الباحث القرآني
﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلى الأرائِكِ﴾ وفِيها مَعَ ما قَدَّمْناهُ مِن تَفْسِيرِها قَوْلانِ:(p-١٦٩)
أحَدُهُما: أنَّها الأسِرَّةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
الثّانِي: أنَّها كُلُّ ما يُتَّكَأُ عَلَيْهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
﴿لا يَرَوْنَ فِيها شَمْسًا ولا زَمْهَرِيرًا﴾ أمّا المُرادُ بِالشَّمْسِ فَفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهم في ضِياءٍ مُسْتَدِيمٍ لا يَحْتاجُونَ فِيهِ إلى ضِياءٍ، فَيَكُونُ عَدَمُ الشَّمْسِ مُبالَغَةً في وصْفِ الضِّياءِ.
الثّانِي: أنَّهم لا يَرَوْنَ فِيها شَمْسًا فَيَتَأذَّوْنَ بِحَرِّها، فَيَكُونُ عَدَمُها نَفْيًا لِأذاها.
وَفي الزَّمْهَرِيرِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ البَرْدُ الشَّدِيدُ، قالَ عِكْرِمَةُ لِأنَّهم لا يَرَوْنَ في الجَنَّةِ حَرًّا ولا بَرْدًا.
الثّانِي: أنَّهُ لَوْنٌ في العَذابِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الثّالِثُ: أنَّهُ مِن هَذا المَوْضِعِ القَمَرُ، قالَهُ ثَعْلَبٌ وأنْشَدَ
؎ ولَيْلَةٌ ظَلامُها قَدِ اعْتَكَرْ قَطَعْتُها والزَّمْهَرِيرُ ما ظَهَرْ
وَرُوِيَ ما زَهَرْ، ومَعْناهُ أنَّهم في ضِياءٍ مُسْتَدِيمٍ لا لَيْلَ فِيهِ ولا نَهارَ، لِأنَّ ضَوْءَ النَّهارِ بِالشَّمْسِ، وضَوْءَ اللَّيْلِ بِالقَمَرِ.
﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلا﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ لا يَرُدُّ أيْدِيَهم عَنْها شَوْكٌ ولا بُعْدٌ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: أنَّهُ إذا قامَ ارْتَفَعَتْ، وإذا قَعَدَ نَزَلَتْ، قالَهُ مُجاهِدٌ.(p-١٧٠)
وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنْ يَكُونَ تَذْلِيلُ قُطُوفِها أنْ تَبْرُزَ لَهم مِن أكْمامِها وتَخْلُصَ مِن نَواها.
﴿وَأكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرا﴾ ﴿قَوارِيرا مِن فِضَّةٍ﴾ أمّا الأكْوابُ فَقَدْ ذَكَرْنا ما هي مِن جُمْلَةِ الأوانِي.
وَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَوارِيرا مِن فِضَّةٍ﴾ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّها مِن فِضَّةٍ مِن صَفاءِ القَوارِيرِ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ.
الثّانِي: أنَّها مِن قَوارِيرَ في بَياضِ الفِضَّةِ، قالَهُ أبُو صالِحٍ.
وَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قَوارِيرُ كُلِّ أرْضٍ مِن تُرْبَتِها، وأرْضُ الجَنَّةِ الفِضَّةُ فَلِذَلِكَ كانَتْ قَوارِيرُها فِضَّةً.
﴿قَدَّرُوها تَقْدِيرًا﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهم قَدَّرُوها في أنْفُسِهِمْ فَجاءَتْ عَلى ما قَدَّرُوها، قالَهُ الحَسَنُ.
الثّانِي: عَلى قَدْرِ مَلْءِ الكَفِّ، قالَهُ الضَّحّاكُ.
الثّالِثُ: عَلى مِقْدارٍ لا تَزِيدُ فَتَفِيضُ، ولا تَنْقُصُ فَتَغِيضُ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الرّابِعُ: عَلى قَدْرِ رِيِّهِمْ وكِفايَتِهِمْ، لِأنَّهُ ألَذُّ وأشْهى، قالَهُ الكَلْبِيُّ.
الخامِسُ: قُدِّرَتْ لَهم وقَدَّرُوا لَها سَواءٌ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ.
﴿وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْسًا كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: تُمْزَجُ بِالزَّنْجَبِيلِ، وهو مِمّا تَسْتَطِيبُهُ العَرَبُ لِأنَّهُ يَحْذُو اللِّسانَ ويَهْضِمُ المَأْكُولَ، قالَهُ السُّدِّيُّ وابْنُ أبِي نَجِيحٍ.
الثّانِي: أنَّ الزَّنْجَبِيلَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ الَّتِي فِيها مِزاجُ شَرابِ الأبْرارِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الثّالِثُ: أنَّ الزَّنْجَبِيلَ طَعْمٌ مِن طَعُومِ الخَمْرِ يَعْقُبُ الشُّرْبَ مِنهُ لَذَّةٌ، حَكاهُ ابْنُ شَجَرَةَ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:(p-١٧١)
؎ وكَأنَّ طَعْمَ الزَّنْجَبِيلِ بِهِ ∗∗∗ إذْ ذُقْتُهُ وسُلافَةَ الخَمْرِ
﴿عَيْنًا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلا﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ اسْمٌ لَها، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
الثّانِي: مَعْناهُ سَلْ سَبِيلًا إلَيْها، قالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
الثّالِثُ: يَعْنِي سَلْسَلَةَ السَّبِيلِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
الرّابِعُ: سَلْسَلَةٌ يُصَرِّفُونَها حَيْثُ شاءُوا، قالَهُ قَتادَةُ.
الخامِسُ: أنَّها تَنْسَلُّ في حُلُوقِهِمُ انْسِلالًا، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
السّادِسُ: أنَّها الجَدِيدَةُ الجَرْيِ، قالَهُ مُجاهِدٌ أيْضًا، ومِنهُ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ
؎ يَسْقُونَ مَن ورَدَ البَرِيصَ عَلَيْهِمْ ∗∗∗ كَأْسًا تُصَفِّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
وَقالَ مُقاتِلٌ: إنَّما سُمِّيَتِ السَّلْسَبِيلَ لِأنَّها تَنْسَلُّ عَلَيْهِمْ في مَجالِسِهِمْ وغُرَفِهِمْ وطُرُقِهِمْ.
﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: مُخَلَّدُونَ لا يَمُوتُونَ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: صِغارٌ لا يَكْبُرُونَ وشَبابٌ لا يَهْرَمُونَ، قالَهُ الضَّحّاكُ والحَسَنُ.
الثّالِثُ: أيْ مُسَوَّرُونَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، قالَ الشّاعِرُ
؎ ومُخَلَّداتٍ بِاللُّجَيْنِ كَأنَّما ∗∗∗ أعْجازُهُنَّ أقاوِزُ الكُثْبانِ.
﴿إذا رَأيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤًا مَنثُورًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُها: أنَّهم مُشَبَّهُونَ بِاللُّؤْلُؤِ المَنثُورِ لِكَثْرَتِهِمْ، قالَهُ قَتادَةُ.
الثّانِي: لِصَفاءِ ألْوانِهِمْ وحُسْنِ مَنظَرِهِمْ وهو مَعْنى قَوْلِ سُفْيانَ.
﴿وَإذا رَأيْتَ ثَمَّ﴾ يَعْنِي الجَنَّةَ.
﴿رَأيْتَ نَعِيمًا﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: يُرِيدُ كَثْرَةَ النِّعْمَةِ.(p-١٧٢)
الثّانِي: كَثْرَةُ النَّعِيمِ.
﴿وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: لِسِعَتِهِ وكَثْرَتِهِ.
الثّانِي: لِاسْتِئْذانِ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمْ وتَحِيَّتِهِمْ بِالسَّلامِ.
وَيَحْتَمِلُ ثالِثًا: أنَّهم لا يُرِيدُونَ شَيْئًا إلّا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
﴿وَسَقاهم رَبُّهم شَرابًا طَهُورًا﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ وصَفَهُ بِذَلِكَ لِأنَّهم لا يَبُولُونَ مِنهُ ولا يُحْدِثُونَ عَنْهُ، قالَهُ عَطِيَّةُ، قالَ إبْراهِيمُ التَّمِيمِيُّ: هو عَرَقٌ يَفِيضُ مِن أعْضائِهِمْ مِثْلَ رِيحِ المِسْكِ.
الثّانِي: لِأنَّ خَمْرَ الجَنَّةِ طاهِرَةٌ، وخَمْرَ الدُّنْيا نَجِسَةٌ، فَلِذَلِكَ وصَفَهُ اللَّهُ تَعالى بِالطَّهُورِ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ.
الثّالِثُ: أنَّ أنْهارَ الجَنَّةِ لَيْسَ فِيها نَجِسٌ كَما يَكُونُ في أنْهارِ الدُّنْيا وأرْضِها حَكاهُ ابْنُ عِيسى.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِۖ لَا یَرَوۡنَ فِیهَا شَمۡسࣰا وَلَا زَمۡهَرِیرࣰا","وَدَانِیَةً عَلَیۡهِمۡ ظِلَـٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِیلࣰا","وَیُطَافُ عَلَیۡهِم بِـَٔانِیَةࣲ مِّن فِضَّةࣲ وَأَكۡوَابࣲ كَانَتۡ قَوَارِیرَا۠","قَوَارِیرَا۟ مِن فِضَّةࣲ قَدَّرُوهَا تَقۡدِیرࣰا","وَیُسۡقَوۡنَ فِیهَا كَأۡسࣰا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِیلًا","عَیۡنࣰا فِیهَا تُسَمَّىٰ سَلۡسَبِیلࣰا","۞ وَیَطُوفُ عَلَیۡهِمۡ وِلۡدَ ٰنࣱ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤࣰا مَّنثُورࣰا","وَإِذَا رَأَیۡتَ ثَمَّ رَأَیۡتَ نَعِیمࣰا وَمُلۡكࣰا كَبِیرًا","عَـٰلِیَهُمۡ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضۡرࣱ وَإِسۡتَبۡرَقࣱۖ وَحُلُّوۤا۟ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةࣲ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا","إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَكَانَ سَعۡیُكُم مَّشۡكُورًا"],"ayah":"عَـٰلِیَهُمۡ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضۡرࣱ وَإِسۡتَبۡرَقࣱۖ وَحُلُّوۤا۟ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةࣲ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق