الباحث القرآني

ثُمَّ أرادَ أنْ يَتَواضَعَ لِلَّهِ ويَهْضِمَ نَفْسَهُ لِئَلّا يَكُونَ لَها مُزَكِّيًا ولِيُبَيِّنَ أنَّ ما فِيهِ مِنَ الأمانَةِ بِتَوْفِيقِ اللهِ وعِصْمَتِهِ فَقالَ ﴿وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ مِنَ الزَلَلِ وما أشْهَدُ لَها بِالبَراءَةِ الكُلِّيَّةِ ولا أُزَكِّيها في عُمُومُ الأحْوالِ أوْ في هَذِهِ الحادِثَةِ لِما ذَكَرْنا مِنَ الهَمِّ الَّذِي هو الخَطْرَةُ البَشَرِيَّةُ لا عَنْ طَرِيقِ القَصْدِ والعَزْمِ ﴿إنَّ النَفْسَ لأمّارَةٌ بِالسُوءِ﴾ أرادَ الجِنْسَ أيْ: إنَّ هَذا الجِنْسَ يَأْمُرُ بِالسُوءِ ويَحْمِلُ عَلَيْهِ لِما فِيهِ مِنَ الشَهَواتِ ﴿إلا ما رَحِمَ رَبِّي﴾ إلّا البَعْضَ الَّذِي رَحِمَهُ رَبِّي بِالعِصْمَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ "ما رَحِمَ" في مَعْنى الزَمانِ أيْ: إلّا وقْتَ رَحْمَةِ رَبِّي يَعْنِي أنَّها أمارَةٌ بِالسُوءِ في كُلِّ وقْتٍ إلّا وقْتَ العِصْمَةِ، أوْ هو اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ أيْ: ولَكِنْ رَحْمَةُ رَبِّي هي الَّتِي تَصْرِفُ الإساءَةَ، وقِيلَ هو مِن كَلامِ امْرَأةِ العَزِيزِ أيْ: ذَلِكَ الَّذِي قُلْتُ لِيَعْلَمَ يُوسُفُ أنِّي لَمْ أخُنْهُ ولَمْ أكْذِبْ عَلَيْهِ في حالِ الغَيْبَةِ وجِئْتُ بِالصِدْقِ فِيما سُئِلْتُ عَنْهُ وما أُبَرِّئُ (p-١١٨)نَفْسِي مَعَ ذَلِكَ مِنَ الخِيانَةِ فَإنِّي قَدْ خُنْتُهُ حِينَ قَرَفْتُهُ وقُلْتُ ﴿ما جَزاءُ مَن أرادَ بِأهْلِكَ سُوءًا إلا أنْ يُسْجَنَ﴾ [يوسف: ٢٥] وأوْدَعْتُهُ السِجْنَ - تُرِيدُ الِاعْتِذارَ مِمّا كانَ مِنها - إنَّ كُلَّ نَفْسٍ " ﴿لأمّارَةٌ بِالسُوءِ إلا ما رَحِمَ رَبِّي﴾ إلّا نَفْسًا رَحِمَها اللهُ بِالعِصْمَةِ كَنَفْسِ يُوسُفَ ﴿إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ اسْتَغْفَرَتْ رَبَّها واسْتَرْحَمَتْهُ مِمّا ارْتَكَبَتْ، وإنَّما جُعِلَ مِن كَلامِ يُوسُفَ ولا دَلِيلَ عَلَيْهِ ظاهِرٌ، لِأنَّ المَعْنى يَقُودُ إلَيْهِ وقِيلَ هَذا مِن تَقْدِيمِ القُرْآنِ وتَأْخِيرِهِ أيْ: قَوْلُهُ ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ﴾ [يوسف: ٥٢] مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ﴿فاسْألْهُ ما بالُ النِسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ﴾ [يوسف: ٥٠]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب