الباحث القرآني

﴿وَلا تَكُونُوا كالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ بَطَرًا ورِئاءَ النّاسِ﴾ هم قُرَيْشٌ حِينَ خَرَجُوا في حِمايَةِ العِيرِ فَنَجا بِها أبُو سُفْيانَ، فَقالَ لَهم أبُو جَهْلٍ: لا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا ونَنْحَرَ جَزُورًا ونَشْرَبَ خَمْرًا وتَعْزِفَ عَلَيْنا القِيانُ، فَكانَ مِن أمْرِ اللَّهِ فِيهِمْ ما كانَ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: ظَهَرَ لَهم في (p-٣٢٥)صُورَةِ سُراقَةَ بْنِ جَعْشَمٍ مِن بَنِي كِنانَةَ فَزَيَّنَ لِلْمُشْرِكِينَ أعْمالَهم. يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: زَيَّنَ لَهم شِرْكَهم. والثّانِي: زَيَّنَ لَهم قِتالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وفِيهِ وجْهٌ ثالِثٌ: أنَّهُ زَيَّنَ لَهم قُوَّتَهم حَتّى اعْتَمَدُوها. ﴿وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ﴾ يَعْنِي أنَّكُمُ الغالِبُونَ دُونَ المُؤْمِنِينَ. ﴿وَإنِّي جارٌ لَكُمْ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: يَعْنِي أنِّي مَعَكم. وَفي جِوارِكم يَنالُنِي ما نالَكم. الثّانِي: مُجِيرٌ لَكم وناصِرٌ. فَيَكُونُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ مِنَ الجِوارِ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي مِنَ الإجارَةِ. ﴿فَلَمّا تَراءَتِ الفِئَتانِ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: فِئَةُ المُسْلِمِينَ وفِئَةُ المُشْرِكِينَ. والثّانِي: المُسْلِمُونَ ومَن أُمِدُّوا بِهِ مِنَ المَلائِكَةِ. فَكانُوا فِئَتَيْنِ. ﴿نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ والنُّكُوصُ أنْ يَهْرُبَ ذَلِيلًا خازِيًا، قالَ الشّاعِرُ: ؎ وما يَنْفَعُ المُسْتَأْخِرِينَ نُكُوصُهم ولا ضَرَّ أهْلَ السّابِقاتِ التَّقَدُّمُ ﴿وَقالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكم إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ﴾ يَعْنِي مِنَ المَلائِكَةِ الَّذِينَ أمَدَّ اللَّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ. ﴿إنِّي أخافُ اللَّهَ﴾ وإنَّما ذَكَرَ خَوْفَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى في هَذا المَوْضِعِ ولَمْ يَذْكُرْهُ في امْتِناعِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ لِأنَّهُ قَدْ كانَ سَألَ الإنْظارَ إلى قِيامِ السّاعَةِ فَلَمّا رَأى نُزُولَ المَلائِكَةِ بِبَدْرٍ تَصَوَّرُ قِيامِ السّاعَةِ فَخافَ فَقالَ: ﴿إنِّي أخافُ اللَّهَ واللَّهُ شَدِيدُ العِقابِ﴾ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ فِيهِمْ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهم قَوْمٌ في قُلُوبِهِمْ شَكٌّ كانُوا تَكَلَّمُوا بِالإسْلامِ وهم بِمَكَّةَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ. (p-٣٢٦)والثّانِي: أنَّهُمُ المُشْرِكُونَ، قالَهُ الحَسَنُ. والثّالِثُ: أنَّهم قَوْمٌ مُرْتابُونَ لَمْ يُظْهِرُوا العَداوَةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِخِلافِ المُنافِقِينَ. والمَرَضُ في القَلْبِ كُلِّهِ هو الشَّكُّ، وهو مَشْهُورٌ في كَلامِ العَرَبِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ ولا مَرَضًا أتَّقِيهِ إنِّي لَصائِنٌ ∗∗∗ لِعِرْضِي ولِي في الألِيَّةِ مَفْخَرُ وَقَوْلُهُ تَعالى ﴿غَرَّ هَؤُلاءِ﴾ يَعْنِي المُسْلِمِينَ. ﴿دِينُهُمْ﴾ يَعْنِي الإسْلامَ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَلَّلَ المُشْرِكِينَ في أعْيُنِ المُسْلِمِينَ لِيَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِمْ، وقَلَّلَ المُسْلِمِينَ في أعْيُنِ المُشْرِكِينَ لِيَسْتَهِينُوا بِهِمْ حَتّى أظْفَرَ بِهِمُ المُسْلِمِينَ فَقَتَلُوا مَن قَتَلُوا وأسَرُوا مَن أسَرُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب