الباحث القرآني

(p-٢٠٢)سُورَةُ عَبَسَ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجَمِيعِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿عَبَسَ وتَوَلّى﴾ ﴿أنْ جاءَهُ الأعْمى﴾ رَوى سَعِيدٌ عَنْ قَتادَةَ أنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وهو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زائِدَةَ مِن بَنِي فِهْرٍ، وكانَ ضَرِيرًا، أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَسْتَقْرِئُهُ وهو يُناجِي بَعْضَ عُظَماءِ قُرَيْشٍ - وقَدْ طَمِعَ في إسْلامِهِمْ - قالَ قَتادَةُ: هو أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وقالَ مُجاهِدٌ: هُما عُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنا رَبِيعَةَ، فَأعْرَضَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الأعْمى وعَبَسَ في وجْهِهِ، فَعاتَبَهُ اللَّهُ تَعالى في إعْراضِهِ وتَوَلِّيهِ فَقالَ ﴿عَبَسَ وتَوَلّى﴾ أيْ قَطَّبَ وأعْرَضَ ﴿أنْ جاءَهُ الأعْمى﴾ يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ. ﴿وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يُؤْمِنُ، قالَهُ عَطاءٌ. الثّانِي: يَتَعَبَّدُ بِالأعْمالِ الصّالِحَةِ، قالَهُ ابْنُ عِيسى. الثّالِثُ: يَحْفَظُ ما يَتْلُوهُ عَلَيْهِ مِنَ القُرْآنِ، قالَهُ الضَّحّاكُ.(p-٢٠٣) الرّابِعُ: يَتَفَقَّهُ في الدِّينِ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. ﴿أوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى﴾ قالَ السُّدِّيُّ: لَعَلَّهُ يَزَّكّى ويَذَّكَّرُ، والألِفُ صِلَةٌ، وفي الذِّكْرى وجْهانِ: أحَدُها: الفِقْهُ. الثّانِي: العِظَةُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَكانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا نَظَرَ إلَيْهِ مُقْبِلًا بَسَطَ لَهُ رِداءَهُ حَتّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ إكْرامًا لَهُ. قالَ قَتادَةُ: واسْتَخْلَفَهُ عَلى صَلاةِ النّاسِ بِالمَدِينَةِ في غَزاتَيْنِ مِن غَزَواتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ لِما نَزَلَ فِيهِ. ﴿كَلا إنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تَذْكِرَةٌ، قالَهُ الفَرّاءُ والكَلْبِيُّ. الثّانِي: أنَّ القُرْآنَ تَذْكِرَةٌ، قالَهُ مُقاتِلٌ. ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: فَمَن شاءَ اللَّهُ ألْهَمَهُ الذِّكْرَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. الثّانِي: فَمَن شاءَ أنْ يَتَذَكَّرَ بِالقُرْآنِ أذْكَرَهُ اللَّهُ، وهو مَعْنى قَوْلِ الكَلْبِيِّ. ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مُكَرَّمَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّانِي: مُكَرَّمَةٌ في الدِّينِ لِما فِيها مِنَ الحِكَمِ والعِلْمِ، قالَهُ الطَّبَرِيُّ. الثّالِثُ: لِأنَّهُ نَزَلَ بِها كِرامُ الحَفَظَةِ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلًا رابِعًا: أنَّها نَزَلَتْ مِن كِرِيمٍ، لِأنَّ كَرامَةَ الكِتابِ مِن كَرامَةِ صاحِبِهِ. ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مَرْفُوعَةٌ في السَّماءِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ. الثّانِي: مَرْفُوعَةُ القَدْرِ والذِّكْرِ، قالَهُ الطَّبَرِيُّ.(p-٢٠٤) وَيَحْتَمِلُ قَوْلًا ثالِثًا: مَرْفُوعَةٌ عَنِ الشَّبَهِ والتَّناقُضِ. ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: مِنَ الدَّنَسِ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ. الثّانِي: مِنَ الشِّرْكِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّالِثُ: أنَّهُ لا يَمَسُّها إلّا المُطَهَّرُونَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الرّابِعُ: مُطَهَّرَةٌ مِن أنْ تَنْزِلَ عَلى المُشْرِكِينَ، قالَهُ الحَسَنُ. وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: لِأنَّها نَزَلَتْ مِن طاهِرٍ مَعَ طاهِرٍ عَلى طاهِرٍ. ﴿بِأيْدِي سَفَرَةٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ السُّفْرَةَ الكَتَبَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، قالَ المُفَضَّلُ: هو مَأْخُوذٌ مِن سَفَرَ يُسْفِرُ سَفَرًا، إذا كَتَبَ، قالَ الزَّجّاجُ: إنَّما قِيلَ لِلْكِتابِ سِفْرٌ ولِلْكاتِبِ سافِرٌ مِن تَبْيِينِ الشَّيْءِ وإيضاحِهِ، كَما يُقالُ أسْفَرَ الصُّبْحُ إذا وضَحَ ضِياؤُهُ وظَهَرَ، وسَفَرَتِ المَرْأةُ إذا كَشَفَتْ نِقابَها. الثّانِي: أنَّهُمُ القُرّاءُ، قالَ قَتادَةُ لِأنَّهم يَقْرَؤُونَ الأسْفارَ. الثّالِثُ: هُمُ المَلائِكَةُ، لِأنَّهُمُ السُّفْرَةُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورُسُلِهِ بِالرَّحْمَةِ، قالَ زَيْدٌ، كَما يُقالُ سَفَرَ بَيْنَ القَوْمِ إذا بَلَغَ صَلاحًا، وأنْشَدَ الفَرّاءُ ؎ وما أدَعُ السِّفارَةَ بَيْنَ قَوْمِي وما أمْشِي بِغِشٍّ إنْ مَشَيْتُ ﴿كِرامٍ بَرَرَةٍ﴾ في الكِرامِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: كِرامٌ عَلى رَبِّهِمْ، قالَهُ الكَلْبِيُّ. الثّانِي: كِرامٌ عَنِ المَعاصِي فَهم يَرْفَعُونَ أنْفُسَهم عَنْها، قالَهُ الحَسَنُ. الثّالِثُ: يَتَكَرَّمُونَ عَلى مَن باشَرَ زَوْجَتَهُ بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ دِفاعًا عَنْهُ وصِيانَةً لَهُ، وهو مَعْنى قَوْلِ الضَّحّاكِ. وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: أنَّهم يُؤْثِرُونَ مَنافِعَ غَيْرِهِمْ عَلى مَنافِعَ أنْفُسِهِمْ. وَفي ﴿بَرَرَةٍ﴾ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: مُطِيعِينَ، قالَهُ السُّدِّيُّ.(p-٢٠٥) الثّانِي: صادِقِينَ واصِلِينَ، قالَهُ الطَّبَرِيُّ. الثّالِثُ: مُتَّقِينَ مُطَهَّرِينَ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَيَحْتَمِلُ قَوْلًا رابِعًا: أنَّ البَرَرَةَ مَن تَعَدّى خَيْرُهم إلى غَيْرِهِمْ، والخِيَرَةُ مَن كانَ خَيْرُهم مَقْصُورًا عَلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب