الباحث القرآني

(p-٢٤٥)سُورَةُ الطّارِقِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿والسَّماءِ والطّارِقِ﴾ هُما قَسَمانِ: (والسَّماءِ) قَسَمٌ، (والطّارِقِ) قَسَمٌ. (اَلطّارِقُ) نَجْمٌ، وقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَما أدْراكَ ما الطّارِقُ﴾ ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾ ومِنهُ قَوْلُ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ ؎ نَحْنُ بَناتُ طارِقِ نَمْشِي عَلى النَّمارِقِ تَقُولُ: نَحْنُ بَناتُ النَّجْمِ افْتِخارًا بِشَرَفِها، وإنَّما سُمِّيَ النَّجْمُ طارِقًا لِاخْتِصاصِهِ بِاللَّيْلِ، والعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ قاصِدٍ في اللَّيْلِ طارِقًا، قالَ الشّاعِرُ ؎ ألا طَرَقْتَ بِاللَّيْلِ ما هَجَعُوا هِنْدُ ∗∗∗ وهِنْدٌ أتى مِن دُونِها النَّأْيُ والصَّدُّ وَأصْلُ الطَّرْقِ الدَّقُّ، ومِنهُ سُمِّيَتِ المِطْرَقَةُ، فَسُمِّيَ قاصِدُ اللَّيْلِ طارِقًا لِاحْتِياجِهِ في الوُصُولِ إلى الدَّقِّ.(p-٢٤٦) وَفِي قَوْلِهِ (اَلنَّجْمُ) الثّاقِبُ سِتَّةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: المُضِيءُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: المُتَوَهِّجُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: المُنْقِصُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الرّابِعُ: أنَّ الثّاقِبَ الَّذِي قَدِ ارْتَفَعَ عَلى النُّجُومِ كُلِّها، قالَهُ الفَرّاءُ. الخامِسُ: الثّاقِبُ: الشَّياطِينُ حِينَ تُرْمى، قالَهُ السُّدِّيُّ. السّادِسُ: الثّاقِبُ في مَسِيرِهِ ومَجْراهُ، قالَهُ الضَّحّاكُ. وَفي هَذا النَّجْمِ الثّاقِبِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ زُحَلُ، قالَهُ عَلِيٌّ. الثّانِي: الثُّرَيّا، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. ﴿إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: (لَمّا) بِمَعْنى إلّا، وتَقْدِيرُهُ: إنْ كَلُّ نَفْسٍ إلّا عَلَيْها حافِظٌ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: أنَّ (ما) الَّتِي بَعْدَ اللّامِ صِلَةٌ زائِدَةٌ، وتَقْدِيرُهُ: إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَعَلَيْها حافِظٌ، قالَهُ الأخْفَشُ. وَفي الحافِظِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: حافِظٌ مِنَ اللَّهِ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أجْلَهُ ورِزْقَهُ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: مِنَ المَلائِكَةِ يَحْفَظُونَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، قالَهُ قَتادَةُ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنْ يَكُونَ الحافِظُ الَّذِي عَلَيْهِ عَقْلَهُ، لِأنَّهُ يُرْشِدُهُ إلى مَصالِحِهِ، ويَكُفُّهُ عَنْ مَضارِّهِ. ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مِن بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وتَرائِبِهِ، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ.(p-٢٤٧) الثّانِي: بِمَعْنى أصْلابِ الرِّجالِ وتَرائِبِ النِّساءِ. وَفي التَّرائِبِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ الصَّدْرُ، قالَهُ ابْنُ عِياضٍ، ومِنهُ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ. ؎ فَإنْ تُدْبِرُوا نَأْخُذْكم في ظُهُورِكم ∗∗∗ وإنْ تُقْبِلُوا نَأْخُذْكم في التَّرائِبِ الثّانِي: ما بَيْنَ المَنكِبَيْنِ إلى الصَّدْرِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: مَوْضِعُ القِلادَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، قالَ الشّاعِرُ ؎ والزَّعْفَرانُ عَلى تَرائِبِها ∗∗∗ شَرِقَ بِهِ اللَّبّاتُ والنَّحْرُ الرّابِعُ: أنَّها أرْبَعَةُ أضْلاعٍ مِنَ الجانِبِ الأسْفَلِ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ، وحَكى الزَّجّاجُ أنَّ التَّرائِبَ أرْبَعَةُ أضْلاعٍ مِن يُمْنَةِ الصَّدْرِ وأرْبَعَةُ أضْلاعٍ مِن يُسْرَةِ الصَّدْرِ. الخامِسُ: أنَّها بَيْنَ اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ والعَيْنَيْنِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. السّادِسُ: هي عُصارَةُ القَلْبِ، قالَهُ مَعْمَرُ بْنُ أبِي حَبِيبَةَ. ﴿إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: عَلى أنْ يَرُدَّ المَنِيَّ في الإحْلِيلِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: عَلى أنْ يَرُدَّ الماءَ في الصُّلْبِ، قالَهُ عِكْرِمَةُ. الثّالِثُ: عَلى أنْ يَرُدَّ الإنْسانَ مِنَ الكِبَرِ إلى الشَّبابِ، ومِنَ الشَّبابِ إلى الصِّبا، ومِنَ الصِّبا إلى النُّطْفَةِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الرّابِعُ: عَلى أنْ يُعِيدَهُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ، قالَهُ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ وقَتادَةُ. الخامِسُ: عَلى أنْ يَحْبِسَ الماءَ فَلا يَخْرُجُ. وَيَحْتَمِلُ سادِسًا: عَلى أنْ يُعِيدَهُ إلى الدُّنْيا بَعْدَ بَعْثِهِ في الآخِرَةِ لِأنَّ الكُفّارَ يَسْألُونَ اللَّهَ فِيها الرَّجْعَةَ. ﴿يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ﴾ أيْ تَظْهَرُ. وَيَحْتَمِلُ ثانِيًا: أنْ تُبْتَلى بِظُهُورِ السَّرائِرِ في الآخِرَةِ بَعْدَ اسْتِتارِها في الدُّنْيا. وَفِيها قَوْلانِ:(p-٢٤٨) أحَدُهُما: كُلُّ ما اسْتَتَرَ بِهِ الإنْسانُ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ، وأضْمَرَهُ مِن إيمانٍ أوْ كُفْرٍ، كَما قالَ الأحْوَصُ ؎ سَتُبْلى لَكم في مُضْمَرِ السِّرِّ والحَشا ∗∗∗ سَرِيرَةُ وُدٍّ يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ. الثّانِي: هو ما رَواهُ خالِدٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « (اَلْأماناتُ ثَلاثٌ: الصَّلاةُ والصَّوْمُ والجَنابَةُ، اسْتَأْمَنَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ عَلى الصَّلاةِ، فَإنْ شاءَ قالَ: قَدْ صَلَّيْتُ ولَمْ يُصَلِّ، اسْتَأْمَنَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ عَلى الصَّوْمِ، فَإنْ شاءَ قالَ: قَدْ صُمْتُ ولَمْ يَصُمْ، اسْتَأْمَنَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ عَلى الجَنابَةِ، فَإنْ شاءَ قالَ: قَدِ اغْتَسَلْتُ ولَمْ يَغْتَسِلْ، اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ )» . ﴿فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ القُوَّةَ العَشِيرَةُ، والنّاصِرَ: الحَلِيفُ، قالَهُ سُفْيانُ. الثّانِي: فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ في بَدَنِهِ، ولا ناصِرٍ مِن غَيْرِهِ يَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ اللَّهِ، أوْ يَنْتَصِرُ بِهِ عَلى اللَّهِ، وهو مَعْنى قَوْلِ قَتادَةَ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ في الِامْتِناعِ، ولا ناصِرٍ في الِاحْتِجاجِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب