الباحث القرآني
(p-٢٥١)سُورَةُ الأعْلى
قَوْلُهُ تَعالى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: عَظِّمْ رَبَّكَ الأعْلى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ، والِاسْمُ صِلَةٌ قُصِدَ بِها تَعْظِيمُ المُسَمّى، كَما قالَ لَبِيدٌ
؎ إلى الحَوْلِ ثَمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما ومَن يَبْكِ حَوْلًا كامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرَ
الثّانِي: نَزِّهَ اسْمَ رَبِّكَ عَنْ أنْ يُسَمّى بِهِ أحَدٌ سِواهُ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ.
الثّالِثُ: مَعْناهُ ارْفَعْ صَوْتَكَ بِذِكْرِ رَبِّكَ، قالَ جَرِيرٌ
؎ قَبَّحَ الإلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّما ∗∗∗ سَبَّحَ الحَجِيجُ وكَبَّرُوا تَكْبِيرًا
(p-٢٥٢)
الرّابِعُ: صَلِّ لِرَبِّكَ، فَعَلى هَذا في قَوْلِهِ (اِسْمَ رَبِّكَ) ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: بِأمْرِ رَبِّكَ.
الثّانِي: بِذِكْرِ رَبِّكَ أنْ تُفْتَتَحَ بِهِ الصَّلاةُ.
الثّالِثُ: أنْ تَكُونَ ذاكِرًا لِرَبِّكَ بِقَلْبِكَ في نِيَّتِكَ لِلصَّلاةِ.
وَرُوِيَ أنَّ عَلِيًّا وابْنَ عَبّاسٍ وابْنَ عُمَرَ كانُوا إذا افْتَتَحُوا قِراءَةَ هَذِهِ السُّورَةِ قالُوا: (سُبْحانَ رَبِّيَ الأعْلى) امْتِثالًا لِأمْرِهِ تَعالى في ابْتِدائِها، فَصارَ الِاقْتِداءُ بِهِمْ في قِراءَتِها، وقِيلَ إنَّها في قِراءَةِ أُبَيٍّ: (سُبْحانَ رَبِّيَ الأعْلى) وكانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْرَؤُها كَذَلِكَ.
﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى﴾ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ:
أحَدُها: يَعْنِي أنْشَأ خَلْقَهم ثُمَّ سَوّاهم فَأكْمَلَهم.
الثّانِي: خَلَقَهم خَلْقًا كامِلًا وسَوّى لِكُلِّ جارِحَةٍ مَثَلًا.
الثّالِثُ: خَلَقَهم بِإنْعامِهِ وسَوّى بَيْنَهم في أحْكامِهِ، قالَ الضَّحّاكُ: خَلَقَ آدَمَ فَسَوّى خَلْقَهُ.
وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: خَلَقَ في أصْلابِ الرِّجالِ، وسَوّى في أرْحامِ الأُمَّهاتِ.
وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: خَلَقَ الأجْسادَ فَسَوّى الأفْهامَ.
﴿والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: قَدَّرَ الشَّقاوَةَ والسَّعادَةَ، وهَداهُ لِلرُّشْدِ والضَّلالَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّانِي: قَدَّرَ أرْزاقَهم وأقْواتَهم، وهَداهم لِمَعاشِهِمْ إنْ كانُوا إنْسًا، ولِمَراعِيهِمْ إنْ كانُوا وحْشًا.
الثّالِثُ: قَدَّرَهم ذُكُورًا وإناثًا، وهَدى الذَّكَرَ كَيْفَ يَأْتِي الأُنْثى، قالَهُ السُّدِّيُّ.
وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: قَدَّرَ خَلْقَهم في الأرْحامِ، وهُداهُمُ الخُرُوجَ لِلتَّمامِ.
وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: خَلَقَهم لِلْجَزاءِ، وهُداهم لِلْعَمَلِ.
﴿والَّذِي أخْرَجَ المَرْعى﴾ يَعْنِي النَّباتَ، لِأنَّ البَهائِمَ تَرْعاهُ، قالَ الشّاعِرُ
؎ وقَدْ يَنْبُتُ المَرْعى عَلى دِمَنِ الثَّرى ∗∗∗ وتَبْقى حَزّازاتُ النُّفُوسِ كَما هِيا
﴿فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوى﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّ الغُثاءَ ما يَبِسَ مِنَ النَّباتِ حَتّى صارَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ.(p-٢٥٣)
والأحْوى: الأسْوَدُ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ
؎ لَمْياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ ∗∗∗ وفي اللِّثاتِ وفي أنْيابِها شَنَبُ
وَهَذا مَعْنى قَوْلِ مُجاهِدٍ.
الثّانِي: أنَّ الغُثاءَ ما احْتَمَلَ السَّيْلُ مِنَ النَّباتِ، والأحْوى: المُتَغَيِّرُ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ السُّدِّيِّ.
الثّالِثُ: أنَّ في الكَلامِ تَقْدِيمًا وتَأْخِيرًا، ومَعْناهُ أحَوى فَصارَ غُثاءً، والأحْوى: ألْوانُ النَّباتِ الحَيِّ مِن أخْضَرَ وأحْمَرَ وأصْفَرَ وأبْيَضَ، ويُعَبِّرُ عَنْ جَمِيعِهِ بِالسَّوادِ كَما سُمِّيَ بِهِ سَوادُ العِراقِ، وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ
؎ وغَيْثٍ دائِمِ التَّهْتا ∗∗∗ نِ حاوِي النَّبْتِ أدْهَمَ
والغُثاءُ: المَيِّتُ اليابِسُ، قالَ قَتادَةُ: وهو مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعالى لِلْكُفّارِ لِذَهابِ الدُّنْيا بَعْدَ نَضارَتِها.
﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: فَلا تَنْسى، أيْ فَلا تَتْرُكِ العَمَلَ إلّا ما شاءَ اللَّهُ أنَّ يَتَرَخَّصَ لَكَ فِيهِ، فَعَلى هَذا التَّأْوِيلِ يَكُونُ هَذا نَهْيًا عَنِ الشِّرْكِ.
والوَجْهُ الثّانِي: أنَّهُ إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى أنَّهُ لا يَنْسى ما يُقْرِئُهُ مِنَ القُرْآنِ، حَكى ابْنُ عَبّاسٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالوَحْيِ يَقْرَؤُهُ خِيفَةَ أنْ يَنْساهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى﴾ يَعْنِي القُرْآنَ» . ﴿إلا ما شاءَ اللَّهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: إلّا ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَنْسَخَهُ فَتَنْساهُ، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ.
الثّانِي: إلّا ما شاءَ اللَّهُ أنْ يُؤَخِّرَ إنْزالَهُ عَلَيْكَ فَلا تَقْرَأْهُ، حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
﴿إنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وما يَخْفى﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّ الجَهْرَ ما حَفِظْتَهُ مِنَ القُرْآنِ في صَدْرِكَ، وما يَخْفى هو ما نُسِخَ مِن حِفْظِكَ.
الثّانِي: أنَّ الجَهْرَ ما عَلِمَهُ، وما يَخْفى ما سَيَتَعَلَّمُهُ مِن بَعْدُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.(p-٢٥٤)
الثّالِثُ: أنَّ الجَهْرَ ما قَدْ أظْهَرُهُ، وما يَخْفى ما تَرَكَهُ مِنَ الطّاعاتِ.
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: نُيَسِّرُكَ لِأنْ تَعْمَلَ خَيْرًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّانِي: لِلْجَنَّةِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الثّالِثُ: لِلدِّينِ واليُسْرِ ولَيْسَ بِالعُسْرِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
﴿فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى﴾ وفِيما يُذَكِّرُ بِهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: بِالقُرْآنِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّانِي: بِاَللَّهِ رَغْبَةً ورَهْبَةً، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ.
وَفي قَوْلِهِ: ﴿إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى﴾ وجْهانِ:
أحَدُهُما: يَعْنِي إنْ قُبِلَتِ الذِّكْرى وهو مَعْنى قَوْلِ يَحْيى بْنِ سَلامٍ.
الثّانِي: يَعْنِي ما نَفَعَتِ الذِّكْرى، فَتَكُونُ (إنْ) بِمَعْنى ما الشَّرْطُ، لِأنَّ الذِّكْرى نافِعَةٌ بِكُلِّ حالٍ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ.
﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشى﴾ يَعْنِي يَخْشى اللَّهَ، وقَدْ يَتَذَكَّرُ مَن يَرْجُوهُ، إلّا أنَّ تَذْكِرَةَ الخاشِي أبْلَغُ مِن تَذْكِرَةِ الرّاجِي فَلِذَلِكَ عَلَّقَها بِالخَشْيَةِ دُونَ الرَّجاءِ، وإنْ تَعَلَّقَتْ بِالخَشْيَةِ والرَّجاءِ.
﴿وَيَتَجَنَّبُها الأشْقى﴾ يَعْنِي يَتَجَنَّبُ التَّذْكِرَةَ الكافِرُ الَّذِي قَدْ صارَ بِكُفْرِهِ شَقِيًّا.
﴿الَّذِي يَصْلى النّارَ الكُبْرى﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: هي نارُ جَهَنَّمَ، والصُّغْرى نارُ الدُّنْيا، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ.
الثّانِي: الكُبْرى نارُ الكُفّارِ في الطَّبَقَةِ السُّفْلى مِن جَهَنَّمَ، والصُّغْرى نارُ المُذْنِبِينَ في الطَّبَقَةِ العُلْيا مِن جَهَنَّمَ، وهو مَعْنى قَوْلِ الفَرّاءِ.
﴿ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيا﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: لا يَمُوتُ ولا يَجِدُ رُوحَ الحَياةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عِيسى.
الثّانِي: أنَّهُ يُعَذَّبُ لا يَسْتَرِيحُ ولا يَنْتَفِعُ بِالحَياةِ، كَما قالَ الشّاعِرُ
؎ ألا ما لِنَفْسٍ لا تَمُوتُ فَيَنْقَضِي ∗∗∗ عَناها ولا تَحْيا حَياةً لَها طَعْمُ.(p-٢٥٥)
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى","ٱلَّذِی خَلَقَ فَسَوَّىٰ","وَٱلَّذِی قَدَّرَ فَهَدَىٰ","وَٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ","فَجَعَلَهُۥ غُثَاۤءً أَحۡوَىٰ","سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰۤ","إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا یَخۡفَىٰ","وَنُیَسِّرُكَ لِلۡیُسۡرَىٰ","فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ","سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ","وَیَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى","ٱلَّذِی یَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ","ثُمَّ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ"],"ayah":"فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق