ فاتِّباعٌ بِالمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ﴾ قالُوا: العَفْوُ ضِدُّ العُقُوبَةِ، يُقالُ: عَفَوْتُ عَنْ فُلانٍ: إذا صَفَحْتَ عَنْهُ، وأعْرَضْتَ عَنْ أنْ تُعاقِبَهُ، وهو يُعَدّى بِعْنَ إلى الجانِي وإلى الجِنايَةِ،
﴿ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ﴾ [البَقَرَةُ: ٥٢] ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَيِّئاتِ﴾ [الشُورى: ٢٥] وإذا اجْتَمَعا عُدِّيَ إلى الأوَّلِ بِاللامِ، فَتَقُولُ: عَفَوْتُ لَهُ عَنْ ذَنْبِهِ، ومِنهُ الحَدِيثُ: « "عَفَوْتُ لَكم عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ والرَقِيقِ"، » وقالَ الزَجّاجُ: ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ﴾ أيْ: مَن تُرِكَ لَهُ القَتْلُ بِالدِيَةِ، وقالَ الأزْهَرِيُّ: العَفْوُ في اللُغَةِ: الفَضْلُ، ومِنهُ: ﴿وَيَسْألُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ﴾ [البَقَرَةُ: ٢١٩] ويُقالُ: عَفَوْتُ لِفُلانٍ بِمالٍ: إذا أفْضَلْتَ لَهُ، وأعْطَيْتَهُ، وعَفَوْتُ لَهُ عَمّا لِي عَلَيْهِ: إذا تَرَكْتَهُ، ومَعْنى الآيَةِ عِنْدَ الجُمْهُورِ: فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن جِهَةِ أخِيهِ شَيْءٌ مِنَ العَفْوِ، عَلى أنَّ الفِعْلَ مُسْنَدٌ إلى المَصْدَرِ كَما فِي: سِيرَ بِزَيْدٍ بَعْضَ السَيْرِ، والأخُ: ولِيُّ المَقْتُولِ، وذُكِرَ بِلَفْظِ الأُخُوَّةِ بَعْثًا لَهُ عَلى العَطْفِ، لِما بَيْنَهُما مِنَ الجِنْسِيَّةِ والإسْلامِ. و"مَن" هو القاتِلُ المَعْفُوُّ لَهُ عَمّا جَنى، وتَرَكَ المَفْعُولَ الآخِرَ اسْتِغْناءً عَنْهُ، وقِيلَ: أُقِيمَ لَهُ مَقامَ عَنْهُ، والضَمِيرُ فى "لَهُ" و"أخِيهِ": لِمَن، وفي "إلَيْهِ": لِلْأخِ، أوْ لِلْمُتَّبِعِ الدالِّ عَلَيْهِ.
﴿فاتِّباعٌ﴾ لِأنَّ المَعْنى: فَلْيَتَّبِعِ الطالِبُ القاتِلَ (p-١٥٦)بِالمَعْرُوفِ بِأنْ يُطالِبَهُ مُطالَبَةً جَمِيلَةً، ولْيُؤَدِّ إلَيْهِ المَطْلُوبَ، أيِ:القاتِلُ بَدَلَ الدَمِ، أداءً بِإحْسانٍ، بِألا يَمْطُلَهُ ولا يَبْخَسَهُ، وإنَّما قِيلَ: شَيْءٌ مِنَ العَفْوِ لِيَعْلَمَ أنَّهُ إذا عَفا عَنْ بَعْضِ الدَمِ، أوْ عَفا عَنْهُ بَعْضُ الوَرَثَةِ تَمَّ العَفْوُ، وسَقَطَ القِصاصُ، ومَن فَسَّرَ "عُفِيَ" بِتُرِكَ جَعَلَ "شَيْءٌ" مَفْعُولًا بِهِ، وكَذا مَن فَسَّرَهُ بِأُعْطِيَ، يَعْنِي: أنَّ الوَلِيَّ إذا أُعْطِيَ لَهُ شَيْءٌ مِن مالِ أخِيهِ، يَعْنِي: القاتِلَ، بِطَرِيقِ الصُلْحِ فَلْيَأْخُذْهُ بِمَعْرُوفٍ مِن غَيْرِ تَعْنِيفٍ، ولْيُؤَدِّهِ القاتِلُ إلَيْهِ بِلا تَسْوِيفٍ، وارْتِفاعُ ﴿اتِّباعَ﴾ بِأنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أيْ: فالواجِبُ اتِّباعٌ.
﴿ذَلِكَ﴾ الحُكْمُ المَذْكُورُ مِنَ العَفْوِ، وأخْذِ الدِيَةِ.
﴿تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكم ورَحْمَةٌ﴾ فَإنَّهُ كانَ في التَوْراةِ القَتْلُ لا غَيْرُ، وفي الإنْجِيلِ العَفْوُ بِغَيْرِ بَدَلٍ لا غَيْرُ، وأُبِيحَ لَنا القِصاصُ والعَفْوُ وأخْذُ المالِ بِطَرِيقِ الصُلْحِ تَوْسِعَةً وتَيْسِيرًا، والآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ صاحِبَ الكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ لِلْوَصْفِ بِالإيمانِ بَعْدَ وُجُودِ القَتْلِ، ولِبَقاءِ الأُخُوَّةِ الثابِتَةِ بِالإيمانِ، ولِاسْتِحْقاقِ التَخْفِيفِ والرَحْمَةِ.
﴿فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ التَخْفِيفِ، فَتَجاوَزَ ما شَرَعَ لَهُ مِن قَتْلِ غَيْرِ القاتِلِ أوِ القَتْلِ بَعْدَ أخْذِ الدِيَةِ.
﴿فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ نَوْعٌ مِنَ العَذابِ شَدِيدُ الألَمِ فى الآخِرَةِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُۥ مِنۡ أَخِیهِ شَیۡءࣱ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ ذَ ٰلِكَ تَخۡفِیفࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةࣱۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











