الباحث القرآني
(p-٢٩٦)سُورَةُ الشَّرْحِ
مَكِّيَّةٌ بِالإجْماعِ
قَوْلُهُ تَعالى ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ وهَذا تَقْرِيرٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ انْشِراحِ صَدْرِهِ لِما حَمَلَهُ مِن نُبُوَّتِهِ.
وَفي (نَشْرَحْ) وجْهانِ:
أحَدُهُما: أيْ أزالَ هَمَّكَ مِنكَ حَتّى تَخْلُوَ لِما أُمِرَتْ بِهِ.
الثّانِي: أيْ نَفْتَحُ لَكَ صَدْرَكَ لِيَتَّسِعَ لِما حَمَلْتَهُ عَنْهُ فَلا يَضِيقُ، ومِنهُ تَشْرِيحُ اللَّحْمِ لِأنَّهُ فَتَحَهُ لِتَقْدِيدِهِ.
وَفِيما شَرَحَ صَدْرَهُ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: الإسْلامُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّانِي: بِأنْ مُلِئَ حِكْمَةً وعِلْمًا، قالَهُ الحَسَنُ.
الثّالِثُ: بِما مَنَّ عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ والِاحْتِمالِ، قالَهُ عَطاءٌ.
وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: بِحِفْظِ القُرْآنِ وحُقُوقِ النُّبُوَّةِ.
﴿وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ:(p-٢٩٧)
أحَدُها: وغَفَرْنا لَكَ ذَنْبَكَ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقالَ قَتادَةُ: كانَ لِلنَّبِيِّ ذُنُوبٌ أثْقَلَتْهُ فَغَفَرَها اللَّهُ تَعالى لَهُ.
الثّانِي: وحَطَطْنا عَنْكَ ثِقَلَكَ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
وَهي في قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وحَلَلْنا عَنْكَ وِقْرَكَ.
الثّالِثُ: وحَفِظْناكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ في الأرْبَعِينَ مِنَ الأدْناسِ حَتّى نَزَلَ عَلَيْكَ الوَحْيُ وأنْتَ مُطَهَّرٌ مِنَ الأدْناسِ.
وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: أيْ أسْقَطْنا عَنْكَ تَكْلِيفَ ما لَمْ تُطِقْهُ، لِأنَّ الأنْبِياءَ وإنْ حَمَلُوا مِن أثْقالِ النُّبُوَّةِ عَلى ما يَعْجَزُ عَنْهُ غَيْرُهم مِنَ الأُمَّةِ فَقَدْ أُعْطُوا مِن فَضْلِ القُوَّةِ ما يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلى ثِقَلِ النُّبُوَّةِ، فَصارَ ما عَجَزَ عَنْهُ غَيْرُهم لَيْسَ بِمُطاقٍ.
﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ أيْ أثْقَلَ ظَهْرَكَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ كَما يَنْقَضُّ البَعِيرُ مِنَ الحِمْلِ الثَّقِيلِ حَتّى يَصِيرَ نَقْضًا.
وَفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أثْقَلَ ظَهْرَهُ بِالذُّنُوبِ حَتّى غَفَرَها.
الثّانِي: أثْقَلَ ظَهْرَهُ بِالرِّسالَةِ حَتّى بَلَّغَها.
الثّالِثُ: أثْقَلَ ظَهْرَهُ بِالنِّعَمِ حَتّى شَكَرَها.
﴿وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ بِالنُّبُوَّةِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ.
الثّانِي: ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ في الآخِرَةِ كَما رَفَعْناهُ في الدُّنْيا.
الثّالِثُ: أنَّ تُذْكَرَ مَعِيَ إذا ذُكِرْتُ، رَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « (أتانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ أتَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ فَقالَ: اللَّهُ أعْلَمُ، فَقالَ: إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ)» قالَهُ قَتادَةُ: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ يَخْطُبُ ولا يَتَشَهَّدُ، ولا صاحِبُ صَلاةٍ إلّا يُنادِي: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
﴿فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾ فِيهِ وجْهانِ:(p-٢٩٨)
أحَدُهُما: إنَّ مَعَ اجْتِهادِ الدُّنْيا خَيْرَ الآخِرَةِ.
الثّانِي: إنَّ مَعَ الشِّدَّةِ رَخاءً، ومَعَ الصَّبْرِ سِعَةً، ومَعَ الشَّقاوَةِ سَعادَةً، ومَعَ الحُزُونَةِ سُهُولَةً.
وَيَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ:
أحَدُها: إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِيَفْعَلَ مِنهُما ما شاءَ.
الثّانِي: إنَّ مَعَ العُسْرِ في الدُّنْيا يُسْرًا في الآخِرَةِ.
الثّالِثُ: إنَّ مَعَ العُسْرِ لِمَن بُلِيَ يُسْرًا لِمَن صَبَرَ واحْتَسَبَ بِما يُوَفَّقُ لَهُ مِنَ القَناعَةِ أوْ بِما يُعْطى مِنَ السِّعَةِ.
قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: واَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كانَ العُسْرُ في حَجَرٍ لَطَلَبَهُ اليُسْرُ حَتّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ (وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) . وإنَّما كانَ العُسْرُ في المَوْضِعَيْنِ واحِدًا، واليُسْرُ اثْنَيْنِ، لِدُخُولِ الألِفِ واللّامِ عَلى العُسْرِ وحَذْفِها مِنَ اليُسْرِ.
وَفي تَكْرارِ ﴿مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾ وجْهانِ:
أحَدُهُما: ما ذَكَرْنا مِن إفْرادِ العُسْرِ وتَثْنِيَةِ اليُسْرِ، لِيَكُونَ أقْوى لِلْأمَلِ وأبْعَثَ عَلى الصَّبْرِ، قالَهُ ثَعْلَبٌ.
الثّانِي: لِلْإطْنابِ والمُبالَغَةِ، كَما قالُوا في تَكْرارِ الجَوابِ فَيُقالُ بَلى بَلى، لا لا، قالَهُ الفَرّاءُ وقالَ الشّاعِرُ
؎ هَمَمْتُ بِنَفْسِي بَعْضَ الهُمُومِ فَأوْلى لِنَفْسِيَ أوْلى لَها.
﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: فَإذا فَرَغْتَ مِنَ الفَرائِضِ فانْصَبْ مِن قِيامِ اللَّيْلِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الثّانِي: فَإذا فَرَغْتَ مِن صَلاتِكَ فانْصَبْ في دُعائِكَ، قالَهُ الضَّحّاكُ.(p-٢٩٩)
الثّالِثُ: فَإذا فَرَغْتَ مِن جِهادِكَ عَدُوَّكَ فانْصَبْ لِعِبادَةِ رَبِّكَ، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ.
الرّابِعُ: فَإذا فَرَغْتَ مِن أمْرِ دُنْياكَ فانْصَبْ في عَمَلِ آخِرَتِكَ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا خامِسًا: فَإذا فَرَغْتَ مِن إبْلاغِ الرِّسالَةِ فانْصَبْ لِجِهادِ عَدُوِّكَ.
﴿وَإلى رَبِّكَ فارْغَبْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: فارْغَبْ إلَيْهِ في دُعائِكَ قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الثّانِي: في مَعُونَتِكَ.
الثّالِثُ: في إخْلاصِ نِيَّتِكَ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: فارْغَبْ إلَيْهِ في نَصْرِكَ عَلى أعْدائِكَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ","وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ","ٱلَّذِیۤ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ","وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ","فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرًا","إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ یُسۡرࣰا","فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ","وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب"],"ayah":"ٱلَّذِیۤ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











