الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أفَمَن أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ خَيْرٌ﴾ يَعْنِي مَسْجِدَ قُباءٍ والألِفُ مِن ( أفَمَن ) ألْفُ إنْكارٍ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: ﴿عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ﴾ وجْهَيْنِ: (p-٤٠٤)أحَدُهُما: أنَّ التَّقْوى اجْتِنابُ مَعاصِيهِ، والرِّضْوانُ فِعْلُ طاعَتِهِ. الثّانِي: أنَّ التَّقْوى اتِّقاءُ عَذابِهِ، والرِّضْوانَ طَلَبُ ثَوابِهِ. وَكانَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ يَحْمِلُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى﴾ عَلى مَسْجِدِ المَدِينَةِ، ويَحْتَمِلُ ﴿أفَمَن أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ﴾ عَلى مَسْجِدِ قُباءٍ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَ المُرادِ بِهِما في المَوْضِعَيْنِ. ﴿أمْ مَن أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ﴾ يَعْنِي شَفِيرَ جُرُفٍ وهو حَرْفُ الوادِي الَّذِي لا يَثْبُتُ عَلَيْهِ البِناءُ لِرَخاوَتِهِ وأكْلِ الماءِ لَهُ ﴿هارٍ﴾ يَعْنِي: هائِرٌ، والهائِرُ: السّاقِطُ. وَهَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعالى لِمَسْجِدِ الضِّرارِ. وَيَحْتَمِلُ المَقْصُودُ بِضَرْبِ هَذا المَثَلِ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِناؤُهُمُ الَّذِي أُسِّسَ عَلى غَيْرِ طاعَةِ اللَّهِ حَتّى سَقَطَ كَما يَسْقُطُ ما بُنِيَ عَلى حَرْفِ الوادِي. الثّانِي: أنَّهُ لَمْ يَخْفَ ما أسَرُّوهُ مِن بِنائِهِ حَتّى ظَهَرَ كَما يَظْهَرُ فَسادُ ما بُنِيَ عَلى حَرْفِ الوادِي بِالسُّقُوطِ. ﴿فانْهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهم بِبُنْيانِهِمْ لَهُ سَقَطُوا في نارِ جَهَنَّمَ. الثّانِي: أنَّ بُقْعَةَ المَسْجِدِ مَعَ بِنائِها وبُناتِها سَقَطَتْ في نارِ جَهَنَّمَ، قالَهُ قَتادَةُ والسُّدِّيُّ. قالَ قَتادَةُ: ذَكَرَ لَنا أنَّهُ حُفِرَتْ مِنهُ بُقْعَةٌ فَرُئِيَ فِيها الدُّخانُ وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: رَأيْتُ الدُّخانَ يَخْرُجُ مِن مَسْجِدِ الضِّرارِ حِينَ انْهارَ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا﴾ يَعْنِي مَسْجِدَ الضِّرارِ. ﴿رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ الرِّيبَةَ فِيها عِنْدَ بِنائِهِ. الثّانِي: أنَّ الرِّيبَةَ عِنْدَ هَدْمِهِ. (p-٤٠٥)فَإنْ قِيلَ بِالأوَّلِ فَفي الرِّيبَةِ الَّتِي في قُلُوبِهِمْ وجْهانِ: أحَدُهُما: غِطاءٌ عَلى قُلُوبِهِمْ، قالَهُ حَبِيبُ بْنُ أبِي ثابِتٍ. الثّانِي: أنَّهُ شَكٌّ في قُلُوبِهِمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ، ومِنهُ قَوْلُ النّابِغَةِ الذُّبْيانِيِّ: ؎ حَلَفْتُ فَلَمْ أتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً ولَيْسَ وراءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ وَيَحْتَمِلُ وجْهًا ثالِثًا: أنْ تَكُونَ الرِّيبَةُ ما أضْمَرُوهُ مِنَ الإضْرارِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ. وَإنْ قِيلَ بِالثّانِي أنَّ الرِّيبَةَ بَعْدَ هَدْمِهِ فَفِيها وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّها حَزازَةٌ في قُلُوبِهِمْ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّانِي: نَدامَةٌ في قُلُوبِهِمْ، قالَهُ حَمْزَةُ. وَيَحْتَمِلُ وجْهًا ثالِثًا: أنْ تَكُونَ الرِّيبَةُ الخَوْفَ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومِنَ المُؤْمِنِينَ. ﴿إلا أنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: إلّا أنْ يَمُوتُوا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ. الثّانِي: إلّا أنْ يَتُوبُوا، قالَهُ سُفْيانُ. الثّالِثُ: إلّا أنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهم في قُبُورِهِمْ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. وَكانَ أصْحابُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَقْرَأُونَها: ولَوْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب