الباحث القرآني

(p-١٩٢)سُورَةُ النّازِعاتِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿والنّازِعاتِ غَرْقًا﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: هي المَلائِكَةُ تَنْزِعُ نُفُوسَ بَنِي آدَمَ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ومَسْرُوقٌ. الثّانِي: هو المَوْتُ يَنْزِعُ النُّفُوسَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّالِثُ: هي النُّفُوسُ حِينَ تُنْزَعُ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الرّابِعُ: هي النُّجُومُ تَنْزِعُ مِن أُفُقٍ إلى أُفُقٍ، ومِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ. والخامِسُ: هي القِسِيُّ تَنْزِعُ بِالسَّهْمِ، قالَهُ عَطاءٌ. السّادِسُ: هي الوَحْشُ تَنْزِعُ مِنَ الكَلَإ وتَنْفِرُ، حَكاهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ، ومَعْنى ﴿غَرْقًا﴾ أيْ إبْعادًا في النَّزْعِ. ﴿والنّاشِطاتِ نَشْطًا﴾ فِيهِ سِتَّةُ تَأْوِيلاتٍ:(p-١٩٣) أحَدُها: هي المَلائِكَةُ تَنْشُطُ أرْواحَ المُؤْمِنِينَ بِسُرْعَةٍ كَنَشْطِ العِقالِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: النُّجُومُ الَّتِي تَنْشَطُ مِن مَطالِعِها إلى مَغارِبِها، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: هو المَوْتُ يَنْشَطُ نَفْسَ الإنْسانِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: هي النَّفْسُ حَيْثُ نَشِطَتْ بِالمَوْتِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الخامِسُ: هي الأوْهاقُ، قالَهُ عَطاءٌ. السّادِسُ: هي الوَحْشُ تَنْشَطُ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، كَما أنَّ الهُمُومَ تَنَشَطُ الإنْسانَ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، وأنْشَدَ قَوْلَ هَمّامِ بْنِ قُحافَةَ ؎ أمْسَتْ هُمُومِي تَنْشَطُ المَناشِطا الشّامَ بِي طَوْرًا وطَوْرًا واسِطًا. ﴿والسّابِحاتِ سَبْحًا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: هي المَلائِكَةُ سَبَّحُوا إلى طاعَةِ اللَّهِ مِن بَنِي آدَمَ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ والحَسَنُ. الثّانِي: هي النُّجُومُ تَسْبَحُ في فَلَكِها، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: هو المَوْتُ يَسْبَحُ في نَفْسِ ابْنِ آدَمَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: هي السُّفُنُ تَسْبَحُ في الماءِ، قالَهُ عَطاءٌ. الخامِسُ: هي الخَيْلُ، حَكاهُ ابْنُ شَجَرَةَ، كَما قالَ عَنْتَرَةُ ؎ والخَيْلُ تَعْلَمُ حِينَ تَسْ ∗∗∗ بَحُ في حِياضِ المَوْتِ سَبْحًا وَيَحْتَمِلُ سادِسًا: أنْ تَكُونَ السّابِحاتُ الخَوْضُ في أهْوالِ القِيامَةِ. ﴿فالسّابِقاتِ سَبْقًا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها هي المَلائِكَةُ تَسْبِقُ الشَّياطِينَ بِالوَحْيِ إلى الأنْبِياءِ، قالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ومَسْرُوقٌ. وَقالَ الحَسَنُ: سَبَقَتْ إلى الإيمانِ. الثّانِي: هي النُّجُومُ يَسْبِقُ بَعْضُها بَعْضًا، قالَهُ قَتادَةُ. الثّالِثُ: هو المَوْتُ يَسْبِقُ إلى النَّفْسِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: هي النَّفْسُ تَسْبِقُ بِالخُرُوجِ عِنْدَ المَوْتِ، قالَهُ الرَّبِيعُ.(p-١٩٤) الخامِسُ: هي الخَيْلُ، قالَهُ عَطاءٌ. وَيَحْتَمِلُ سادِسًا: أنْ تَكُونَ السّابِقاتُ ما سَبَقَ مِنَ الأرْواحِ قَبْلَ الأجْسادِ إلى جَنَّةٍ أوْ نارٍ. ﴿فالمُدَبِّراتِ أمْرًا﴾ فِيهِمْ قَوْلانِ: أحَدُهُما: هي المَلائِكَةُ، قالَهُ الجُمْهُورُ، فَعَلى هَذا في تَدْبِيرِها بِالأمْرِ وجْهانِ: أحَدُهُما: تَدْبِيرُ ما أُمِرَتْ بِهِ وأُرْسِلَتْ فِيهِ. الثّانِي: تَدْبِيرُ ما وُكِّلَتْ فِيهِ مِنَ الرِّياحِ والأمْطارِ. الثّانِي: هي الكَواكِبُ السَّبْعَةُ، حَكاهُ خالِدُ بْنُ مَعْدانَ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ; وعَلى هَذا في تَدْبِيرِها لِلْأمْرِ وجْهانِ. أحَدُهُما: تَدْبِيرُ طُلُوعِها وأُفُولِها. الثّانِي: تَدْبِيرُ ما قَضاهُ اللَّهُ فِيها مِن تَقَلُّبِ الأحْوالِ. وَمِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هَذا المَوْضِعِ قَسَمٌ أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنْ ذَكَّرَها بِخالِقِها. الثّانِي: أنَّهُ أقْسَمَ بِها وإنْ كانَتْ مَخْلُوَقَةً لا يَجُوزُ لِمَخْلُوقٍ أنْ يُقْسِمَ بِها، لِأنَّ لِلَّهِ تَعالى أنْ يُقْسِمَ بِما شاءَ مِن خَلْقِهِ. وَجَوابُ ما عُقِدَ لَهُ القَسَمُ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ مُضْمَرٌ مَحْذُوفٌ وتَقْدِيرُهُ لَوْ أظْهَرَ: لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُحاسَبُنَّ، فاسْتَغْنى بِفَحْوى الكَلامِ وفَهْمِ السّامِعِ عَنْ إظْهارِهِ، قالَهُ الفَرّاءُ. الثّانِي: أنَّهُ مَظْهَرٌ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشى﴾ قالَهُ مُقاتِلٌ. الثّالِثُ: هو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ ﴿تَتْبَعُها الرّادِفَةُ﴾ وفِيهِما ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ الرّاجِفَةَ القِيامَةُ، والرّادِفَةَ البَعْثُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّ الرّاجِفَةَ النَّفْخَةُ الأُولى تُمِيتُ الأحْياءَ، والرّادِفَةَ: النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ تُحْيِي المَوْتى، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ.(p-١٩٥) وَقالَ قَتادَةُ: ذُكِرَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: « (بَيْنَهُما أرْبَعُونَ، ما زادَهم عَلى ذَلِكَ ولا سَألُوهُ، وكانُوا يَرَوْنَ أنَّها أرْبَعُونَ سَنَةً)» . وقالَ عِكْرِمَةُ: الأُولى مِنَ الدُّنْيا، والثّانِيَةُ مِنَ الآخِرَةِ. الثّالِثُ: أنَّ الرّاجِفَةَ الزَّلْزَلَةُ الَّتِي تَرْجُفُ الأرْضَ والجِبالَ والرّادِفَةَ إذا دُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، قالَهُ مُجاهِدٌ. وَيَحْتَمِلُ رابِعًا: أنَّ الرّاجِفَةَ أشْراطُ السّاعَةِ، والرّادِفَةَ: قِيامُها. ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: خائِفَةٌ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: طائِرَةٌ عَنْ أماكِنِها، قالَهُ الضَّحّاكُ. ﴿أبْصارُها خاشِعَةٌ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: ذَلِيلَةٌ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: خاضِعَةٌ، قالَهُ الضَّحّاكُ. ﴿يَقُولُونَ أإنّا لَمَرْدُودُونَ في الحافِرَةِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: أنَّ الحافِرَةَ الحَياةُ بَعْدَ المَوْتِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ وعَطِيَّةُ. الثّانِي: أنَّها الأرْضُ المَحْفُورَةُ، قالَهُ ابْنُ عِيسى. الثّالِثُ: أنَّها النّارُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الرّابِعُ: أنَّها الرُّجُوعُ إلى الحالَةِ الأوْلى تَكْذِيبًا بِالبَعْثِ، مِن قَوْلِهِمْ رَجَعَ فَلانٌ عَلى قَوْمِهِ إذا رَجَعَ مِن حَيْثُ جاءَ، قالَهُ قَتادَةُ، قالَ الشّاعِرُ ؎ أحافِرَةُ عَلى صَلَعٍ وشَيْبٍ ∗∗∗ مَعاذَ اللَّهِ مِن جَهْلٍ وطَيْشِ ﴿أإذا كُنّا عِظامًا نَخِرَةً﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: بالِيَةٌ، قالَهُ السُّدِّيُّ. الثّانِي: عَفِنَةٌ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. الثّالِثُ: خالِيَةٌ مُجَوَّفَةٌ تَدْخُلُها الرِّياحُ فَتَنْخُرُ، أيْ تُصَوِّتُ، قالَهُ عَطاءٌ والكَلْبِيُّ.(p-١٩٦) وَمَن قَرَأ (ناخِرَةً) فَإنَّ النّاخِرَةَ البالِيَةُ، والنَّخِرَةَ الَّتِي تَنْخُرُ الرِّيحَ فِيها. ﴿تِلْكَ إذًا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: باطِلَةٌ لا يَجِيءُ مِنها شَيْءٌ، كالخُسْرانِ، ولَيْسَتْ كاسِبَةً، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ. الثّانِي: مَعْناهُ لَئِنْ رَجَعْنا أحْياءً بَعْدَ المَوْتِ لَنَخْسَرَنَّ بِالنّارِ، قالَهُ قَتادَةُ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: إذا كُنّا نَنْتَقِلُ مِن نَعِيمِ الدُّنْيا إلى عَذابِ الآخِرَةِ فَهي كَرَّةٌ خاسِرَةٌ. ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: نَفْخَةٌ واحِدَةٌ يَحْيا بِها الجَمِيعُ فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ، قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ. الثّانِي: الزَّجْرَةُ الغَضَبُ، وهو غَضَبٌ واحِدٌ، قالَهُ الحَسَنُ. وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّهُ لَأمْرٌ حَتْمٌ لا رَجْعَةَ فِيهِ ولا مَثْنَوِيَّةَ. ﴿فَإذا هم بِالسّاهِرَةِ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: وجْهُ الأرْضِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ ومُجاهِدٌ، والعَرَبُ تُسَمِّي وجْهَ الأرْضِ ساهِرَةً لِأنَّ فِيها نَوْمَ الحَيَوانِ وسَهَرَهُ، قالَ أُمَيَّةُ بْنُ أبِي الصَّلْتِ ؎ وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٌ ∗∗∗ وما فاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقِيمُ وَقالَ آخَرُ يَوْمَ ذِي قارٍ لِفَرَسِهِ ؎ أقْدِمْ مَحاجِ إنَّها الأساوِرُهُ ∗∗∗ ولا يَهُولَنَّكَ رِجْلٌ بادِرَهْ ∗∗∗ فَإنَّما قَصْرُكَ تُرْبٌ السّاهِرَهْ ∗∗∗ ثُمَّ تَعُودُ، بَعْدَها في الحافِرَهْ ؎ مِن بَعْدِ ما صِرْتَ عِظامًا ناخِرَهْ الثّانِي: أنَّهُ اسْمُ مَكانٍ مِنَ الأرْضِ بِعَيْنِهِ بِالشّامِ، وهو الصُّقْعُ الَّذِي بَيْنَ جَبَلِ أرِيحا وجَبَلِ حَسّانَ، يَمُدُّهُ اللَّهُ تَعالى كَيْفَ يَشاءُ، قالَهُ عُثْمانُ بْنُ أبِي العاتِكَةِ.(p-١٩٧) الثّالِثُ: أنَّها جَبَلُ بَيْتِ المَقْدِسِ، قالَهُ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. الرّابِعُ: أنَّهُ جَهَنَّمُ، قالَهُ قَتادَةُ. وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: أنَّها عَرْضَةُ القِيامِ لِأنَّها أوَّلُ مَواقِفِ الجَزاءِ، وهم في سَهَرٍ لا نَوْمَ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب