الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالحَقِّ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ بِالحَقِّ مَعَ كَراهَةِ فَرِيقٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ يُنْجِزُ وعْدَكَ في نَصْرِكَ عَلى أعْدائِكَ بِالحَقِّ. والثّانِي: كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ مِنَ المَدِينَةِ إلى بَدْرٍ بِالحَقِّ كَذَلِكَ جَعَلَ لَكَ غَنِيمَةَ بَدْرٍ بِالحَقِّ. وَفي قَوْلِهِ: ﴿بِالحَقِّ﴾ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّكَ خَرَجْتَ ومَعَكَ الحَقُّ. الثّانِي: أنَّهُ أخْرَجَكَ بِالحَقِّ الَّذِي وجَبَ عَلَيْكَ. ﴿وَإنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: كارِهُونَ خُرُوجَكَ. (p-٢٩٦)الثّانِي: كارِهُونَ صَرْفَ الغَنِيمَةِ عَنْهم لِأنَّهم لَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ جَعَلَها لِرَسُولِهِ دُونَهم. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يُجادِلُونَكَ في الحَقِّ بَعْدَما تَبَيَّنَ﴾ يَعْنِي في القِتالِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَ ﴿بَعْدَما تَبَيَّنَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لَهم صَوابُهُ. الثّانِي: بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لَهم فَرْضُهُ. وَفي المُجادِلِ لَهُ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الثّانِي: أنَّهم طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ إسْحاقَ، لِأنَّهم خَرَجُوا لِأخْذِ العِيرِ المُقْبِلَةِ مِنَ الشّامِ مَعَ أبِي سُفْيانَ فَلَمّا فاتَهم ذَلِكَ أُمِرُوا بِالقِتالِ فَجادَلُوا طَلَبًا لِلرُّخْصَةِ وقالُوا ما تَأهَّبْنا في الخُرُوجِ لِقِتالِ العَدُوِّ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿كَأنَّما يُساقُونَ إلى المَوْتِ﴾ يَعْنِي كَأنَّهم في قِتالِ عَدُوِّهِمْ يُساقُونَ إلى المَوْتِ، رُعْبًا وأسَفًا لِأنَّهُ أشَدُّ لِحالِ مَن سِيقَ إلى المَوْتِ أنْ يَكُونَ ناظِرًا لَهُ وعالِمًا بِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ أنَّها لَكُمْ﴾ الآيَةَ. وَسَبَبُ ذَلِكَ «أنَّ عِيرَ قُرَيْشٍ لَمّا أقْبَلَتْ مِنَ الشّامِ مَعَ أبِي سُفْيانَ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالخُرُوجِ لِأخْذِها، وسارَ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَخَرَجَتْ لِلْمَنعِ عَنْها، فَلَمّا عَلِمَ النَّبِيُّ ﷺ بِخُرُوجِها شاوَرَ أصْحابَهُ، فَقالَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ آمَنّا بِكَ وصَدَّقْناكَ وشَهِدْنا أنَّ ما جِئْتَ بِهِ هو الحَقُّ وأعْطَيْناكَ عَلى ذَلِكَ عُهُودَنا ومَواثِيقَنا عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ، فامْضِ يا رَسُولَ اللَّهِ لِما أرَدْتَ فَوالَّذِي بَعَثَكَ إنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنا هَذا البَحْرَ فَخُضْتَهُ لَنَخُوضَنَّهُ مَعَكَ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِ سَعْدٍ وقالَ: (سِيرُوا عَلى بَرَكَةِ اللَّهِ وأبْشِرُوا فَإنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ وعَدَنِي إحْدى الطّائِفَتَيْنِ واللَّهِ لَكَأنِّي أنْظُرُ الآنَ إلى مَصارِعِ القَوْمِ» فَذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ﴾ يَعْنِي العِيرَ الَّتِي مَعَ أبِي سُفْيانَ أوِ الظَّفْرَ بِقُرَيْشٍ الخارِجِينَ لِلْمَنعِ مِنها. (p-٢٩٧)﴿وَتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ أيْ غَيْرَ ذاتِ الحَرْبِ وهي العِيرُ لِأنَّ نُفُوسَهم في لِقائِها أسْكَنُ، وهم إلى ما فِيها مِنَ الأمْوالِ أحْوَجُ. وَفي الشَّوْكَةِ الَّتِي كُنِّيَ بِها عَنِ الحَرْبِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّها الشِّدَّةُ فَكُنِّيَ بِها عَنِ الحَرْبِ لِما فِيها مِنَ الشِّدَّةِ، وهَذا قَوْلُ قُطْرُبٍ. والثّانِي: أنَّها السِّلاحُ، وكُنِّيَ بِها عَنِ الحَرْبِ لِما فِيها مِنَ السِّلاحِ، مِن قَوْلِهِمْ رَجُلٌ شاكٍ في السِّلاحِ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: إظْهارُ الحَقِّ بِإعْزازِ الدِّينِ في وقْتِهِ عَلى ما تَقَدَّمَ مِن وعْدِهِ. والثّانِي: أنَّ الحَقَّ في أمْرِهِ لَكم أنْ تُجاهِدُوا عَدُوَّكم. وَفي صِفَةِ ذَلِكَ وجْهانِ لِأصْحابِ الخَواطِرِ. أحَدُهُما: يُحِقُّ الحَقَّ بِالإقْبالِ عَلَيْهِ ويُبْطِلُ الباطِلَ بِالإعْراضِ عَنْهُ. الثّانِي: يُحِقُّ الحَقَّ بِالقَبُولِ ويُبْطِلُ الباطِلَ بِالرَّدِّ. ﴿لِيُحِقَّ الحَقَّ﴾ مَعْناهُ لِيُظْهِرَ الحَقَّ يَعْنِي الإسْلامَ. ﴿وَيُبْطِلَ الباطِلَ﴾ أيْ يَذْهَبُ بِالباطِلِ يَعْنِي الشِّرْكَ. قالَ الحَسَنُ. هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالحَقِّ﴾ وهي في القِراءَةِ بَعْدَها. رَوى سِماكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَيْكَ بِالعِيرِ لَيْسَ دُونَها شَيْءٌ فَقالَ لَهُ العَبّاسُ وهو أسِيرٌ في أيْدِيهِمْ: لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ، فَقالَ: لِمَ؟ فَقالَ: لِأنَّ اللَّهَ تَعالى وعَدَكَ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ وقَدْ أعْطاكَ ما وعَدَكَ. »
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب