الباحث القرآني

﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إيّا عِنْدَ الخَلِيلِ وسِيبَوَيْهِ اسْمٌ مُضْمَرٌ. والكافُ حَرْفُ خِطابٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ولا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعْرابِ، وعِنْدَ الخَلِيلِ هو اسْمٌ مُضْمَرٌ أُضِيفَ إيّا إلَيْهِ، لِأنَّهُ يُشْبِهُ المُظْهَرَ لِتَقَدُّمِهِ عَلى الفِعْلِ والفاعِلِ. وقالَ الكُوفِيُّونَ: إيّاكَ بِكَمالِها اسْمٌ. وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ لِقَصْدِ الِاخْتِصاصِ، والمَعْنى: نَخُصُّكَ بِالعِبادَةِ، وهِيَ: أقْصى غايَةِ الخُضُوعِ والتَذَلُّلِ، ونَخُصُّكَ بِطَلَبِ المَعُونَةِ. وعَدَلَ عَنِ الغِيبَةِ إلى الخِطابِ لِلِالتِفاتِ، وهو قَدْ يَكُونُ مِنَ الغَيْبَةِ إلى الخِطابِ، ومِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ، ومِنَ الغَيْبَةِ إلى التَكَلُّمِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يُونُسُ: ٢٢] وقَوْلُهُ: ﴿واللهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ﴾ [فاطِرٌ: ٩] وقَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ: ؎ تَطاوَلَ لَيْلُكِ بِالإثْمِدِ ونامَ الخَلِيِّ ولَمْ تَرْقُدِ ؎ وباتَ وباتَتْ لَهُ لَيْلَةٌ ∗∗∗ كَلَيْلَةِ ذِي العائِرِ الأرْمَدِ ؎ وذَلِكَ مِن نَبَإٍ جاءَنِي ∗∗∗ وخُبِّرْتُهُ عَنْ أبِي الأسْوَدِ فالتَفَتَ في الأبْياتِ الثَلاثَةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: لِيَلِي، وبَتُّ، وجاءَكِ، والعَرَبُ يَسْتَكْثِرُونَ مِنهُ، ويَرَوْنَ الكَلامَ إذا انْتَقَلَ مِن أُسْلُوبٍ إلى أُسْلُوبٍ أدْخَلَ في القَبُولِ عِنْدَ السامِعِ، وأحْسَنَ تَطْرِيَةً لِنَشاطِهِ، وأمْلَأ بِاسْتِدْرابِ إصْغائِهِ، وقَدْ تَخْتَصُّ مَواقِعُهُ بِفَوائِدَ ولَطائِفَ قَلَّما تَتَّضِحُ إلّا لِلْحُذّاقِ المَهَرَةِ، والعُلَماءِ النَحارِيرِ، وقَلِيلٌ ما هم. ومِمّا اخْتَصَّ بِهِ هَذا المَوْضِعُ أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ الحَقِيقَ بِالحَمْدِ والثَناءِ، (p-٣٢)وَأجْرى عَلَيْهِ تِلْكَ الصِفاتِ العِظامِ، تَعَلَّقَ العِلْمُ بِمَعْلُومِ عَظِيمِ الشَأْنِ، حَقِيقٌ بِالثَناءِ وغايَةِ الخُضُوعِ والِاسْتِعانَةِ في المُهِمّاتِ، فَخُوطِبَ ذَلِكَ المَعْلُومُ المُتَمَيِّزُ بِتِلْكَ الصِفاتِ، فَقِيلَ: إيّاكَ يا مَن هَذِهِ صِفاتُهُ نَعْبُدُ ونَسْتَعِينُ لا غَيْرَكَ. وقُدِّمَتِ العِبادَةُ عَلى الِاسْتِعانَةِ، لِأنَّ تَقْدِيمَ الوَسِيلَةِ قَبْلَ طَلَبِ الحاجَةِ أقْرَبُ إلى الإجابَةِ، أوْ لِنَظْمِ الآيِ كَما قَدَّمَ الرَحْمَنَ، وإنْ كانَ الأبْلَغُ لا يُقَدَّمُ. وأُطْلِقَتِ الِاسْتِعانَةُ لِتَتَناوَلَ كُلَّ مُسْتَعانٍ فِيهِ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ الِاسْتِعانَةُ بِهِ وبِتَوْفِيقِهِ عَلى أداءِ العِبادَةِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿اهْدِنا﴾ بَيانًا لِلْمَطْلُوبِ مِنَ المَعُونَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ أُعِينُكُمْ؟ فَقالُوا:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب