الباحث القرآني

(p-٣٠٠)سُورَةُ التِّينِ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ وجابِرٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: هي مَدَنِيَّةٌ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿والتِّينِ والزَّيْتُونِ﴾ هُما قَسَمانِ، وفِيهِما ثَمانِيَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّهُما التِّينُ والزَّيْتُونُ المَأْكُولانِ، قالَهُ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ ومُجاهِدٌ. الثّانِي: أنَّ التِّينَ دِمَشْقُ، والزَّيْتُونَ بَيْتُ المَقْدِسِ، قالَهُ كَعْبُ الأحْبارِ وابْنُ زَيْدٍ. الرّابِعُ: أنَّ التِّينَ مَسْجِدُ دِمَشْقَ، والزَّيْتُونَ مَسْجِدُ بَيْتِ المَقْدِسِ، قالَهُ الحارِثُ وابْنُ زَيْدٍ. الخامِسُ: الجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ التِّينُ، والجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ الزَّيْتُونُ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وهُما جَبَلانِ بِالشّامِ يُقالُ لِأحَدِهِما طُورُ زَيْتا، ولِلْآخَرِ طُورُ تِينا، وهو تَأْوِيلُ الرَّبِيعِ.(p-٣٠١) وَحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ أنَّهُما جَبَلانِ بَيْنَ حُلْوانَ وهَمْدانَ، وهو بَعِيدٌ. السّادِسُ: أنَّ التِّينَ مَسْجِدُ أصْحابِ الكَهْفِ، والزَّيْتُونَ مَسْجِدُ إيلِيّا، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. السّابِعُ: أنَّ التِّينَ مَسْجِدُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذِي بُنِيَ عَلى الجُودِيِّ، والزَّيْتُونَ مَسْجِدُ بَيْتِ المَقْدِسِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّامِنُ: أنَّهُ أرادَ بِهِما نِعَمَ اللَّهِ تَعالى عَلى عِبادِهِ الَّتِي مِنها التِّينُ والزَّيْتُونُ، لِأنَّ التِّينَ طَعامٌ، والزَّيْتُونَ إدامٌ. ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ وهو قَسَمٌ ثالِثٌ وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ جَبَلٌ بِالشّامِ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: أنَّهُ الجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَهُ كَعْبُ الأحْبارِ. وَفي قَوْلِهِ ﴿سِينِينَ﴾ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ الحُسْنُ بِلُغَةِ الحَبَشَةِ، ونَطَقَتْ بِهِ العَرَبُ، قالَهُ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ. الثّانِي: أنَّهُ المُبارَكُ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: أنَّهُ اسْمُ البَحْرِ، حَكاهُ ابْنُ شَجَرَةَ. الرّابِعُ: أنَّهُ اسْمٌ لِلشَّجَرِ الَّذِي حَوْلَهُ، قالَهُ عَطِيَّةُ. ﴿وَهَذا البَلَدِ الأمِينِ﴾ يَعْنِي بِالبَلَدِ مَكَّةَ وحَرَمَها، وفي الأمِينِ وجْهانِ: أحَدُهُما: الآمِنُ أهْلُهُ مِن سَبْيٍ أوْ قَتْلٍ، لِأنَّ العَرَبَ كانَتْ تَكُفُّ عَنْهُ في الجاهِلِيَّةِ أنْ تَسْبِيَ فِيهِ أحَدًا أوْ تَسْفِكَ فِيهِ دَمًا. الثّانِي: يَعْنِي المَأْمُونَ عَلى ما أوْدَعَهُ اللَّهُ تَعالى فِيهِ مِن مَعالِمِ الدِّينِ، وهَذا قَسَمٌ رابِعٌ. ﴿لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ﴾ وفي المُرادِ بِالإنْسانِ ها هُنا قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ عُمُومَ النّاسِ، وذَكَرَ الإنْسانَ عَلى وجْهِ التَّكْثِيرِ لِأنَّهُ وصَفَهُ بِما يَعُمُّ لِجَمِيعِ النّاسِ. الثّانِي: أنَّهُ أرادَ إنْسانًا بِعَيْنِهِ عَناهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وإنْ كانَ صِفَةَ النّاسِ.(p-٣٠٢) واخْتُلِفَ فِيمَن أرادَهُ اللَّهُ تَعالى، عَلى خَمْسَةِ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ عَنى كَلَدَةَ بْنَ أُسَيْدٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أبا جَهْلٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ. الخامِسُ: أنَّهُ عَنى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ . وفي قَوْلِهِ ﴿فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: في أعْدَلِ خَلْقٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: في أحْسَنِ صُورَةٍ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ. الثّالِثُ: في شَبابٍ وقُوَّةٍ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الرّابِعُ: مُنْتَصِبَ القامَةِ، لِأنَّ سائِرَ الحَيَوانِ مُنْكَبٌّ غَيْرَ الإنْسانِ، فَإنَّهُ مُنْتَصِبٌ، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: أيْ في أكْمَلِ عَقْلٍ، لِأنَّ تَقْوِيمَ الإنْسانِ بِعَقْلِهِ، وعَلى هَذا وقَعَ القَسَمُ. ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: إلى الهَرَمِ بَعْدَ الشَّبابِ، والضَّعْفِ بَعْدَ القُوَّةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ والكَلْبِيُّ، ويَكُونُ أسْفَلُ بِمَعْنى بَعْدَ التَّمامِ. الثّانِي: بَعْدَ الكُفْرِ، قالَهُ مُجاهِدٌ وأبُو العالِيَةِ، ويَكُونُ أسْفَلُ السّافِلِينَ مَحْمُولًا عَلى الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: إلى ضَعْفِ التَّمْيِيزِ بَعْدَ قُوَّتِهِ. ﴿فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ فِيهِ سِتَّةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: غَيْرُ مَنقُوصٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقالَ الشّاعِرُ ؎ يا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ غَيْرِ مَمْنُونٍ. . . . . . . . . الثّانِي: غَيْرُ مَحْسُوبٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: غَيْرُ مُكَدَّرٍ بِالمَنِّ والأذى، قالَهُ الحَسَنُ. الرّابِعُ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ، قالَهُ ابْنُ عِيسى.(p-٣٠٣) الخامِسُ: أجْرٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ، قالَهُ الضَّحّاكُ. وَحُكِيَ أنَّ مَن بَلَغَ الهَرَمَ كُتِبَ لَهُ أجْرُ ما عَجَزَ عَنْهُ مِنَ العَمَلِ الصّالِحِ. السّادِسُ: أنْ لا يَضُرَّ كُلَّ أحَدٍ مِنهم ما عَمِلَهُ في كِبْرِهِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. ﴿فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: حُكْمُ اللَّهِ تَعالى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: الجَزاءُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ ؎ دِنّا تَمِيمًا كَما كانَتْ أوائِلُنا ∗∗∗ دانَتْ أوائِلَهم في سالِفِ الزَّمَنِ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾ وهَذا تَقْرِيرٌ لِمَنِ اعْتَرَفَ مِنَ الكَفّارِ بِصانِعٍ قَدِيمٍ، وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ صُنْعًا وتَدْبِيرًا، قالَهُ ابْنُ عِيسى. الثّانِي: أحْكَمُ الحاكِمِينَ قَضاءً بِالحَقِّ وعَدْلًا بَيْنَ الخَلْقِ وفِيهِ مُضْمَرٌ مَحْذُوفٌ، وتَقْدِيرُهُ: فَلِمَ يُنْكِرُونَ مَعَ هَذِهِ الحالِ البَعْثَ والجَزاءَ. وَكانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذا قَرَأ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾ قالَ: بَلى وأنا عَلى ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ، ونَخْتارُ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب