الباحث القرآني

﴿وَإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا﴾ وقَرَأ أبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: (وَإذا لاقَوْا) يُقالُ: لَقِيتُهُ ولاقَيْتُهُ: إذا اسْتَقْبَلْتَهُ قَرِيبًا مِنهُ. الآيَةُ الأُولى في بَيانِ مَذْهَبِ المُنافِقِينَ والتَرْجَمَةِ عَنْ نِفاقِهِمْ، وهَذِهِ في بَيانِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ مَعَ المُؤْمِنِينَ مِنَ الِاسْتِهْزاءِ بِهِمْ، ولِقائِهِمْ بِوُجُوهِ المُصادَقِينَ، وإيهامِهِمْ أنَّهم مَعَهم ﴿وَإذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ﴾ خَلَوْتُ بِفُلانٍ وإلَيْهِ: إذا انْفَرَدْتَ مَعَهُ، وبِإلى أبْلَغُ، لِأنَّ فِيهِ دَلالَةَ الِابْتِداءِ والِانْتِهاءِ، أيْ: إذا خَلَوْا مِنَ المُؤْمِنِينَ إلى شَياطِينِهِمْ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن خَلا بِمَعْنى مَضى، و"شَياطِينُهُمْ": الَّذِينَ ماثَلُوا الشَياطِينَ في تَمَرُّدِهِمْ، وهُمُ اليَهُودُ. وعَنْ سِيبَوَيْهِ أنَّ نُونَ الشَياطِينِ أصْلِيَّةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: تَشَيْطَنَ. وعَنْهُ: أنَّها زائِدَةٌ. واشْتِقاقُهُ مَن شَطَنَ: إذا بَعُدَ، لِبُعْدِهِ مِنَ الصَلاحِ والخَيْرِ، أوْ مِن شاطَ: إذا بَطَلَ، ومِن أسْمائِهِ: الباطِلُ ﴿قالُوا إنّا مَعَكُمْ﴾ إنّا مُصاحِبُوكم ومُوافَقُوكم عَلى دِينِكم. وإنَّما خاطَبُوا المُؤْمِنِينَ بِالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ، وشَياطِينَهم بِالِاسْمِيَّةِ مُحَقَّقَةً بِإنَّ، لِأنَّهم في خِطابِهِمْ مَعَ المُؤْمِنِينَ في ادِّعاءِ حُدُوثِ الإيمانِ مِنهُمْ، لا في ادِّعاءِ أنَّهم أوْحَدِيُّونَ في الإيمانِ، إمّا لِأنَّ أنْفُسَهم لا تُساعِدُهم عَلَيْهِ، إذْ لَيْسَ لَهم مِن عَقائِدِهِمْ باعِثٌ ومُحَرِّكٌ، وإمّا لِأنَّهُ لا يَرُوجُ عَنْهم لَوْ قالُوهُ عَلى لَفْظِ التَأْكِيدِ والمُبالَغَةِ. وكَيْفَ يَطْمَعُونَ في رَواجِهِ وهم بَيْنَ ظَهَرانَيِ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ. وأمّا خِطابُهم مَعَ إخْوانِهِمْ فَقَدْ كانَ عَنْ رَغْبَةٍ، وقَدْ كانَ مُتَقَبَّلًا مِنهُمْ، رائِجًا عَنْهُمْ، فَكانَ مَظِنَّةً لِلتَّحْقِيقِ، ومَئِنَّةً لِلتَّأْكِيدِ. ﴿إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: ﴿إنّا مَعَكُمْ﴾ لِأنَّ مَعْناهُ: الثَباتُ عَلى اليَهُودِيَّةِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ رَدٌّ لِلسَّلامِ، ودَفْعٌ لَهُ مِنهُمْ، لِأنَّ المُسْتَهْزِئَ بِالشَيْءِ، (p-٥٣)المُسْتَخِفَّ بِهِ، مُنْكِرٌ لَهُ، ودافِعٌ لِكَوْنِهِ مُعْتَدًّا بِهِ، ودَفْعُ نَقِيضِ الشَيْءِ تَأْكِيدٌ لِثَباتِهِ، أوِ اسْتِئْنافٌ كَأنَّهُمُ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ، حِينَ قالُوا لَهُمْ: إنّا مَعَكم إنْ كُنْتُمْ مَعَنا فَلِمَ تُوافِقُونَ المُؤْمِنِينَ؟ فَقالُوا: ﴿إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ والِاسْتِهْزاءُ: السُخْرِيَةُ والِاسْتِخْفافُ، وأصْلُ البابِ: الخِفَّةُ مِنَ الهُزْءِ، وهو القَتْلُ السَرِيعُ، وهَزَأ يَهْزَأُ: ماتَ عَلى المَكانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب