الباحث القرآني

(p-٢٣٣)سُورَةُ الِانْشِقاقِ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجَمِيعِ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ وهَذا مِن أشْراطِ السّاعَةِ، قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَنْشَقُّ السَّماءُ مِنَ المَجَرَّةِ، وفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ مَحْذُوفُ الجَوابِ وتَقْدِيرُهُ: إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ رَأى الإنْسانُ ما قَدَّمَ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. الثّانِي: أنَّ جَوابَهُ ﴿كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا﴾ الثّالِثُ: مَعْناهُ اذْكُرْ إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ. ﴿وَأذِنَتْ لِرَبِّها وحُقَّتْ﴾ مَعْنى أذِنَتْ لِرَبِّها أيْ سَمِعَتْ لِرَبِّها، ومِنهُ قَوْلُ (p-٢٣٤) النَّبِيِّ ﷺ «ما أذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإذانِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنّى بِالقُرْآنِ» أيْ ما اسْتَمَعَ اللَّهُ لِشَيْءٍ، وقالَ الشّاعِرُ ؎ صُمٌّ إذا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ وإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهم أذِنُوا ايْ سَمِعُوا. ﴿وَحُقَّتْ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أطاعَتْ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: مَعْناهُ حَقَّ لَها أنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ، قالَهُ قَتادَةُ، ومِنهُ قَوْلٌ كُثَيِّرٌ ؎ فَإنْ تَكُنِ العُتْبى فَأهْلًا ومَرْحَبًا ∗∗∗ وحُقَّتْ لَها العُتْبى لَدَيْنا وقَلَّتْ. وَيَحْتَمِلُ وجْهًا ثالِثًا: أنَّها جُمِعَتْ، مَأْخُوذٌ مِنَ اجْتِماعِ الحَقِّ عَلى نافِيهِ وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ أنَّ " أذِنَتْ لِرَبِّها وحَقَّتْ " جَوابُ القَسَمِ، والواوُ زائِدَةٌ. ﴿وَإذا الأرْضُ مُدَّتْ﴾ فِيها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ البَيْتَ كانَ قَبْلَ الأرْضِ بِألْفَيْ عامٍ، فَمُدَّتِ الأرْضُ مِن تَحْتِهِ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ. الثّانِي: أنَّها أرْضُ القِيامَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وهو أشْبَهُ بِسِياقِ الكَلامِ. وَفي ﴿مُدَّتْ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: سُوِّيَتْ، فَدُكَّتِ الجِبالُ ويَبِسَتِ البِحارُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّانِي: بُسِطَتْ، قالَهُ الضَّحّاكُ، ورَوى عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ:(p-٢٣٥) « (إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ مَدَّ اللَّهُ الأرْضَ مَدَّ الأدِيمِ حَتّى لا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النّاسِ إلّا مَوْضِعُ قَدَمِهِ)» . ﴿وَألْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: ألْقَتْ ما في بَطْنِها مِنَ المَوْتى، وتَخَلَّتْ عَمَّنْ عَلى ظَهْرِها مِنَ الأحْياءِ، قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: ألْقَتْ ما في بَطْنِها مِن كُنُوزِها ومَعادِنِها وتَخَلَّتْ مِمّا عَلى ظَهْرِها مِن جِبالِها وبِحارِها، وهو مَعْنى قَوْلِ قَتادَةَ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: هو أعَمُّ، أنَّها ألْقَتْ ما اسْتُودِعَتْ، وتَخَلَّتْ مِمّا اسْتُحْفِظَتْ لِأنَّ اللَّهَ اسْتَوْدَعَها عِبادَهُ أحْياءً وأمْواتًا، واسْتَحْفَظَها بِلادَهُ مَزارِعَ وأقْواتًا. ﴿يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: إنَّكَ ساعٍ إلى رَبِّكَ سَعْيًا حَتّى تُلاقِيَ رَبَّكَ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ ؎ ومَضَتْ بَشاشَةُ كُلِّ عَيْشٍ صالِحٍ ∗∗∗ وبَقِيتُ أكْدَحُ لِلْحَياةِ وأنْصَبُ ايْ أعْمَلُ لِلْحَياةِ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلًا ثالِثًا: أنَّ الكادِحَ هو الَّذِي يَكْدَحُ نَفْسَهُ في الطَّلَبِ إنْ تَيَسَّرَ أوْ تَعَسَّرَ. ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ رَوِيَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: « (يُعْرَضُ النّاسُ ثَلاثَ عَرْضاتٍ، فَأمّا عَرْضَتانِ فَجِدالٌ ومَعاذِيرُ، وفي الثّالِثَةِ تَطِيرُ الكُتُبُ مِنَ الأيْدِي، فَبَيْنَ آخِذٍ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، وبَيْنَ آخِذٍ كِتابَهُ بِشِمالِهِ)» . ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ وفي الحِسابِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: يُجازى عَلى الحَسَناتِ ويُتَجاوَزُ لَهُ عَنِ السَّيِّئاتِ، قالَهُ الحَسَنُ. الثّانِي: ما رَواهُ صَفْوانُ بْنُ سَلِيمٍ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنِ (p-٢٣٦) الَّذِي يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا، فَقالَ: (يُعَرَّفُ عَمَلُهُ ثُمَّ يُتَجاوَزُ عَنْهُ، ولَكِنْ مَن نُوقِشَ الحِسابَ فَذَلِكَ هو الهالِكُ)» . الثّالِثُ: أنَّهُ العَرْضُ، رَوى ابْنُ أبِي مَلِيكَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أنَّها سَألَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ فَقالَ: (ذَلِكَ العَرْضُ يا عائِشَةُ، مَن نُوقِشَ في الحِسابِ يَهْلَكُ)» . ﴿وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ قالَ قَتادَةُ: إلى أهْلِهِ الَّذِينَ قَدْ أعَدَّهُمُ اللَّهُ لَهُ في الجَنَّةِ. وَيَحْتَمِلُ وجْهًا ثانِيًا: أنْ يُرِيدَ أهْلَهُ الَّذِينَ كانُوا لَهُ في الدُّنْيا لِيُخْبِرَهم بِخَلاصِهِ وسَلامَتِهِ. ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾ أيْ لَنْ يَرْجِعَ حَيًّا مَبْعُوثًا فَيُحاسَبُ ثُمَّ يُثابُ أوْ يُعاقَبُ، يُقالُ: حارَ يَحُورُ، إذا رَجَعَ، ومِنهُ الحَدِيثُ: « (أعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ»، يَعْنِي مِنَ الرُّجُوعِ إلى النُّقْصانِ بَعْدَ الزِّيادَةِ)، ورُوِيَ: (بَعْدَ الكَوْنِ)، ومَعْناهُ انْتِشارُ الأمْرِ بَعْدَ تَمامِهِ. وَسُئِلَ مَعْمَرٌ عَنِ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ فَقالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ صالِحًا ثُمَّ يَتَحَوَّلُ امْرَأ سَوْءٍ. وَقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: الكُنَنِيُّ: هو الَّذِي يَقُولُ: كُنْتُ شابًّا وكُنْتُ شُجاعًا، والكانِيُّ: هو الَّذِي يَقُولُ: كانَ لِي مالٌ وكُنْتُ أهَبُ وكانَ لِي خَيْلٌ وكُنْتُ أرْكَبُ، وأصْلُ الحَوْرِ الرُّجُوعُ، قالَ لَبِيدٌ ؎ وما المَرْءُ إلّا كالشِّهابِ وضَوْئِهِ ∗∗∗ يَحُورُ رَمادًا بَعْدَ إذْ هو ساطِعُ. وَقالَ عِكْرِمَةُ وداوُدُ بْنُ أبِي هِنْدٍ: يَحُورُ كَلِمَةٌ بِالحَبَشِيَّةِ، ومَعْناها يَرْجِعُ وقِيلَ (p-٢٣٧) لِلْقَصّارِ حِوارِيٌّ لِأنَّ الثِّيابَ تَرْجِعُ بِعَمَلِهِ إلى البَياضِ. ﴿بَلى إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: مُشاهِدًا لِما كانَ عَلَيْهِ. الثّانِي: خَبِيرًا بِما يَصِيرُ إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب